أثلجت الأرقام التي قدمتها وزارة التجارة بخصوص الصادرات من غير المحروقات صدور الجزائريين، ليس بسبب المداخيل المحصلة ولكن لأنها جاءت لتؤكد القدرة على تطليق اقتصاد الريع، بعد أن ارتفعت الصادرات بـ 58.83 في المئة خلال الثلث الأول من العام الحالي 2021، مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.
بيانات مريحة
وكشفت البيانات عن بلوغ قيمة صادرات الأشهر الثلاثة الأولى حوالى 870.33 مليون دولار، مقابل 547 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2020، أي بزيادة قدرها 58.83 في المئة، موضحة أن عمليات التصدير جسدتها 714 مؤسسة.
وأضافت وزارة التجارة أن صادرات المواد الغذائية بلغت 169 مليون دولار، أي بارتفاع قدره 51 في المئة، كما تصاعد منحى صادرات الزيوت والمنتجات الأخرى المحصل عليها من تقطير الفحم الحجري إلى 124 مليون دولار بزيادة بلغت 75 في المئة، إضافة إلى صادرات الإسمنت بـ96.19 في المئة لتصل إلى 37.85 مليون دولار، بينما بلغت صادرات السكر 102 مليون دولار بزيادة قدرها 65.71 في المئة، والتمور 37.11 مليون دولار أي بارتفاع قدره 40.62 في المئة، وأيضاً صادرات الأسمدة المعدنية والكيميائية الأزوتية 226.85 مليون دولار بزيادة بلغت 10.96 في المئة.
في المقابل، عرفت الواردات من السلع والخدمات هبوطاً بنسبة 7.86 في المئة في الشهرين الأولين من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من 2020، إذ أوضحت المديرية العامة للجمارك أنها بلغت 5.65 مليار دولار، بعد أن كانت 6.13 مليار دولار.
انتقال... وتساؤلات
ويتساءل المراقبون إن كان مؤشر ارتفاع قيمة الصادرات من غير المحروقات يوحي بحركية اقتصادية لتنويع المداخيل، أم أن الأمر يتعلق بالأزمة الصحية المترتبة عن جائحة كورونا، والتي دفعت الحكومات إلى الاعتماد على الإنتاج المحلي لمواجهة الإغلاق، بينما يرى آخرون أن ما يحدث يجسد تطبيق خطة الإنعاش الاقتصادي المعتمدة من قبل السلطات.
وفي السياق، يعتبر أستاذ الاقتصاد، علي عرباوي، أن البيانات التي كشفت عنها وزارة التجارة والمديرية العامة للجمارك، إنما تدل على الانتقال التدريجي من الاعتماد على صادرات البترول والغاز إلى الاعتماد على المنتجات الأخرى التي تمتلك الجزائر مقومات ترقيتها بمنحها الاهتمام العلمي والإنتاجي، وهو ما يعتبر تحولاً من المنتظر أن يغيّر الواقع الريعي "المحتوم" إلى اقتصاد متنوع مبني على الإنتاج وخلق الثروة، وختم أنه تبين من خلال هذه الأرقام وغيرها من المعطيات أن الجزائر بإمكانها التحرر من "رحمة" أسعار النفط إلى الاستقلالية المبينة على تصدير المواد الزراعية والصناعات الإلكترونية والميكانيكية، والسياحة وغيرها من الإمكانيات التي تتوافر عليها البلاد في مجالات عدة.
تغيّر توجهات بعد معاناة
وتغيّرت توجهات السلطة منذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم، إذ باتت الحكومة تهدف إلى إيجاد قطاعات غير نفطية وتنميتها، للخروج باقتصادها من تبعية مفرطة للنفط والغاز الطبيعي، وذلك عبر خطة إنعاش جديدة أعلن عنها الرئيس تبون الذي شدد على ضرورة بلوغ خمسة مليارات دولار صادرات خارج قطاع الطاقة التقليدية، وتضمنت ثلاثة محاور كبرى و20 بنداً لإصلاح الاقتصاد وإنعاشه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعاني اقتصاد الجزائر من تبعية مفرطة للمحروقات بعائدات تمثل 93 في المئة من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، وقد بلغت الصادرات غير النفطية في 2020 نحو 2.26 مليار دولار مقابل 23 مليار دولار صادرات المحروقات.
تفعيل دور الرقابة
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إسماعيل نايت، أن إيجاد اقتصاد بديل للنفط وإنعاش القطاعات خارج قطاع المحروقات، بات أمراً من الضروري تجسيده ميدانياً ونقله من خطة مجردة على الورق إلى واقع، مشيراً إلى أن خطة الإنعاش الاقتصادي التي أعلن عنها الرئيس بدأت تؤتي ثمارها، بسبب وجود إرادة سياسية ثم الاعتماد على كفاءات بشرية في الميادين كافة، غير أن استمرار النجاح وترقيته يتطلب تفعيل دور الرقابة الدورية لمواجهة العراقيل المترتبة عن البيروقراطية المتفشية في مختلف الإدارات.
ويتابع نايت، أن قطاعات الزراعة والسياحة يمكن أن تكون المفتاح لإطلاق اقتصاد الريع المبني على البترول والغاز، وقال إنه بقدر ما يمكنها "فرملة" الاستيراد، فإنها تسمح بتحصيل مبالغ كبيرة من العملة الصعبة، وتقليص دائرة البطالة.
محاربة الظواهر السلبية
وفي خضم التفاؤل الذي يبقى منطقياً بالنظر إلى الأرقام المقدمة، إلا أن رئيس الكونفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل، سامي عقلي، يعتقد أن "الوصول إلى إنتاج ما يمكن إنتاجه ببلادنا، بدلاً من الاستيراد، يتطلب محاربة بعض الظواهر السلبية كالبيروقراطية وعدم الشفافية"، موضحاً أن هناك نظرة جديدة للنهوض بالاقتصاد تمر عبر تثمين الفلاحة، لأنها ضمان تحقيق الأمن الغذائي، كما أن هناك وعياً جماعياً لخلق فرص للاستثمار في الفلاحة بدلاً من التركيز على الاستيراد، و"أعتقد أن المتعاملين الاقتصاديين لديهم كل الاستعداد للانخراط في المسعى الجديد"، لكن يجب العمل على استعادة الثقة من خلال تخفيف فكرة "خلق الثروة" بطريقة فعلية وتشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لأنها اللاعب الحقيقي في هذه النظرة الجديدة للاقتصاد من أجل الوصول إلى سد العجز الحاصل في عدد المؤسسات والمقدر بحوالى مليون ونصف مليون مؤسسة.