تواصل أسعار السلع العالمية ارتفاعها خلال الفترة الأخيرة مع تزايد زخم الطلب على الاستثمار بفضل أربعة عوامل رئيسة، تتضمن انتعاش النمو العالمي المدفوع بالتوصل إلى لقاح مضاد لكورونا وتحديات النقل المعرقلة للإمدادات، وصولاً إلى المخاوف المعنيّة بالطقس في مناطق النمو الرئيسة ومخاوف التضخم المتزايدة والتوجه الأكبر نحو المضاربة.
وبحسب تقرير "ساكسو بنك" الدنماركي المتخصص في التداول والاستثمار في الأصول المتعددة عبر الإنترنت، الذي وصلت نسخة منه لـ"اندبندنت عربية"، الأحد، ارتفع مؤشر "بلومبيرغ للسلع الفورية" للأسبوع الخامس على التوالي وصولاً إلى أعلى مستوياته منذ عام 2011.
وصعدت تداولات جميع السلع الرئيسة خلال الأسبوع الماضي، وعلى رأسها الحديد الخام والأخشاب وبن أرابيكا والذرة. كما زادت أسعار المعادن، وحقق النحاس مستوى قياسياً، فيما حظي الذهب بدعم الفضة ليتجاوز سعر أونصته 1800 دولار أميركي. في المقابل، حقق قطاع الطاقة أسوأ نتائجه، إذ كافح النفط الخام لرفع أسعاره، فيما تفاقم انتشار الفيروس في آسيا، ما أدى إلى انتعاش غير متكافئ في الطلب.
تقدّم الذهب
وبالنسبة إلى المعادن الثمينة، أشار التقرير إلى الذهب بعد إخفاقه في مناسبات عدة خلال الأسبوعين الماضيين، نجح أخيراً في شن هجوم قوي ليتخطّى عتبة 1800 دولار أميركي. وفيما وفّر تراجع قوة الدولار وانخفاض العائدات الحقيقية في الولايات المتحدة الرياح المؤاتية الأساسية، احتاج المعدن الأصفر إلى دعم الفضة التي ازداد الطلب عليها وتحوّلت إلى إحدى أفضل السلع أداءً هذا الأسبوع.
ووفق التقرير، حصلت الفضة على مدار الشهر الماضي على دعم نسبي أكبر من الذهب بفضل الارتفاع المستمر لأسعار المعادن الصناعية. ويمكن ملاحظة ذلك عبر النسبة بين أسعار الذهب إلى الفضة، التي بقيت تنخفض منذ أواخر مارس (آذار).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر "ساكسو بنك" أنه يجري تداول الفضة حالياً ضمن قناة متصاعدة، وبعد وصولها إلى حدّها الأعلى عند 27.55 دولار، قد تحتاج إلى فترة من توحيد الأسعار قبل اتخاذ أي محاولة صعودية جديدة نحو أعلى مستوى عام 2021 عند 30 دولاراً أميركياً. وليواصل الذهب ارتفاعه، ينبغي عليه أولاً التأسيس لمستوى دعم فوق 1795 دولاراً، قبل متابعة توجّهه على المدى البعيد بعد مراكز التداول القصيرة.
ويتمثّل المستوى التالي من الفائدة الصعودية عند 1851 دولاراً، وهو مستوى يتفق مع المتوسط المتحرك على مدى 200 يوم وارتداد عمليات البيع بنسبة 61.8 في المئة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس.
تداولات الدولار
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، أظهر التقرير أن عائدات الخزانة الأميركية والدولار قدّما مزيداً من الدعم، إذ أصبحت تداولات الدولار أكثر ليونة، واستقرت العائدات الاسمية. وتابع، "تلقّت حالة الاستقرار هذه قدراً كبيراً من الاهتمام على ضوء التركيز المتزايد على التضخم، ما أدى إلى رفع عائدات التعادل لمدة 10 أعوام إلى أعلى مستوياتها في ثماني سنوات، فيما تراجعت العائدات الحقيقية نحو -1 في المئة".
أكبر المخاوف
من جانبه، قال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى "ساكسو بنك"، إن أحد أكبر المخاوف المعنيّة بالارتفاع الحالي لأسعار السلع الأساسية العالمية في تأثير ارتفاع أسعار الغذاء في السكان والاقتصادات الأقل قدرة على تحمّل تكاليفها.
