تعيش أسواق النفط واقعاً غير مستقر بسبب جائحة كورونا، لكنها تميل إلى التحسن مع التوسع في عمليات التطعيم وبدء تعافي الاقتصادات الكبرى التي لازالت تعاني بسبب أعراض الجائحة التي ما زالت تعرقل استئناف الأنشطة الاقتصادية، خصوصاً في الهند، ثالث أكبر مستهلك للخام في العالم، والتي تشهد تزايد أعداد الإصابات.
فهل يمر النفط بمنعطف جديد مع الصيف المقبل؟ بالتأكيد، فمع تباشير الانفتاح الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا ربما سيعزز قطاع السفر من الطلب إلى جانب استئناف النشاط الرياضي. كل هذا يعني زيادة كبيرة متوقعة في الطلب على النفط، طالما أن الأمور تسير على هذا النحو.
توقعات أكثر تفاؤلاً
كل تلك أخبار جيدة بلا شك، وقد ساعدت في دفع التوقعات إلى مستويات عالية جديدة، إذ تشير "سيتي غروب" إلى أن الطلب قد يصل إلى مستوى قياسي يبلغ 101.5 مليون برميل يومياً خلال صيف هذا العام، في حين رفع بنك "غولدمان ساكس" توقعاته للسعر إلى 80 دولاراً للبرميل. وسط أكبر قفزة في الطلب على الإطلاق. ولم يستقر خام برنت عند مستواه المرتفع خلال عامين ونصف العام. لكن، بكل تأكيد، فإن الازدهار الاقتصادي قادم ، فيما إذا لم تظهر أي أمراض أخرى في العالم ، وهو ما يعني أن يعيش العالم بين دفتي الأمل والحذر في الحصول على التطعيم والإسراع في العودة إلى العمل، أو السعي وراء التكيف مع متغيرات الأمراض والأزمات.
هل النفط نحو التعافي؟
ويقول محللون ومتخصصون، في إفادات متفرقة لـ"اندبندنت عربية"، إن سوق النفط تسير نحو التعافي خلال الصيف المقبل بدعم عوامل رئيسة أبرزها السيطرة على الجائحة مع التوسع في نشر اللقاحات والسيطرة على ارتفاع أعداد الإصابات، إلى جانب الدور الاستراتيجي لتحالف "أوبك+" في السيطرة على اضطرابات السوق واستعداده الدائم للتدخل لبقاء الأسعار عند مستويات مرضية لمنتجي النفط.
ويضيف المحللون، أن أسواق النفط في حالة تفاؤل، إذ بدأت العام الحالي منتعشة بفضل تحركات "أوبك+" فضلاً عن جهود إضافية من السعودية التي تقود التحالف. ما حافظ على أسعار النفط عند نطاقات مريحة للشركات المنتجة أو البلدان المصدرة.
نمو الطلب
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 5.5 مليون برميل يومياً خلال عام 2021، قياساً على انكماش بـ8.7 مليون برميل يومياً خلال العام الماضي.
وفي نهاية أبريل (نيسان) الماضي، اتفق تحالف "أوبك +" على تثبيت سياسة الإنتاج دون تغيير، بعد الاتفاق مطلع الشهر نفسه على زيادة في حدود 1.1 مليون برميل يومياً خلال ثلاثة أشهر من مايو (أيار) حتى يوليو (تموز) 2021.
وأغلقت أسعار أبريل (نيسان) على ارتفاع بأكثر من 7 في المئة، لينهي خام برنت القياسي عند مستوى 66.76 دولار للبرميل. أما خام غرب تكساس الأميركي فسجل 63.5 دولار، وبذلك تكون أسعار النفط ارتفعت بأكثر من 25 في المئة خلال الأربعة أشهر الأولى من عام 2021.
ويتحدث المتخصصون عن رفع القيود في أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية. ما يزيد الآمال بصيف أكثر حركة ومغاير عن العام الماضي الذي شهد إغلاقاً كلياً في معظم الدول، إضافة إلى إمكانية استئناف السفر للخارج وقضاء العطلات.
