أثار الخبر الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" حول احتمالات إقامة قواعد عسكرية أميركية في أوزبكستان وطاجيكستان ضجة هائلة وجدلاً يحتدم يوماً بعد يوم. وكانت الصحيفة الأميركية قد أشارت إلى احتمالات انتقال عدد من وحدات القوات المسلحة الأميركية الموجودة في أفغانستان المجاورة إلى هذه القواعد، بعد انسحابها من هناك في خريف العام الحالي.
وكشفت "وول ستريت جورنال" عن حاجة الولايات المتحدة إلى "قواعد عسكرية قادرة ليس فقط على استيعاب الأفراد، بل ونشر الطائرات من دون طيار، والقاذفات الجوية والمدفعية، من أجل تقديم الدعم لحكومة كابول وردع طالبان"، على حد تعبيرها.
أوزبكستان وطاجيكستان لم تتلقّيا أي طلبات
وعزا كثير من المراقبين ما ترامى من أصداء عالية واسعة النطاق، واهتمام من جانب الأوساط الرسمية في بلدان المنطقة، بما نشرته الصحيفة الأميركية، إلى قرب القواعد المحتملة جغرافياً من روسيا والصين المدرجتين ضمن خصوم الولايات المتحدة من جانب، وما قد يعني ذلك من أخطار خروج هاتين الجمهوريتين من قائمة التحالفات التي تربطهما مع موسكو وبكين من جانب آخر، سواء في ما يتعلق بمعاهدة الأمن الجماعي مع روسيا، وبلدان مجموعة شنغهاي مع روسيا والصين من جانب آخر.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت حصلت في السابق على مثل هذا الحق في إقامة قاعدة عسكرية لها بموافقة ضمنية من جانب الرئيس فلاديمير بوتين في مطار "خان أباد" العسكري في منطقة كشكا داريا بأوزبكستان، في أعقاب العمليات الإرهابية التي ضربت برجَي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فقد سارعت أوزبكستان إلى إعلان عدم صحة مثل هذه الأخبار، وهي التي كانت قد تراجعت بعد سنوات معدودة عن موافقتها على منح الولايات المتحدة ما حصلت عليه من تسهيلات في مطار "خان أباد" للمساهمة في ضرب الإرهاب في أفغانستان.
ويذكر المراقبون أن السلطات الأوزبكية كانت طلبت في 2005 سحب القوات الأميركية، التي سرعان ما استجابت لطلب رئيس أوزبكستان السابق إسلام كريموف لتنتقل لاحقاً إلى مطار "ماناس" في قيرغيزستان بعد اتصالات ضمنية بين الرئيسين الروسي بوتين والأميركي جورج بوش الابن.
وكان الرئيس الراحل كريموف استشعر خطر محاولات إطاحته من خلال مخططات الثورات الملونة التي وقفت الولايات المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وراءها في عدد من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، في توقيت مواكب لنجاح ما كان يُسمّى بـ "ثورة السوسن" في قيرغيزستان وإطاحة الرئيس الأسبق عسكر عكايف الذي لجأ إلى موسكو، ولا يزال يقيم فيها حتى اليوم.
ورغماً عن نجاح موسكو في استعادة يدها الطولى في هذه الجمهورية، فقد عادت هذه البلاد إلى درب الانقلابات والتغييرات التي كان آخرها في العام الماضي، وأسفرت عن "انتخاب" رئيس جديد صدير جباروف استهل فترة حكمه بزيارة موسكو وإجراء مباحثات رسمية مع بوتين في فبراير (شباط) الماضي.
وقالت المصادر الرسمية في أوزبكستان وطاجيكستان إن سلطات البلدين لم تتلقّيا أي طلبات من الولايات المتحدة بهذا الشأن. ونقلت وكالة أنباء "نوفوستي" الروسية عن مصادر المكتب الصحافي لدى وزارة دفاع أوزبكستان، ما قالته حول "إن العقيدة الدفاعية لأوزبكستان لا تنص على نشر قواعد عسكرية أجنبية في أراضي البلاد".
مبدأ عدم المشاركة
وحول الخبر الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن احتمال نشر القوات الأميركية المنسحبة من أفغانستان في كل من أوزبكستان وطاجيكستان، قالت مصادر المكتب الصحافي لوزارة الدفاع إن "الوثائق الأساسية في مجال الدفاع تتضمن إجابات واضحة ودقيقة عن هذه الأسئلة، لا يجوز انتشار القواعد والمنشآت العسكرية الأجنبية على أراضي البلاد". وذلك ما ينص عليه أيضاً الدستور الوطني وما تقوم عليه مبادئ وأسس السياسة الخارجية للجمهورية.
