تسير الولايات المتحدة بخطوات وئيدة عبر حقل ألغام زرعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في إطار بحثها عن طريق يعيدها إلى الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015.
ألغام ترمب والثمن السياسي
ويوضح تقرير أجرته "رويترز" لقرارات وزارة الخزانة الأميركية، أن هذه الألغام ليست سوى عقوبات فرضها ترمب على أكثر من 700 جهة وفرد بعد انسحابه من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات التي رفعت بمقتضاه على إيران.
ومن هذه الألغام القائمة السوداء التي أدرج فيها الرئيس الأميركي السابق نحو 24 مؤسسة حيوية في الاقتصاد الإيراني، ومنها البنك المركزي وشركة النفط الوطنية، مُستغلاً قوانين أميركية ترمي لمعاقبة أي أطراف أجنبية على دعم الإرهاب أو نشر السلاح.
ويُعد رفع كثير من هذه العقوبات أمراً حتمياً إذا كان لإيران أن تصدر نفطها، وهو ما سيمثل أكبر استفادة تحصل عليها طهران من الالتزام بالاتفاق النووي وتقييد برنامجها النووي.
غير أن إسقاط هذه العقوبات من شأنه أن يجعل الرئيس الديمقراطي جو بايدن عرضة لاتهامات بالتساهل مع الإرهاب، وهو ثمن سياسي ربما لا يتمكن من تفاديه إذا كان للاتفاق النووي أن يصبح ساري المفعول من جديد. وأثار هذا الاحتمال بالفعل انتقادات شديدة من الجمهوريين.
وقال مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق في إدارة ترمب الشهر الماضي، خلال الترويج لتشريع من شأنه أن يجعل من الصعب على بايدن رفع العقوبات السارية على إيران "هذا غير أخلاقي".
ووصف جون سميث مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة من 2015 إلى 2018 موجة العقوبات التي فرضها ترمب على إيران، بأنها "غير مسبوقة من حيث المدى في التاريخ الأميركي الحديث"، وقال سميث، الشريك الآن في شركة "موريسون أند فورستر" للاستشارات القانونية، إن استهداف المؤسسات الإيرانية لدعمها للإرهاب، أو بسبب صلات تربطها بالحرس الثوري جعل إحياء الاتفاق النووي أصعب كثيراً. وتابع "إضافة الإرهاب العالمي والحرس الثوري وانتهاكات حقوق الإنسان إلى أي قائمة، تجعل رفع تلك الأسماء من القائمة شديد الصعوبة سياسياً بدرجة لا تصدق. بإمكانك أن تفعل ذلك لكن رد الفعل الذي قد تواجهه سيكون أكبر كثيراً".
وقال مسؤول أميركي، "إن حصر رويترز للعقوبات التي فرضها ترمب قريب من الحصر الذي أجرته إدارة بايدن، على الرغم من أن اختلاف التقديرات فيما يجب إدراجه قد يؤدي إلى اختلاف العدد الإجمالي قليلاً".
مشروعية أم اختلاق؟
كان فرض العقوبات الأميركية من جديد وبالاً على الاقتصاد الإيراني الذي انكمش ستة في المئة خلال 2018 و6.8 في المئة في 2019 وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
وكان ترمب الجمهوري قد انسحب من الاتفاق في 2018 بدعوى أنه يتيح لإيران تخفيف العقوبات بدرجة كبيرة مقابل قيود نووية غير كافية، وفرض حملة "الضغوط القصوى" في محاولة فاشلة لإرغام طهران على قبول قيود أكثر صرامة على برنامجها النووي.
وقال أيضاً، "إن الاتفاق أخفق في الحد من دعم إيران للإرهاب، ودعم وكلائها الإقليميين في سوريا والعراق ولبنان، والسعي لتصنيع صواريخ باليستية".
ويريد بايدن إعادة العمل بالقيود النووية الواردة في الاتفاق، وتمديدها إن أمكن، وفي الوقت نفسه التصدي لما وصفه بأنشطة إيرانية أخرى مزعزعة للاستقرار.
وبدأ مسؤولون من الولايات المتحدة وإيران مباحثات غير مباشرة في فيينا، سعياً للتوصل إلى ترتيبات لاستئناف الالتزام بالاتفاق الذي بدأت إيران تخالف بنوده في 2019، رداً على قرار ترمب الانسحاب منه.
وبمقتضى الاتفاق قلصت إيران برنامجها النووي بما يقلل من قدرتها على تطوير القنبلة النووية، على الرغم من أن طهران تنفي أنها تطمح لذلك، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
ويتنقل دبلوماسيون أوروبيون بين الوفدين الأميركي والإيراني، لأن طهران ترفض إجراء مباحثات مباشرة. ويحاول المسؤولون التوصل إلى اتفاق بحلول 21 مايو (أيار)، غير أنه لم يتم تذليل عوائق رئيسة حتى الآن.