وكانت أسواق النفط من أكثر القطاعات التي تأثرت سلباً جراء تفشي فيروس كورونا وتبعاته بتوقف حركة الطيران وإغلاق الشركات وفرض الحجر الصحي.
فيما بدأت أسواق النفط رحلة تعافيها من أدنى مستوياتها التاريخية في أبريل 2020 إلى سعر يتجاوز 50 دولاراً للبرميل في يناير (كانون الثاني) 2021، ولكن لا تزال وتيرة هذا التعافي أقوى من المتوقع، الأمر الذي تسبب في نشوب حالة من القلق حيال استمرار تعافي الأسواق في الفترة المقبلة، إذ إن سبب القلق هو أن التعافي مجرد حالة مؤقتة بفعل شهية المخاطرة، وأن أرقام الطلب الفعلية قد لا تدعم استدامة ارتفاع الأسعار.
متانة الأسواق
إلى ذلك قال محمد الشطي، المختص بالشؤون النفطية "إن تخطي أسعار نفط خام برنت القياسي حاجز 65 دولاراً للبرميل تدلل بشكل كبير على متانة أسواق النفط خلال موسم الصيف، وهو أيضا تطور يتفق عليه المراقبون بأنها ستتجه نحو الـ 70 دولاراً للبرميل خلال الربع الثالث من العام الحالي". وأضاف "تنطلق هذه التوقعات من عده أمور أبرزها، أن السوق في اتجاه التوازن وارتفاع السحوبات من المخزون النفطي، ومن المتوقع تسجيل زيادة إضافية خلال الأشهر المقبلة، ويؤكدها "الباكورديشين"، وهي الحالة التي يصبح فيها سعر عقود النفط الآجلة في المستقبل أقل من أسعارها الآن، وهو اتجاه يشجع ويحفز السحوبات للوفاء باحتياجات الطلب العالمي لا سيما مع تعافي قطاع التكرير في العالم وآسيا مع زيادة وتيرة الطلب على المنتجات خصوصاً الغازولين". وتابع قائلاً: "لا ننسى الحزم المالية التي أجازتها الحكومات وأبرزها الولايات المتحدة الأميركية لتحفيز النشاط الاقتصادي والصناعي وأيضاً زيادة في عدد توزيع وتلقي اللقاح على مستوى العالم وهي أمور تشجع عودة الحياة إلى طبيعتها وتخفف من إجراءات القيود التي تفرضها بعض الحكومات".
القيود المفروضة
وأوضح الشطي أن القيود المفروضة على الإمدادات من جانب "أوبك+" وبرنامجها في رفع الانتاج تأتي مقدمات المحركات الإيجابية بما يتماشى مع حاجه السوق، وهو تطور إيجابي أسهم في دعم الأسعار، خصوصاً مع تقدير السوق لدور السعودية الفاعل في حُسن إدارة السوق والتنسيق السعودي- الروسي والالتزام الذي يبديه أعضاء "أوبك" في الالتزام في الاتفاق علاوة على تعافي إنتاج النفط الأميركي دون التوقعات على رغم تعافي الأسعار. وأضاف الشطي: "على رغم هذه الأجواء الإيجابية إلا أن هناك محاذير حقيقية وهي تتلخص في أمرين على رغم أن تأثيرهما ما زال محدوداً، الأول: مراقبة تطور جائحة كورونا في الهند وعدد الوفيات والإصابات وتأثير ذلك في إجمالي الطلب لدى المستهلك الثالث عالمياً، الثاني: الملف النووي الإيراني ووتيرة التوصل لاتفاق وحلول وتأثير ذلك في رفع إنتاج وصادرات النفط الإيراني للأسواق، وعموماً فإن التوقعات تصب بأن يكون ذلك في الربع الرابع من 2021".
