ما الذي يجعل حركة "حماس" بعد أحد عشر يوماً من التصعيد مع إسرائيل، تعتبر أنها حققت نصراً؟ فقد قال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، في كلمة ألقاها، "هذا نصر استراتيجي".
فلا اتفاق حصل بينها وبين إسرائيل يدعم ذلك الاعتبار. ورئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر أن العملية العسكرية الإسرائيلية حققت "نجاحاً استثنائياً".
وأعلنت إسرائيل تدمير أنفاق لـ"حماس" وقتل عدد كبير من القياديين فيها، وإضعاف قدراتها العسكرية.
وإضافة إلى سقوط 248 قتيلاً فلسطينياً، بينهم عائلات بكاملها و65 طفلاً، خلال الأيام الأحد عشر من التصعيد، ونحو 2000 جريح، هناك خسائر مادية واقتصادية هائلة في قطاع غزة المحاصر منذ نحو 14 عاماً. ولحق دمار كبير بالبنى التحتية وبالمنازل، وأسقطت أبنية كاملة.
واندلع النزاع بعد إطلاق "حماس" صواريخ في اتجاه الدولة العبرية في العاشر من مايو، تضامناً مع الفلسطينيين الذين كانوا يخوضون منذ أيام مواجهات مع الإسرائيليين في القدس الشرقية وباحات المسجد الأقصى.
وعلى الرغم من التصريحات الدولية عن المساعدات المادية للقطاع، لا ضمانات بوصولها أو بمحو آثار الحرب.
تسجيل نقاط
يعتبر البعض أن شعور "حماس" بالنصر يمليه تسجيلها نقاطاً متقدمة في معركة تمثيل الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، على حساب منافستها حركة "فتح" التي تقود السلطة الفلسطينية.
وبعد عودة الهدوء إلى قطاع غزة، الجمعة 21 مايو، عمت الاحتفالات قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، حيث خرج المشاركون وحملوا أعلاماً فلسطينية وأعلام حركة "حماس".
ويرى أستاذ العلوم السياسية في قطاع غزة جمال القاضي أن حركة "حماس" تشعر بأنها انتصرت "لأنها تمكنت من الضرب في عمق إسرائيل"، مضيفاً "لم تتمكن إسرائيل من منعها من ضرب المدن الإسرائيلية بالصواريخ".
ويشير القاضي إلى أن "حماس نجحت في تعزيز ترسانتها من الصواريخ، على الرغم من الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007 على القطاع".
وأعلن الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر القوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط، أن أكثر من 4300 صاروخ أطلقت من قطاع غزة في اتجاه إسرائيل، اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية 90 في المئة منها، مشيراً إلى أن وتيرة إطلاق الصواريخ "غير مسبوقة".
ووعدت "حماس" سكان القطاع بمساعدتهم على إعادة الإعمار.
الانتخابات وعلاقة "حماس" و"فتح"
ويؤكد محللون أن التصعيد مع إسرائيل سمح لحركة "حماس" بتقديم نفسها كالطرف الوحيد الذي يدافع عن الفلسطينيين.
ويقول الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هيو لوفات، إن أحد الأسباب التي دفعت "حماس" إلى التصعيد هو "الانتهازية السياسية".
وبحسب لوفات، أرادت "حماس تعزيز شرعيتها ليس بين أنصارها فحسب، بل لدى الجمهور الفلسطيني الأوسع أيضاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ 2006، تاريخ الانتخابات الفلسطينية التشريعية الأخيرة التي فازت بها "حماس"، تسممت العلاقات بين حركتي "حماس" و"فتح". وفي 2007، تفردت "حماس" بالسيطرة على قطاع غزة بعد أن طردت حركة "فتح" منه إثر اشتباكات دامية.
وتم الاتفاق أخيراً على إجراء انتخابات فلسطينية جديدة تشريعية ورئاسية، وجاء ذلك في إطار مصالحة بين الجانبين.
وكان من المفترض إجراء الانتخابات التشريعية السبت (22 مايو)، لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن إرجاءها إلى حين "ضمان" إجرائها في القدس الشرقية، بحجة أن إسرائيل ما زالت ترفض السماح للمقدسيين بالمشاركة الكاملة في هذا الاستحقاق.
ورفضت "حماس" التأجيل واعتبرت القرار "انقلاباً" على التوافقات الفلسطينية.
ويوضح لوفات أن "حماس" كانت تعقد آمالاً كبيرة على هذه الانتخابات. "كانت ترى في الانتخابات سبيلاً لتحقيق هدفها وهو التخلص من عبء الحكم" في قطاع غزة الفقير والمحاصر الذي ساء وضعه مع جائحة كوفيد-19".
ويضيف "إمكانية إجراء انتخابات ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية (مع حركة فتح) كانا سيسمحان بمزيد من التقدم" في القطاع، ولكن مع "إغلاق طريق المشاركة السياسية، كان عليهم (حماس) إعادة حساباتهم".
ويقول إن "حماس" "تستخدم دورات التصعيد بنية محاولة انتزاع تنازلات أكبر من إسرائيل"، مثل تخفيف القيود على استيراد البضائع أو زيادة عدد تصاريح الخروج من القطاع للسكان.
تحدي إعادة إعمار القطاع
وظهرت "حماس" وكأنها تحتكر "المقاومة" ضد إسرائيل، في وقت يظهر عباس مهمشاً بعد أن أضعفته سنوات من الدعوة إلى التفاوض مع إسرائيل من دون إحراز أي تقدم.
ويرى المحلل حسين أبيش أن "اندلاع العنف بشكل دوري" بالنسبة إلى "حماس"، "يعد ميزتها التنافسية الرئيسة بالمقارنة مع حركة فتح".
ويقول، "يقومون بتقديم أنفسهم كمدافعين عن فلسطين والقدس والإسلام (...) وبأنهم وحدهم القادرون على جعل إسرائيل تدفع ثمن الاحتلال".
وأصبح الرئيس عباس من وجهة نظر القاضي "ضعيفاً وأصبح أداؤه السياسي غير مقبول" في نظر الفلسطينيين.
ولم يتحقق أي إنجاز على صعيد السلام مع إسرائيل خلال فترة حكم عباس (86 عاماً). وقد انتهت ولايته عام 2009، لكنه بقي بحكم الأمر الواقع، إذ لم تحصل انتخابات.
ويعتقد القاضي أن "حماس" التي تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية"، قد تواجه تحدياً بعد التصعيد يتمثل في إعادة إعمار غزة.
أما لوفات فيرى أن "وقف إطلاق النار هش للغاية. ولا يوجد أي سبب للاعتقاد باستمراره لفترة أطول من غيره. الأمر مجرد مسألة متى ستكون الحرب المقبلة".