ومن هذه العوائق كيفية التصرف في العقوبات المفروضة على البنك المركزي الإيراني في 2012، لمنع التصرف في أصوله بموجب تشريع أميركي. وكانت تلك العقوبات قد رُفعت بمقتضى الاتفاق النووي واستؤنف العمل بها عندما انسحب ترمب من الاتفاق.
وفي سبتمبر (أيلول) 2019 ذهب ترمب إلى مدى أبعد، بإدراج البنك المركزي في قائمة سوداء، واتهامه بتقديم دعم مالي لجماعات إرهابية وهو ما منع الأطراف الأجنبية فعلياً من إبرام أي تعاملات معه. كما استهدف قطاعات أخرى من البنية التحتية النفطية في طهران بتهمة دعم الإرهاب، بما في ذلك شركة النفط الوطنية الإيرانية والشركة الوطنية الإيرانية للناقلات والشركة الوطنية للبتروكيماويات.
وإذا كان لإيران أن تبيع نفطها في الخارج، فإن المحامين المتخصصين في العقوبات يقولون، إنه من الضروري تخفيف أعباء العقوبات على هذه الشركات، وإلا فإنها ستظل مصدر قلق للشركات الأجنبية. والشركات الأميركية ممنوعة بالفعل من التعامل مع هذه الشركات بموجب عقوبات مختلفة.
وفي ما ينذر بهجوم متوقع من الجمهوريين قال إليوت أبرامز آخر مبعوث خاص لإيران في إدارة ترمب، إن العقوبات فُرضت لأسباب مشروعة. وأضاف "هذه التوصيفات كانت كافية ومبررة من الناحيتين القانونية والأخلاقية. فهي لم تُطلق من فراغ".
التركيز على البنك المركزي
وقال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية، إن إدارة بايدن لا تعتزم الطعن في "الأساس الاستدلالي" الذي فرضت سابقتها العقوبات على أساسه. وهذا معناه في واقع الأمر، أنها لا تجادل بأن هذه الكيانات لم تقدم دعماً للإرهاب. غير أن إدارة بايدن خلصت، على حد قول المسؤول، إلى أن من مصلحة الأمن القومي الأميركي العودة إلى الاتفاق النووي بما يبرر رفع العقوبات.
ومما عقّد الأمر أيضاً، قرار ترمب في أبريل (نيسان) 2019 بإدراج الحرس الثوري وفيلق القدس فرع عملياته الخارجية شبه العسكرية والاستخبارات، باعتباره تنظيماً إرهابياً أجنبياً. وكانت تلك المرة الأولى التي تطلق فيها الولايات المتحدة رسمياً وصف جماعة إرهابية على مؤسسة عسكرية تابعة لدولة أخرى.
وفي سبتمبر 2019، استخدم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية صلاحيات مكافحة الإرهاب في استهداف البنك المركزي الإيراني، واتهمه بتوفير مليارات الدولارات للحرس الثوري وفيلق القدس وجماعة "حزب الله" اللبنانية التي تعتبرها واشنطن منذ فترة طويلة جماعة إرهابية.
وقال أبرامز، "ما أجده مستنكراً بصفة خاصة، هو أي خطوة تغير وضع العقوبات على الحرس الثوري لنشاطات إرهابية لأن الحرس الثوري ينخرط في أنشطة إرهابية. هذه مسألة واضحة".
غير أنه لا حاجة بإدارة بايدن لنزع صفة التنظيم الإرهابي عن الحرس الثوري، من أجل رفع العقوبات المفروضة على البنك المركزي.
وقال مسؤولون أميركيون سابقون، إن بإمكان وزير الخزانة إلغاء أي عقوبات مفروضة على البنك المركزي بموجب الأوامر التنفيذية الأميركية التي تتيح لرئيس الدولة القدرة على فرضها أو إلغائها حسبما يتراءى له.
وسبق أن قالت وزارة الخارجية دون أن تذكر أي تفاصيل، إنها لن ترفع تلك العقوبات "غير المتوافقة" مع الاتفاق النووي، إلا إذا استأنفت طهران الالتزام بالاتفاق.
وقال هنري روم، المحلل المتخصص في الشأن الإيراني لدى مجموعة أوراسيا، "الانتقادات السياسية ستكون بصراحة في غاية الشدة، فأي شيء له صلة بكلمة الإرهاب في هذه القضية سيكون موضوعاً جاهزاً للحديث فيه عند من يعارضون العودة" للاتفاق النووي. وأضاف "التحدي السياسي هنا هو القول، إن التصنيفات ربما تكون مشروعة، لكن لدينا مصالح أخرى في السياسة الخارجية تملي مع ذلك رفعها. وهذه مهمة شاقة لكن سيتعين عليهم إنجازها".