يقدر عددهم بنحو 20 ألفاً، حسب جمعية "الإيفواريين في تونس"، 60 في المئة منهم من ساحل العاج، بينما تقدرهم السلطات في تونس بأكثر من 7200 مهاجر، بحسب إحصائيات شباط (فبراير) 2021، وينحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء، ويتنقلون في مجموعات، ويعملون في الفلاحة والبناء والمقاهي والمطاعم ومعينات منزليات... هم "المهاجرون الأفارقة"، منهم من اختار الإقامة في تونس، وينتظر بصيص أمل، في إعادة التوطين في إحدى الدول الأوروبية، ومنهم من يتحين الفرصة للهجرة بطريقة سرية إلى السواحل الأوروبية.
على استعداد دائم للمخاطرة
"أميناتا تراوري" (28 عاماً)، واحدة من المهاجرات اللاتي نجون من حادث غرق في مارس (آذار) 2021، قبالة السواحل التونسية، بينما كانت تسعى مع مجموعة من المهاجرين غير القانونيين للوصول إلى أوروبا، لكنها فقدت طفلتها وشقيقتها وابنة شقيقتها، رغم ذلك، تنتظر المرأة القادمة من ساحل العاج فرصة أخرى للإبحار.
وتقول "أميناتا" بحزن، في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، "قد تخفف مغادرة تونس من الألم الذي أشعر به".
وتجلس إلى جانبها "بريستا كوني" (28 عاماً)، التي قدِمت هي الأخرى من ساحل العاجل عام 2014، وتم اعتراض المركب الذي كانت فيه في يناير (كانون الثاني) 2020، من قوات خفر السواحل. وتقول "على الرغم من خطر الغرق وحزن عائلاتنا، نحن على استعداد دائم للمخاطرة بحياتنا".
وحاولت "بريستا" مواصلة دراستها (تحمل شهادة في التجارة والموارد البشرية) من بلادها، لكنها لم تتمكن من ذلك، بسبب ضعف مواردها المالية، حيث عملت كخادمة منزلية "وهناك اكتشفت هول العنصرية في هذه البلاد"، وفق تعبيرها.
وتروي أن "صاحبة المنزل كانت تطلب مني ألا ألمس أبناءها لأنني سوداء البشرة، ولم يكن لي الحق في العلاج عندما أمرض، عندما يفقدون شيئاً في البيت كانوا يتهمونني مباشرة بالسرقة".
البقاء يعني العمل معينة منزلية
وترى "سوزو أنج" (22 عاماً) التي وصلت إلى تونس قبل عامين، أن البقاء في هذه البلاد يعني "العمل معينة منزلية واقتسام ثمن أجرة بيت صغير بمساحة 40 متراً مربعاً مع خمسة أشخاص آخرين على الأقل، وتناول حساء بعظام الديك الرومي أو الدجاج الفاسد".
وتقول بينما ترضع ابنها، "سأرحل من هنا مع العائلة"، رغم معرفتها بخطر الموت غرقاً.
وتعلم زوجها "إيناو ستيف" (34 عاماً) صناعة الخبز، ويعمل حالياً في فرن، ويقوم بكل ما يُطلب منه، عكس زميله التونسي الذي يتقاضى الراتب نفسه. ويقول، "لا أستطيع ترك ابني يكبر في هذه الأوضاع، ندرك المخاطر، ولكن ليس لنا خيار، إما الموت، وإما العيش في أوروبا".
عنصرية وكراهية
باتت معضلة الهجرة السرية والمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس، تؤرق الدولة والمجتمع، الذي يواجه تداعيات اجتماعية وخيمة لأزمة اقتصادية مستفحلة بسبب جائحة كورونا، ويضطلع المجتمع المدني، بدور ريادي في تأطير ومساعدة اللاجئين من أصول أفريقية في تونس، بينما تعمل الجهات الرسمية على إعداد إطار قانوني للتعاطي مع هذا الملف.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من هذه المنظمات التي تعمل على دراسة الظاهرة، وأكد رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدى، في حديث خاص، أن "الهجرة تعود لأسباب متنوعة ومتعددة، يمكن حوصلتها في الهروب من الظروف الأمنية والسياسية في بلد المنشأ، حيث توجد الحروب، والاضطهاد، والمس بالحقوق السياسية والمدنية، إضافة إلى الهروب من آفات البطالة والفقر والرغبة في تحسين مستوى العيش".
