يبدو أن الوضع في مالي عاد إلى نقطة الصفر بعد "الانقلاب" الذي شهدته البلاد أمس، ما يهدد المنطقة بالفوضى التي من المرتقب أن تتصدر مشهدها اعتداءات التنظيمات الإرهابية المنتشرة في الشمال بشكل لافت.
صراعات وتساؤلات
وتعيش دولة مالي صراعاً مسلحاً بين الشمال والجنوب منذ 2012، عجزت كل المحاولات عن إنهائه، وهو الذي اندلع مع تمرد مجموعات عدة ضد الحكومة لنيل استقلال أو إعطاء حكم ذاتي لشمال البلاد الذي يعتبر منطقة قبائل "أزواد"، حيث تمكنت الحركة الوطنية لتحرير "أزواد" من السيطرة على أراض واسعة، لتتطور الأوضاع وتتم الإطاحة بالرئيس أمادو توماني توري، في انقلاب عسكري من أجل حل الأزمة، شهراً قبل الانتخابات الرئاسية، ليتم اجتياح أكبر مدن شمال مالي "كيدال وغاو وتمبكتو" من قبل المتمردين في الخامس من أبريل (نيسان) 2012، وتعلن الحركة بعدها استقلال منطقة "أزواد" عن مالي.
دعم يتحول إلى سيطرة
وأمام ماضي الصراع بين الإخوة الفرقاء الماليين والذي أساسه مطالب بالانفصال، يتساءل المتابعون عن أسباب انتشار الجماعات الإرهابية في شمال مالي من دون سواها؟ غير أن الخوض في نجاح الحركة الوطنية لتحرير أزواد وتحقيق أهدافها، يزيل الانشغالات والاستفهامات، إذ إن إعلان استقلال "الأزواد" جاء بعد الدعم من قبل جماعات إسلامية صنفت في ما بعد ضمن قائمة الإرهاب، وأهمها تنظيم "أنصار الدين"، إلى جانب القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فرع الصحراء الكبرى، والتي كانت تتمركز في الجزائر.
وبدأت جماعة "أنصار الدين" وتنظيم "القاعدة"، وحركة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، وتنظيمات أخرى محلية، التحرك في المناطق "المحررة" من أجل فرض قوانين "الشريعة الإسلامية"، وهي التي وجدت في شمال مالي المنطقة الخصبة التي تسمح بالاختباء عن أعين المراقبة والمتابعة الأمنية الدولية، كما أنها منطقة صحراوية قاحلة ليست سهلة على جيوش المنطقة والقوات الأجنبية، الأمر الذي دفع إلى تسميتها بـ"المنطقة الرخوة"، لا سيما في ظل الأوضاع الاجتماعية الهشة والترابط المجتمعي والقبلي للسكان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عوامل
وفي السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، أن دولة مالي كبيرة المساحة، وهي أيضاً من أفقر الدول، إذ ينتشر فيها الفساد وتغيب الدولة المركزية عن أجزاء هامة من البلاد، مع انعدام التنمية والعدالة الاجتماعية، وانتشار حركات التمرد وشبكات الجريمة المنظمة، وغيرها من الآفات والظواهر، كلها عوامل جعلت من مالي أو شمالها بالتحديد، ملاذاً آمناً للتنظيمات الإرهابية، مضيفاً أن النقطة الأهم هي أن أفريقيا لم تنل حظها الكافي من الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، كتلك التي حدثت في الشرق الأوسط وأقصى شرق آسيا.
دخول القوات الأجنبية
وخسرت الحركة الوطنية لتحرير أزواد مناطق "محررة" واسعة في شمال البلاد، لصالح التنظيمات الإسلامية التي تضاعف عددها واختلفت جنسيات عناصرها وأفرادها، وأصبحت قوة فاعلة في منطقة الساحل وليس شمال مالي فقط، الأمر الذي استدعى تدخل قوات أجنبية بطلب من الحكومة المالية التي استغلت الفرصة لمحاولة استعادة أراضي "أزواد".
ومع انتشار القوات الأجنبية وخصوصاً الفرنسية في المنطقة عام 2013، تصاعد النشاط الإرهابي بالمنطقة بشكل لافت، تحت غطاء محاربة "الصليبيين"، وفق ما تروجه مختلف التنظيمات الإرهابية لتبرير اعتداءاتها ضد المدنيين والعزل.
مؤشران
من جانبه، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، النيجري إدريس آيات، أن الأحداث تثبت مؤشرين، الأول أنه إذا ترك الحبل للمجلس العسكري، فإن البلد قد يعرف نمطاً تسلسلياً من الانقلابات كلما حدث تغيير لا يصب في صالح الجيش، وبما أن الجيش له الحق الشرعي لحمل السلاح، فسيسعون إلى توظيفه لحسم أي نزاع لصالحهم، مبرزاً أنه في البداية تم الاحتفاء بانقلاب أو ثورة أغسطس (آب) على نطاق واسع باعتباره حرر الشعب من إخفاقات كيتا، لكن الرعب اللاحق من أنهم قد يستفردون بالسلطة أثمر استجابة مختلفة، مما أوحى لكثير من الماليين أنه لا يجب مكافأة الجيش بإعطائهم المزيد من النفوذ.
ويواصل آيات أن المؤشر الثاني فإن كانت ثمة استفادة إيجابية من الانقلاب العسكري على "إيبيكا" واحتجاز قيادات المرحلة الانتقالية، فهي إدراك الشعب أن الطرفين بحاجة له لإضفاء الشرعية على سلوكهما السياسي، لذا يجب على الطبقة السياسية والمجتمع المدني والنقابات، مقايضتهما بالمطالبة بالتغيير عبر القانون ولوازم لائحة الفترة الانتقالية، ودعم مؤسسات الدولة، وختم أنها الطريقة الوحيدة لتمضي الإصلاحات السياسية الضرورية قدماً من دون عنف، وهي العملية النظامية في جميع الحالات الناجحة في القرن العشرين.