أحالت الحكومة الليبية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة اقتراح الموازنة العامة للدولة، لما تبقّى من العام الحالي إلى مجلس النواب، بعد إجراء التعديلات المطلوبة من الأخير عليها، عقب رفضه المقترح الأول الذي قدّمته رئاسة الوزراء الشهر الماضي، بسبب ما اعتبره البرلمان "توسعاً في أبواب الموازنة" لتصل إلى98 مليار دينار (21 مليار دولار)، في فترة الحكومة القصيرة التي لا تتجاوز الـ 7 أشهر.
وأدى عدم تمرير الموازنة التي قدّمها الدبيبة إلى البرلمان منذ شهرين، إلى تعطل مشاريع حكومية ملحّة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد، والضائقة الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون. وصنّف مراقبون عدم مرور الموازنة ضمن إطار المماحكات السياسية بين طرفَي الحوار الليبي، مجلسَي النواب والدولة، وربطوها تحديداً بالتنافس على تقاسم المناصب السيادية، التي تعثّر الاتفاق بشأنها حتى اليوم.
البرلمان يستلم الموازنة المعدلة
وكشف المتحدث الرسمي باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة، عن قيمة الموازنة العامة المعدلة التي أحالتها الحكومة إلى مجلس النواب للنظر فيها من جديد، قائلاً إنها بلغت 98 مليار دينار (20 مليار دولار).
وقال حمودة إن "الموازنة المعدلة أُرسلت إلى مجلس النواب للنظر فيها من جديد".
وكان وفد من وزراء حكومة الوحدة الوطنية سلّم قبل أيام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مقترح الموازنة العامة للدولة لعام 2021 المعدلة من قبل الحكومة، وفقاً لملاحظات البرلمان. وجاء التعديل بعد رفض المقترح الأول بخصوصها، الذي ناقشه البرلمان في جلسة صاخبة منتصف الشهر الماضي، وأُرجع فيها سبب الرفض إلى الملاحظات التي وردت في تقرير لجنة التخطيط والمالية بشأن مشروع قانون الموازنة للسنة الحالية.
وأورد التقرير الذي عُرض في الجلسة مَواطن الاعتراض عليها من قبل اللجنة المختصة في البرلمان، التي قالت إنه "يتّضح من خلال دراسة مشروع قانون الموازنة أنه أُعدّ على عجل، فلم يترجم الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها في شكل برامج ومشاريع واضحة". وتابعت اللجنة أنه "على الرغم من تخصيص مبالغ كبيرة في مشروع الموازنة، إلا أنه لم يراعِ المناخ والظروف الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية الملائمة لإنفاق هذه الأموال لتحقق الهدف من إنفاقها".
واعتبرت اللجنة البرلمانية أن "اقتراح الحكومة لم يراعِ القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، في إنفاق مبلغ يقترب من 100 مليار دينار خلال أقل من عام، من دون خطط وبرامج مُعدّة مسبقاً، سيكون له الأثر السيّء في الاقتصاد الوطني، وكذلك لم يتم التأكيد على إعداد مشروع الموازنة في إطار استراتيجية تنموية شاملة تحدد ملامحها ومنطلقاتها وأهدافها وآليات وأدوات تنفيذها".
وانتقد التقرير النيابي "عدم تحديد الحكومة حاجات القطاعات المختلفة بناءً على خريطة استثمارية وجدولة تنفيذية متكاملة ومسبقة الإعداد وفقاً لمستهدفات سنوية واضحة ومحددة تتطلبها المرحلة، وتبيّن معدلات النمو القطاعي بحيث يمكن قياسها وتقييمها بصورة دورية".
وخلصت اللجنة إلى أنه "لم يتم العمل في اقتراح الموازنة على إيجاد مصادر إضافية بديلة لتمويل الموازنة العامة، وذلك من خلال إيجاد بيئة عمل واستثمار لتشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية للمساهمة في تمويل مشاريع التنمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مماحكات تعطّل تمرير الموازنة
في المقابل، ربطت أحاديث تداولتها مصادر رسمية عدة ومراقبون ومهتمون بالشأن السياسي في ليبيا، منذ أسابيع، تعطّل تمرير الموازنة الحكومية المقترحة، بمساومات تدور في الكواليس بين الأطراف الرئيسة في المشهد الليبي، يتم من خلالها ربط تمرير الموازنة بالتوصل إلى اتفاق نهائي حول تقاسم المناصب السيادية، بخاصة الاقتصادية المتصلة برئاسة المصرف المركزي ومؤسسة النفط، وهو الحديث الذي صرحت به بعض المصادر الرسمية في مجلسي النواب والدولة وتبادلت الاتهامات بشأنه.
