حين نسمع كلمة "روبوت" تحضر إلى أذهاننا صورة آلات شكلها قريب إلى الإنسان، وتتكلم وتنفّذ الأوامر التي تعطى لها كما في أفلام حرب النجوم، أو تنتفض علينا كما في الأفلام الكثيرة التي تناولت ثورات الروبوتات على الإنسان واحتلال العالم لتقوده محله.
فكيف الحال لو كان الحديث عن الروبوت الطبي أو الجراحي، سنعتقد أنه آلة تملك أيدي وأصابع وعينين، ويمكنها أن تجري العمليات الجراحية بدلاً من الطبيب، وأنها ستحلّ محله. فتتناقض آراء الناس حول هذا الروبوت الطبيب، على أساس أنه قد يخطئ في العملية الجراحية أو أنه لا يملك الوعي البشري لوضع الحلول في المشكلات الطارئة خلال العمليات، أو سنجد آراء أخرى ترى الروبوت أكثر أماناً ونظافة وقدرة تقنية على إجراء العمليات.
مساعد لا بديل
غير أن الأمر لا يجري بهذه الطريقة في كل الأحوال، فالروبوت الجراحي يديره طبيب جراّح، وهو الذي يعطيه الأوامر اللازمة ليؤدي بعمله، ولا يستطيع إجراء عمليات جراحية وحده، لذا فهو مساعده لا بديله. فالروبوتات هي في مرتبة "خدم البشر"، وهو الوصف الذي استخدمه الكاتب العلمي الأميركي إسحاق عظيموف، في قصصه القصيرة حول عالم المستقبل والروبوتات.
بات عمل الروبوت في غرف العمليات الجراحية مكملاً لعمل الطبيب، ولا يمكن القول إنه حلّ مكانه، لأن الطبيب الجراح هو من يديره أو يقوده، ما يعني استحالة إجراء الروبوت العملية منفرداً.
يتحكّم الجرّاح بحركات الروبوت من خلال كمبيوتر خاص، يمكّنه من إعطاء الأوامر للأذرع الخاصة بالروبوت. وقد أصبح الجراح الآلي من التقنيات الضرورية في كثير من العمليات الجراحية مثل الجراحات النسائية والمسالك البولية والبروستات وعمليات القلب والقسطرة والشرايين وجراحات الدماغ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قدرات الروبوت الجراحية
الروبوت الجراح لديه القدرة على تثبيت المنظار من دون حركة أو تعب، فيتمكن الطبيب من التحكّم في حركاته بشكل دقيق جداً. لذا انتهت الآثار التي تتركها الشقوق الكبيرة، وبات هناك فرصة أكبر لإجراء جراحات معقدة، لكن بدقة عالية تمكّن الجرّاح من التحكّم في يد الروبوت والوصول إلى أماكن عميقة بمساعدة كاميرات تضاعف حجم المنطقة إلى عشرة أضعاف.
فبإمكان الروبوت اليوم تقديم المساعدة للجراح في كثير من التدخّلات الجراحية التنظيرية، فمثلًا في عمليات استئصال ورمٍ أصاب أحد أعضاء الجسم لا يُمكن للطبيب أن يكون متأكداً من الموقع الدقيق الذي يوجد فيه الورم، أو من البُعد الحقيقي للشرايين المجاورة للورم، أو من إمكانية إصابة المشرط الجراحي لأحد الأعضاء المجاورة.
لكن، الروبوت لا يقع في مثل هذه الأخطاء. فبعد التصوير المقطعي يُمكن للروبوت تحديد مكان الورم بدقّة، وقياس بُعد الأعضاء المجاورة عنه، كما يمكنه تشكيل صورة ثلاثية الأبعاد تساعد الطبيب أثناء العمل الجراحي.
بالنسبة للمريض، تترجم فوائد الجراحة الروبوتية من خلال ألم أقل وتدخل جراحي أقل، وبالتالي فقدان أو نزيف أقل للدم وحاجة أقل لنقل الدم. كما أنه قلل من فترة بقاء المريض في المستشفى وسرّع من علاجه وعودته لممارسة أنشطته.
الروبوت الطبي وفيروس كورونا
استخدمت الروبوتات في مكافحة مجموعة من الأوبئة خلال العقود الماضية، فخلال تفشي فيروس إيبولا عام 2015 حددت ورش العمل التي نظمها مكتب البيت الأبيض لسياسات العلوم والتكنولوجيا ثلاثة مجالات واسعة يُمكن أن تُحدث فيها الروبوتات فرقاً، هي أولاً، الرعاية السريرية والمسافة التي تفصل الفريق الطبي عن المرضى وأعمال التطهير عن بُعد. وثانيا، الخدمات اللوجستية كنقل النفايات الطبية ومعالجتها، وثالثاً، عمليات الاستطلاع ومراقبة عمليات الامتثال لإجراءات الحجر الصحي التي يمكن للروبوت أن يقوم بها.
خلال جائحة كورونا عاد استخدام الروبوت إلى الواجهة لمكافحة انتشار الفيروس. فمثلا آلات قياس الحرارة التي تستخدم في الأمكنة العامة، هي واحدة من هذه الروبوتات، وكذلك الكاميرات التي تلتقط حرارة المارة والمسافرين في المطارات بواسطة الأشعة فوق البنفسجية، هي نوع من الروبوتات. وظهرت روبوتات في السنتين الماضيتين يمكنها تولي عمليات التطهير والتعقيم والتنظيف على أنواعها، وقياس العلامات الحيوية للمرضى وأمراضهم، وتقديم الطعام لهم، وكذلك تقديم الدواء في المواعيد المخصصة له.
والروبوتات الجديدة يُمكن استخدامها في تطهير الأسطح بواسطة أجهزة مدمجة تعمل بالأشعة فوق البنفسجية. فالفيروس لا ينتقل فقط من شخص إلى آخر عن طريق الرذاذ المتطاير من الجهاز التنفسي، لكن أيضًا عبر الأسطح الملوثة. والروبوت الموجود في غرف المرضى يسمح للفريق الطبي بالتواصل بوتيرة أكبر مع المرضى من دون الحاجة إلى ارتداء السترة الواقية بكاملها. خصوصاً أن ارتداءها وخلعها عملية صعبة ومعقدة لفريق طبي يعمل على مدار الساعة وبحاجة لكل دقيقة من وقته.
وأفادت المراكز الأميركية لمراقبة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في تقرير نشرته بشأن السفينة "دايموند برينسيس" التي أصيب أكثر من 700 شخص من ركابها أن أحد الربوتات عثر على آثار لفيروس كورونا على أسطح عدة في السفينة بعد فترة تصل إلى 17 يوماً من إجلاء ركابها.
وبعدما تبيّن مدى أهمية الروبوت في مقارعة فيروس كورونا الذي لم تحدّد طريقة انتشاره بشكل نهائي بسبب تبدلاته الكثيرة، ارتفع الطلب على الروبوت من قبل الدول الأكثر تضرراً، ما اضطر شركة "زينيكس" الأميركية و"يو في دي" الدنماركية إلى زيادة إنتاجهما من الروبوتات التي تعتمد في عملها على الأشعة ما فوق البنفسجية والقادرة على القضاء على العوامل المسببة للأمراض.
وفي فرنسا، اخترعت شركة "شارك روبوتيكس" وحدات روبوتية للتعقيم، ووضعتها قيد التداول التجاري. ويكفي وضع منتج معقم في خزان الروبوت ليتمكن من تنظيف حتى 20 ألف متر مربع في ثلاث ساعات عبر ضخ قطيرات مصغرة على 360 درجة من دون إغراق الغرفة. وتلقت الشركة طلبيات عدة على هذه الروبوتات من بلدان كثيرة.
وبحسب مديرة "كونسيومر تكنولوجي أسوسييشن" ليسلي رورباو فإن العالم يشهد "تسارعاً في الحس الابتكاري في مجال الروبوتات مع تقدم الوباء العالمي".