"جاء زميلي من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى المدرسة يومين فقط بداية هذا العام، ومن ثم لم يعُد، وعندما بدأنا الدراسة إلكترونياً، لم يشارك في أي صف افتراضي. في البداية ظننا أن والديه أرسلاه إلى مدرسة أخرى، لكن اسمه كان لا يزال على لائحة الحضور والغياب". يشرح أحمد ما حصل مع طالب في فصله بإحدى مدارس محافظة نابلس، انقطع عن الدراسة منذ بدء جائحة كورونا، خوفاً من أن يصاب بالفيروس خلال التعليم الوجاهي، لكنه في الوقت ذاته، لم يحظَ بفرصة متابعة الدروس إلكترونياً لصعوبة هذا الأمر عليه.
قصة أخرى يرويها معلم في مدرسة بالأغوار الشمالية في فلسطين، عن طالبين في المرحلة الأساسية، الأول لديه إعاقة عقلية، والآخر إعاقته حركية، وكلاهما لم يلتزما الدروس الإلكترونية ولم يكن لديهما تواصل دائم مع المدرسة خلال فترة الإغلاق، بسبب عدم وجود شبكة إنترنت في تلك المناطق، أو لعدم قدرتهم على استخدام الوسائل الإلكترونية نتيجة إعاقتهم.
أما هبة وهي أم لطفل في المرحلة الأساسية، فتؤكد أن عملية مواكبة تعليم ابنها في المنزل، كانت مرهقة وصعبة للغاية، بخاصة أن وجودها قربه خلال الدروس عن بعد كان مطلباً دائماً، مشيرة إلى أن الأمر يصبح أصعب عندما يكون في الأسرة أكثر من طفل يتعلمون عن بعد في الوقت ذاته، فالضغط حينها يكون على شقين، الأول نفسي على أفراد العائلة، والثاني تقني على شبكة الإنترنت.
15 في المئة من الأطفال في سن الدراسة من ذوي الاحتياجات
مواقف عدة سجلت في المدارس الفلسطينية في مختلف المناطق، فبعض الأطفال من ذوي الاحتياجات المنتسبين لمدارس خاصة كان لديهم معلم متفرغ لهم، ولكن هذا الخيار لم يكن موجوداً في المناطق المهمشة والنائية، بالرغم من أن نسبة الإعاقة بين الأطفال في سن المدرسة تصل إلى 15 في المئة في الضفة الغربية وقطاع غزة، 10 في المئة منهم غير ملتحقين بمقاعد الدراسة، و69 في المئة منهم ذكور، بحسب آخر الأرقام التي سجلها الجهاز المركزي للإحصاء.
كما توضح البيانات أن أنواع الإعاقة لدى هؤلاء الأطفال تتراوح ما بين الحركية والسمعية والبصرية والتوحد وتأخر النمو وغيرها، وكل نوع منها يحتاج إلى أجهزة مساندة مختلفة، وعناية خاصة تختلف بحسب درجة الإعاقة، أو حتى القدرة على ارتياد مدارس عادية، أو ضرورة التزام مدارس ومراكز متخصصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يقول المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية صادق الخضور إن الوزارة ومنذ بدء جائحة كورونا وإغلاق المدارس، حصرت عدد الطلبة من ذوي الإعاقات كالحركية، أو الأمراض المزمنة كالسرطان والفشل الكلوي، الذين ربما يشكّل ذهابهم إلى المدرسة واختلاطهم مع بقية الطلبة خطراً على صحتهم، من أجل وضع خطة خاصة لهم، علماً أن عددهم يصل إلى 200، تتضمن تبنّي آلية للتدريس الإلكتروني بشكل كامل، والتواصل الدائم مع أولياء الأمور من أجل تقييم سير هذه العملية، وتوفير أدوات التعلم الافتراضي مع تخفيف معايير الحضور والغياب المطبقة عليهم.
ويشير إلى أن بعض المدارس أو المراكز التعليمية المتخصصة بذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها التي تضم إقامة داخلية للطلبة، استأنفت تعليمها بشكل وجاهي.
كورونا أخّر علاج مشكلات النطق والسمع
لكن العبء الذي تركه كورونا على الطلبة لم يكن فقط في المدارس العادية الحكومية أو الخاصة، بل امتد إلى المراكز المتخصصة في تعليم وعلاج الأطفال الذي يعانون من صعوبات التعلم.
وبحسب اختصاصية النطق والسمع أنهار، تحوّلت جلسات الأطفال الوجاهية إلى مكالمات فيديو عبر تطبيق "زوم"، موضحة أنه على الرغم من مواكبة اللقاءات العلاجية لهم، إلا أن عدم التواصل المباشر مع الناس، والبقاء أمام الشاشة لما يقارب ثلاث ساعات يومياً، أثّر بشكل سلبي فيهم، فبعضهم تفاقمت لديه مشكلات النطق والتواصل، وهذا كان واضحاً بعد عودة الطلبة إلى المراكز وجاهياً، ما زاد من المهمات الملقاة على كاهل الأم ومعالجي النطق، وتطلّب المزيد من الجلسات العلاجية لتحسين النطق والتواصل والسلوك.
أطفال نصف الأسر لم يتعلموا إلكترونياً
يبدو أن مشكلة مواكبة التعليم عن بعد، لم تقتصر على ذوي الإعاقة فقط، بل نصف أطفال الأسر في فلسطين تغيّبوا عن صفوفهم الدراسية والأنشطة التعليمية، لأسباب كثيرة أبرزها، عدم وجود شبكة للإنترنت في المنزل، أو عدم تنفيذ الطواقم التدريسية لأي فعاليات أو أنشطة عن بعد، وعزوف الطلبة عن التزام هذه الصفوف، وقلة معرفة الأهل في آلية التعامل مع التكنولوجيا أو البرامج المتعلقة بالتعلم عن بعد، كما أعلن جهاز الإحصاء.
وعلى الرغم من الضرورة الكبيرة للإغلاق من أجل حماية الأطفال،ـ بخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة من خطر الإصابة بكورونا، إلا أن تحديات كبيرة وقفت أمام عملية تعليمهم، منها عدم وصول جميع الطلبة للإنترنت، أو عدم امتلاك أجهزة مساندة للتعلم، أو القدرة على متابعة الحصص وتقديم الامتحانات على المنصات المخصصة لذلك، وضعف القدرات التعليمية والحاجة لتركيز أكبر على بعض الأبحاث، والضغوط النفسية الكبيرة التي يمر بها الأهل والطلبة على حد سواء.