الأداء الأفضل
ويعتقد مدير المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن صادق الركابي أن "أسواق النفط تترقب صيفاً ساخناً لتحقيق أفضل أداء لها خلال عام، لا سيما مع توقعات بعودة حركة السفر الجوي والبري إلى جانب تعافي الاقتصاد العالمي بعد قيام الدول المتقدمة بتوزيع اللقاحات بشكل أسرع وإعادة فتح الاقتصادات بشكل كامل وتوسع حركة التجارة العالمية خلال الشهور المقبلة، الأمر الذي من شأنه زيادة الطلب بشكل أكبر بكثير".
ويتوقع الركابي أن تشهد أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً، سواء أكانت للمشتقات النفطية أو الخام وعلى رأسها خاما برنت القياسي وغرب تكساس، مع زيادة الطلب من دول آسيا لتلبية الطلب المحلي والوفاء باحتياجات إنتاج المصانع في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويوضح الركابي أن القيود التي تفرضها منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وحلفاؤها الذين يشكلون تحالف "أوبك+" أسهمت بشكل كبير في تقديم الدعم الأكبر للأسعار، منوهاً بأهمية الجهود المستقلة التي بذلتها السعودية من خلال خفضها الطوعي بمليون برميل يومياً، والتي كان لها الأثر الكبير الداعم في إبقاء الأسعار عند مستويات مريحة نسبياً للشركات والدول المصدرة بما يقارب مستوى 60 دولاراً للبرميل.
التزام كبير
ويتابع الركابي "في حال زيادة إنتاج أوبك بنحو 100 أو 200 ألف برميل يومياً سيكون الأثر الذي يقلص من أسعار النفط"، مؤكداً أنه في المجمل هناك التزام كبير يصل إلى 120 في المئة في اتفاق خفض الإنتاج، ومن المنتظر مناقشة زيادة الإنتاج بما يتراوح بين 100 و150 ألف برميل يومياً في اجتماع "أوبك+" خلال يونيو (حزيران) المقبل.
ويشير إلى أن حالة التفاؤل إزاء تعافي الطلب العالمي مع نشر اللقاحات سيكون لها الأثر الداعم في زيادة الطلب على النفط ورفع الاستثمارات في القطاع النفطي، وذلك على الرغم من وجود توجهات أميركية بقيادة الرئيس جو بايدن لدعم الطاقة المتجددة والتوجه الأوروبي للتعافي الأخضر، ولكن العالم ما زال يحتاج إلى النفط والاستثمارات النفطية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
ويضيف "ما زال العالم بحاجة إلى النفط باعتباره المحرك الأساسي لحركة النقل الجوي والتجارة العالمية، إذ لم تتوقف حتى في الأوقات الحرجة من الجائحة".
أسواق متماسكة
إلى ذلك، يقول محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم، إن أسواق النفط ما زالت متماسكة نوعاً ما، وأصبحت أسعار النفط على مستوياتها الأخيره تتراوح بين 60 و70 دولاراً. وهذا يعود إلى ارتفاع معدلات الطلب على النفط بعد انحسار التخوفات من فيروس كورونا وتعافي الاقتصاد العالمي نوعاً ما بسبب ارتفاع معدلات متلقي اللقاحات المضادة. ما أدى إلى الانفتاح التدريجي للأسواق العالمية.
ويتوقع كرم أن يتحسن الطلب على النفط خلال النصف الثاني من العام مع التوسع في توزيع لقاحات كورونا والسيطرة على مخاطر الجائحة، و"أوبك+" جاهزة لتحقيق التوازن في السوق سواء بزيادة الإنتاج أو خفضه على الرغم من صعوبة الخفض على ميزانيات الدول.
ويتابع كرم، "في المقابل، تترقب الأسواق زيادة الإنتاج من أوبك+ التي أقرتها، أخيراً، وإذا ما كانت ستؤثر على أسعار النفط بالشكل السلبي على الرغم من دخول موسم الصيف والسفر وهي فترة الزيادة على الطلب.