وأضافت المصادر الأوزبكية أن "السياسة الدفاعية لأوزبكستان تقوم على مبدأ عدم المشاركة في عمليات حفظ السلام والنزاعات العسكرية في الخارج". وذلك يبدو قريباً مما عادت قيرغيزستان وجنحت إليه في 2015، وبإيعاز من روسيا، حين طالبت الولايات المتحدة الأميركية بإنهاء وجودها العسكري في مطار باناس، الذي كان استمر هناك لما يقرب من 15 عاماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وثمة من يقول إن الصحيفة الأميركية لم تجزم بما أوردته حول إمكانية استئجار قواعد عسكرية للولايات المتحدة و"ناتو" في جمهوريات آسيا الوسطى، وأن الأمر لم يكن يعدو محاولة سبر الأغوار ومعرفة مدى استعداد هذه الجمهوريات للموافقة على قبول قواعد عسكرية أميركية على أراضيها، إلى جانب معرفة ردود أفعال البلدان الحليفة المجاورة، وفي مقدمتها روسيا والصين.
ومن المعروف أن روسيا تملك في طاجيكستان قاعدة عسكرية كبيرة لا تزال موجودة منذ تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي، التي تستند منذ ذلك الحين إلى وجود الفوج العسكري رقم 201 الذي لم يخرج من طاجيكستان منذ 1991. وقد جرى تجديد توقيع معاهدة الوجود العسكري الروسي بين البلدين أكثر من مرة منذ ذلك التاريخ، كان آخرها في 2012 لمدة ثلاثين عاماً، أي حتى 2042.
ومن المعروف أن طاجيكستان إحدى أفقر الجمهوريات السوفياتية السابقة تظل ترتبط بعلاقات شراكة استراتيجية وتحالف عسكري، مع روسيا الاتحادية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، لأسباب تبدو اقتصادية في معظمها ومنها ما يتعلق بمهاجريها الذين يعملون في روسيا ويزيد عددهم على المليون نسمة، إلى جانب ما تحصل عليه من موارد الطاقة، فضلاً عن تحالف أمني يوفّر لها تحديث قواتها المسلحة وتأمين مستلزماتها من المعدات العسكرية والأسلحة، إلى جانب ضمان أمنها في مواجهة تسلّل الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمخدرات عبر حدودها المشتركة مع أفغانستان.
تأجير قواعد عسكرية أميركية
أما عن علاقات طاجيكستان مع الصين، فتظل ضمن دائرة اهتمامها بمنطقة آسيا الوسطى التي تشهد تنامياً ملموساً على الصعيد الاقتصادي، إلى جانب موقعها الجيوسياسي وأهميته بالنسبة إلى مكافحة الإرهاب. وتلك علاقات تبدو قريبة من تلك التي ترتبط بها أوزبكستان مع الصين في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة والتنسيق في الشؤون الدولية والإقليمية.
وجاءت الأخبار الأخيرة حول احتمالات تأجير قواعد عسكرية أميركية في هاتين الجمهوريتين مواكبة لكثير من الاتصالات الهاتفية واللقاءات الرسمية بين قيادات كل من روسيا وأوزبكستان، وكذلك طاجيكستان التي كان رئيسها إمام علي رحمن الوحيد من بين قيادات حلفاء روسيا من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق الذي حضر إلى موسكو مبكراً في الثامن من مايو (أيار) الحالي للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين والمشاركة في اليوم التالي، في احتفالاتها بعيد النصر.
وكانت الفترة الأخيرة شهدت قدراً من المواجهات التي بلغت حد الاقتتال حول نزاعات حدودية بين طاجيكستان وجارتها قيرغيزستان، ما أسفر عن وقوع العشرات من القتلى والمئات من الجرحى. وسارعت موسكو وفي أعقابها الصين وتركيا إلى محاولات التدخل من أجل تسوية العلاقات بين البلدين، وهو ما كشف عن اهتمام كل من هذه الدول بهذه المنطقة.
وقالت المصادر الروسية إن البلدين توصّلا إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار وإطلاق دوريات وعمليات مراقبة مشتركة في المنطقة، إلى جانب توقيع بروتوكول حول تسوية الخلافات الحدودية، تمهيداً لترسيم الحدود المشتركة بين قرغيزستان وطاجيكستان التي تمتدّ إلى مسافة تقترب من 980 كيلومتراً.