110 ضحايا في أربعة أشهر
ويمثل بلوغ الأراضي الأوروبية حلماً وهاجساً يعمل عدد كبير من المهاجرين على تحقيقه بطرق مختلفة، أدت في بعض الحالات إلى وجودهم في تونس كمنطقة عبور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقاربة حقوقية
في المقابل، يؤكد سمير المسلماني، مدير عام التخطيط والمتابعة في مجال الهجرة، في المرصد التونسي للهجرة، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "تونس انتهجت مقاربة حقوقية، في التعامل مع ملف المهاجرين من أصول أفريقية، وتوفر (بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني)، الظروف الملائمة للعيش الكريم من خلال مراكز الإيواء، والمساعدات المادية والعينية كالإيواء والخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية والتعليم، ومساعدتهم على تأمين بداية جديدة لحياتهم، إما من خلال العودة الطوعية لأوطانهم، بزوال أسباب الخوف، أو توطينهم في دول أخرى بطلب منهم، شرط موافقة الدولة المستضيفة، أو إدماجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في تونس".
مساعدات ومراكز إيواء ومحاصرة التجاوزات
أضاف أنه تم تقديم مساعدات عينية، وأخرى مالية لفائدة الفئات الهشة من اللاجئين، حيث تكفل الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي بتوفير 900 مساعدة مادية وعينية.
وشدد المسلماني على أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعمل على محاصرة التجاوزات في حق المهاجرين الأفارقة في تونس، مع تفشي ظاهرة استغلالهم من قبل عدد من المشغلين، وعدم إعطائهم حقوقهم التي ينص عليها القانون التونسي.
ويضيف المسلماني، "أنه على الرغم من غياب إطار قانوني وطني، يؤطر وضعية اللاجئين وطالبي اللجوء على التراب التونسي، فقد حرصت تونس على توجيه سياساتها في مجال الهجرة على نحو يتلاءم مع المواثيق والتشريعات الدولية في هذا المجال".
وقد وقعت تونس على اتفاقية سنة 1951، المتعلقة بحماية اللاجئين، والبروتوكول الإضافي لسنة 1967، متحملة بذلك مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية، في توفير الحماية الدولية للاجئين، وطالبي اللجوء فوق أراضيها.
كما ينص الفصل 26 من الدستور على أن "حق اللجوء السياسي مضمون، طبق ما يضبطه القانون، ويحجر تسليم المتمتعين باللجوء السياسي".
الاستراتيجية الوطنية للهجرة
وأكد مدير عام التخطيط والمتابعة في مجال الهجرة، أن وزارة الشؤون الاجتماعية مكنت عدداً من المهاجرين من التغطية الاجتماعية، عند الاستظهار بعقد عمل، وبطاقة لاجئ من المفوضية السامية للاجئين في تونس، لافتاً إلى وجود بعض التجاوزات، التي "تعمل تفقديات الشغل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية على تجاوزها من خلال عمليات المراقبة والزيارات التفقدية"، مشيراً إلى أن "الاستراتيجية الوطنية للهجرة، تتضمن تطوير التشريعات، وحماية حقوق المهاجرين، وتتصدى لأنواع التشغيل الهش، المخالف للصيغ القانونية".
وبخصوص الأفارقة غير المُسجلين كلاجئين أو طالبي الهجرة، أشار إلى أن القوانين الجاري العمل بها تفرض ترحيلهم، إلا أنه يتم التعامل معهم كوضعيات هشة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
من جهته، اعتبر رئيس المجلس التونسي للاجئين، عبدالرزاق الكريمي، في تصريح صحافي، أن وضع المهاجرين في تونس، أفضل بكثير من بلدان أخرى، وذلك بفضل تكاتف جهود المنظمات والحكومة من أجل توفير الحقوق الدنيا لهم، ومنها الصحة والسكن وحق أبنائهم في التعلم.
وأكد أن 600 تلميذ من أبناء اللاجئين وطالبي اللجوء، التحقوا هذا العام بالتعليم الحكومي في تونس، إلا أن الناطقين باللغتين الفرنسية والإنجليزية، يواجهون صعوبة في الاندماج في الوسط التعليمي التونسي.
وفاقمت الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية، التي تواجهها تونس في السنوات الأخيرة من تأزم أوضاع اللاجئين الأفارقة في تونس، إذ أثر التراجع الكبير بعدد الوظائف في القطاع السياحي والمطاعم على موارد رزقهم، ووجدوا أنفسهم مدفوعين أكثر إلى ركوب "قوارب الموت" ومحاولات متكررة للوصول إلى السواحل الأوروبية، هرباً من واقع متأزم في تونس.