ويستبعد كرم ارتفاع أسعار النفط بينما ستظل على هذه المستويات أو ستنخفض قليلاً، وعليه لا بد من مراجعة أخرى من قبل "أوبك+" لإنتاجها النفطي، وربما اتخاذ قرارات التخفيض لدعم بقاء الأسعار على ما هي عليه، على الرغم من صعوبة اتخاذ هذه النوعية من القرارات التي تؤثر على قيمة الإيرادات المالية بسبب نقص الإنتاج إذا أقرت من قبل الدول المنتجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دافع رئيس
وفي السياق ذاته، يرجح رئيس قسم البحوث لدى "إيكويتي غروب" العالمية رائد الخضر أن يكون عامل شهية المخاطرة دافعاً رئيساً لاستمرار تحسن أسعار النفط خلال موسم الصيف، وهو ما جعل البنك الدولي يرفع توقعاته لمتوسط الأسعار هذا العام أكثر من الثلث بما يتجاوز 33 في المئة مقارنة مع المستويات التي كان عليها خلال عام 2020، وقد تصل إلى قمة غير مسبوقة عن 101.5 مليون برميل يومياً، وطالما تتوافر اللقاحات في العديد من الدول، وخصوصاً في الدول المتقدمة وتخفيف قيود الإغلاق، قد تستمر الأسعار في الصعود.
ويقول الخضر، إن تعافي الاقتصاد الأميركي يعد أحد أهم العوامل الداعمة لأسواق النفط خلال الفترة المقبلة، ويظهر ذلك من خلال البيانات الاقتصادية في الآونة الأخيرة، مضيفاً أن أكبر اقتصاد عالمي لم يكن هو الوحيد الذي يسير في وتيرة تعافيه بتحسن مستمر، بل إن البيانات الاقتصادية الصادرة في الصين، أخيراً، أظهرت تحسن الواردات من النفط الخام وتسجيل مستويات قياسية في فبراير (شباط) ومارس (آذار) بدعم تعافي مبيعات السيارات والسفر والقطاع التصنيعي.
ويتابع الخضر "أعلنت الولايات المتحدة الأميركية تطعيم نحو ثلث البالغين مع تخفيف قيود الإغلاق في معظم الولايات، ما يدعم توقعات تحسن الطلب على النفط مع تعافي الاقتصاد".
ويوضح أن "خطط أوبك+ لخفض الإنتاج شكلت سبباً رئيساً في دفع أسعار النفط من أدنى مستوياتها في أبريل (نيسان) 2020 دون مستوى 10 دولارات للبرميل لتخترق مستوى 60 دولاراً للبرميل في عام وخلال الأسبوع الماضي، وبعد استقرار الأسعار العالمية أعلى من هذا المستوى، تمسك "أوبك+" بخططها للتخفيف التدريجي للقيود على إنتاج النفط من مايو إلى يوليو (تموز) مع استمرار تعافي الطلب وتحسن توقعات نمو الاقتصاد العالمي".
وخلال فترة الجائحة خفض "أوبك+"، التحالف الذي يمثل أكثر من ثلث الإنتاج العالمي، إنتاجه بنحو 8 ملايين برميل يومياً، بما يتجاوز 8 في المئة من الطلب العالمي، مع خفض طوعي من قبل بواقع مليون برميل يومياً.
وإذا استمرت الأوضاع في التحسن بالوتيرة الحالية، وخصوصاً في ما يتعلق بالتطعيم، من المرجح أن تشهد الأسعار مزيداً من التعافي، لا سيما إذا ما تجاوز خام غرب تكساس مستويات 65 دولاراً للبرميل على أن يتجه إلى مستويات 75 دولاراً للبرميل حتى نهاية العام.
ويضيف الخضر، "لا يزال تسارع حالات الإصابات بالوباء في دول عدة يُثير حالة من القلق، خصوصاً في الهند، وتُفيد بعض التوقعات بأن الطلب على الديزل الذي يمثل نحو 1.75 مليون برميل يومياً تحتل الهند منه 40 في المئة، والذي قد ينخفض بنحو 400 ألف برميل يومياً في مايو إذا فشلت السلطات في السيطرة على استمرار ارتفاع الإصابات.