وأضاف هانس أن مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء العالمية "فاو"، الذي يتتبّع أسعار سلة من 95 سلعة غذائية من حول العالم، شهد صعوداً سنوياً بنسبة تجاوزت 30 في المئة، ولم يرتفع تضخم المواد الغذائية بمثل هذه السرعة منذ عام 2011 عندما لعبت زيادة أسعار المواد الغذائية دوراً في اندلاع "الربيع العربي".
وقفزت السلع كافة في أبريل (نيسان) الماضي، فزادت أسعار الزيوت الغذائية بنسبة 100 في المئة والسكر بنسبة 58 في المئة، فيما ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 26 في المئة.
محرك رئيس
وأورد تقرير "ساسكو بنك" أن العقود الآجلة للحبوب في شيكاغو بقيت محرّكاً رئيساً للارتفاع المستمر في القطاع الزراعي، ودفعت مخاوف الجفاف في البرازيل، وقوة الطلب من منتجي الأعلاف، إلى دعم سوق الذرة مع إضافة دعم متجدد لأسعار السكر والبن.
وأفاد التقرير بأن تداولات الذرة والقمح وفول الصويا شهدت ارتفاعاً نحو أعلى مستوياتها منذ ثمانية أعوام، بينما واصل بن أرابيكا ارتفاعه ليصل إلى أعلى مستوياته في أربعة أعوام فوق 1.5 دولار أميركي للرطل.
النحاس يتصدّر الارتفاعات
وأفاد هانسن بأن النحاس حقق مستويات قياسية فوق 10300 دولار للطن في بورصة لندن للمعادن، و4.72 دولار للرطل في نيويورك، ليتصدّر حركة الارتفاع التي توجّه المواد الخام حالياً نحو مستويات قياسية منذ أعوام عدة.
وأرجع هانسن ارتفاع أسعار النحاس إلى أهميته في كونه جزءًا أساسياً من عملية التحوّل الأخضر عبر طرح ملايين السيارات التي تعمل على الكهرباء على مدار السنوات المقبلة، إضافة إلى أن النحاس شهد مزيجاً من الطلب المادي والورقي من مستثمرين باحثين عن تحوّطات من التضخم في الأسواق ذات التوقعات الأساسية القوية.
وبحسب غلينكور وترافيغورا، الشركتين العملاقتين في مجال السلع المادية، يمكن أن تدفع هذه التوقعات نحو الحاجة لارتفاع الأسعار بنسبة 50 في المئة لتزويد شركات التعدين بالمحفزات الاقتصادية لزيادة البحث عن إمدادات إضافية.
وعلّق هانسن أن أسعار النحاس تضاعفت بوتيرة متسارعة منذ آخر تصحيح له الشهر الماضي. وبناء على الرسوم البيانية اليومية، تبدو الفروقات متزايدة على مؤشر القوة النسبية، ما قد يشير إلى تراجع خطير الاتجاه الصعودي على المدى القصير. ومع ذلك، لا يبدو تغيّر المسار واضحاً في المدى المنظور.
أسعار النفط
وبخصوص أسعار النفط العالمية، أظهر التقرير أن خام "برنت" وخام غرب تكساس الوسيط تخلّفا عن ركب الزخم الذي شهدته المعادن والسلع الزراعية. وذكر أنه بالرغم من الدعوات المتزايدة لرفع أسعار برميل خام "برنت" إلى أكثر من 70 دولاراً، اعتمدت السوق بشكل معقول منهجية الانتظار والترقب. وقبل الانجراف نحو الأسفل، اقتربت أسعار خام "برنت" من 70 دولاراً للبرميل، وهو مستوى تخطّته لفترة وجيزة منذ شهرين قبل المعاناة من تصحيح بنسبة 15 في المئة.
وأكد التقرير أنه بدعم فعلي من الطلب على الاستثمار، يزداد تركيز السوق على إعادة فتح أسواق أوروبا والولايات المتحدة، ما أدى إلى انتعاش قوي في الطلب على الوقود.
ويرى أولي هانسن أنه يتعيّن على المضاربين على ارتفاع أسعار النفط التحلّي بالصبر، نظراً إلى زيادات الإنتاج المستمرة من "أوبك+"، واحتمال تجديد الاتفاق النووي الإيراني، ما سيؤدي إلى زيادة الإنتاج، إلى جانب المخاطر الحالية للطلب في أجزاء آسيا المتضررة بالفيروس.
ومنذ أواخر مارس الماضي، شهد خام "برنت" تداولات ضمن توجّه صعودي واسع النطاق بقيمة 4 دولارات، ويتراوح حالياً بين 66.5 و70.5 دولار أميركي.