أبرز التصريحات الرسمية بشأن المساومات الجارية حول الموازنة العامة والمناصب السيادية جاء قبل أيام على لسان عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة، الذي كشف صراحةً عن "وجود بعض المساومات لأعضاء مجلس النواب في ما يتعلق بتعيين المناصب السيادية قبل اعتماد الموازنة"، معتبراً أن "هذا الشرط غير منطقي، ولا علاقة لصرف الموازنة الحكومية باستحقاق المناصب السيادية"، واصفاً ما يجري بـ"العبث". وأشار بن شرادة إلى أنه "لا ضرر في مناقشة الموازنة وتوزيعها على اللجان داخل البرلمان ومناقشتها بالطرق المعتادة، لكن المساومة في استحقاق مقابل استحقاق، فهذا عبث لا يليق بأعضاء البرلمان".
وكانت الجلسة التي عقدها البرلمان الليبي لمناقشة الموازنة المقترحة لحكومة الوحدة، شهدت مطالبات علنية لعدد من النواب بعدم تمريرها قبل حسم ملف المناصب السيادية، بخاصة رئاسة المصرف المركزي وتعيين شخصية جديدة بدلاً من المحافظ الحالي الصديق الكبير.
تفاقم أزمة المناصب السيادية
وتفاقمت الأزمة المتعلقة بتعثّر الاتفاق حول آليات تقاسم المناصب السيادية أخيراً، بعد رفض مجلس الدولة في خطاب موجه من رئيسه خالد المشري إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، نتائج أعمال اللجنة المكلفة بهذا الملف في البرلمان، معتبراً أنها "تخالف الاتفاق الخاص بتقاسم المناصب الموقّع في بوزنيقة المغربية".
وبحسب بيان رسمي صادر عن مجلس الدولة، بيّن المشري "وجود تعارض بين المخرجات المحالة من مجلس النواب بخصوص المناصب السيادية مع ما تم الاتفاق عليه بين لجنتَي المجلس الأعلى للدولة والبرلمان"، موضحاً التزام مجلس الدولة بما تم التوافق عليه سابقاً، مع عدم ممانعته عقد أي لقاءات للتباحث بشأن تعديل الآليات والمعايير المتفق عليها.
وقال المشري فى خطابه إلى عقيلة صالح "بالإشارة إلى كتابكم حول إحالة نتائج أعمال لجنة قبول وفرز ملفات المرشحين للمناصب القيادية والسيادية، لاحظنا أن المخرجات المحالة إلينا من لجنتكم تتعارض مع ما تم الاتفاق عليه سابقاً في لقاءات بوزنيقة، ما يدل على أن هناك اختلافاً في الأرضية التي انبثق منها عمل اللجان في المجلسَين".
رد البرلمان على المشري
في المقابل، أثار رفض المشري اقتراحات البرلمان بشأن تقاسم المناصب السيادية لغطاً كبيراً في الأوساط السياسية الليبية، رافقته تحذيرات من تبعات تعثّر الاتفاق بشأنها على مسار التسوية السياسية.
وقام عدد من النواب بحملة من الردود الحادة على ملاحظات المشري. وعبّر عضو مجلس النواب المبروك الخطابي عن رفضه تدخّل مجلس الدولة في التعليق على تولّي المناصب السيادية خلال المرحلة الانتقالية، معتبراً أن المجلس تجاوز حدود كونه "استشارياً".
وقال الخطابي إن "رفض مجلس الدولة اقتراح مجلس النواب بخصوص المناصب السيادية يفرض علينا تذكيره بأنه تجاوز حدود صلاحياته ومهماته الواردة في الاتفاق السياسي، وهذا الرفض والتجاوز ليس الأول منذ توقيع الاتفاق". واعتبر أن مجلس الدولة يقوم بـ"الكثير من التجاوزات والتأويلات المغلوطة التي يحاول فيها أن يقدّم نفسه كجسم تشريعي لا استشاري مستغلاً انقسام البرلمان، ومحاولاً الالتفاف على الحقيقة القانونية بأن مجلس النواب هو السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد".