بعد نحو أربع سنوات على خروج قوات البيشمركة من المناطق المتنازع عليها من محافظات كركوك وديالى ونينوى في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، أصدر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قراراً بعودتها بشكل محدود، بهدف التنسيق الأمني لمواجهة توسع عمليات تنظيم "داعش" في هذه المناطق.
وجاء قرار عودة قوات البيشمركة بعد نحو عام من المفاوضات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول شكل عودة هذه القوات، إذ أدت الاعتراضات الواسعة لأكثر من مرة من قبل جهات سياسية عربية وتركمانية وأخرى تنتمي لـ "الحشد الشعبي" إلى تأجيل الإعلان عنها أكثر من مرة.
مراكز تنسيق مشترك
وحاولت قيادة العمليات المشتركة مواجهة الاعتراضات الواسعة في المناطق المتنازع عليها في شأن عودة تلك القوات، عبر التأكيد أنه لن تدخل المناطق المتنازع عليها، وسيكون دورها مقتصراً على التنسيق مع القوات الاتحادية لمواجهة تنظيم "داعش".
وأعلنت تشكيل مراكز للتنسيق المشترك يضم ضباطاً وقوات من الطرفين في كركوك بدءاً من 22 مايو (أيار) الحالي فضلاً عن تشكيل مراكز أخرى في نينوى خلال الأسابيع المقبلة.
وأوضح المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي في تريح صحافي، أن رئيس الوزراء قرر إنشاء غرفة مشتركة بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة يوم الأحد 23 مايو في كركوك، مبيناً أن الاجتماعات بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة ستبدأ فور إنشاء المركز المشترك الذي يهدف إلى "سد الفراغ الأمني" في المنطقة.
وتابع، "لقد قمنا بتأسيس غرفة تنسيق مشترك في ديالى ونجحنا في ذلك، وسنجتمع غداً في كركوك بحضور ممثل قوات البيشمركة"، مشيراً إلى أن عمل غرفة التنسيق يتركز على تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية حول تحركات تنظيم "داعش" والتصدي لتهديداته.
وتعمل الحكومة العراقية حالياً على إنشاء أربع مراكز للتنسيق المشترك في محافظات نينوى وديالى وكركوك.
وأعاد تنظيم "داعش" خلال الأشهر الماضية تموضعه وكثف نشاطاته في مناطق واسعة من أطراف محافظة نينوى، خصوصاً في المناطق المحاذية للحدود السورية التي يبدو أنه يوجد فيها بشكل واضح أمام أعين السكان.
ويُمثل انتماء بعض عناصر "داعش" لسكان المناطق المستهدفة بالعملية العسكرية عائقاً مهماً أمام تحقيق تقدم فاعل في القضاء الكامل على وجود التنظيم في هذه المناطق.
رفض عربي - تركماني في نينوى
من جانبهما، رفض نائبان عن محافظة نينوى إعادة قوات البيشمركة إلى نينوى، مطالبين القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي بالعدول عن هذا القرار.
وقال كل من النائب التركماني مختار الموسوي عن "تحالف الفتح" والنائب العربي عبدالرحيم الشمري في بيان لهما "إننا كممثلين عن محافظة نينوى نرفض رفضاً قاطعاً إعادة البيشمركة إلى نينوى تحت أي صفة أو مسمى كان، ونطالب القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي بالعدول عن هذا القرار".
واعتبر النائبان أن "هذه الخطوة ستؤدي إلى عدم استقرار الوضع الأمني وخصوصاً في المناطق القريبة من الحدود العراقية السورية، وكذلك لما لها من تأثيرات اجتماعية وسياسية تؤدي إلى إعاقة إجراء انتخابات نزيهة في تلك المناطق".
العديد من الأخطاء
وبالانتقال إلى مدينة كركوك، فإن ممثلي عرب المدينة رفضوا بشكل قاطع عودة قوات البيشمركة إلى المدينة، محذرين من تهديد السلم الأهلي فيها إذا ما عادت لمسك الملف الأمني.
ويحذر المتحدث باسم "التحالف العربي" في كركوك حاتم الطائي من عودة البيشمركة إلى المحافظة، مشيراً إلى أن "عودتها تهدد السلم الأهلي" وستواجه برفض شعبي وسياسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الطائي "أن عرب كركوك يرفضون عودتهم مرة أخرى إلى كركوك، وأن أسبابنا هي التجربة السابقة المريرة التي عاشها المكون العربي إبان فترة حكم هذه القوات في المدينة"، مشيراً إلى أن قوات البيشمركة قدمت الحماية لكركوك إبان سيطرة "داعش" على عدد من محافظات العراق عام 2014 وقدمت العديد من الضحايا، إلا أنها ارتكبت مزيداً من الأخطاء.
واتهم الطائي "قوات البيشمركة باختطاف أعداد كبيرة من المواطنين العرب وتغييب غالبيتهم وتهديم 138 قرية عربية بدوافع غير عسكرية"، مبيناً أن هذه الانتهاكات تدعونا إلى رفض هذه القوات والتمسك بخيار القوات الاتحادية المكلفة بحفظ الأمن في المحافظة.
العودة إلى المربع المشؤوم
من جانبه، يبدي النائب التركماني السابق نيازي معمار أوغلو رفضه لمشاركة ضباط من قيادة البيشمركة في غرفة عمليات التنسيق المشترك ووصفها باللعبة السياسية.
ويضيف "أن قوات البيشمركة وبحسب الدستور، هي قوات حرس الإقليم وضمن الحدود الإدارية للإقليم في المحافظات الثلاث أربيل ودهوك والسليمانية، ومن واجباتها الحفاظ على حماية حدودها مع الدولتين الجارتين تركيا وإيران"، معتبراً أن "وجود هذه القوات في كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها يمثل عودة إلى المربع المشؤوم"، على حد وصفه.
وتابع أوغلو أن العرب والتركمان يرفضون هذه المحاولات رفضاً قاطعاً ليتنعم أهاليها ومن كل المكونات العيش الكريم والاستقرار كما هو الحال منذ عام 2017، بدلاً من إقحام هذه المناطق بصراعات جديدة لا تحمد عقباها"، مشدداً على ضرورة تنفيذ القرارات المتخذة منذ عام 2017 من قبل السلطة التشريعية والحكومة السابقتين بتكليف القوات الاتحادية حصراً بحماية هذه المناطق، وعدم إشراك أي قوات خارجة عنها لخصوصية هذه المناطق وتركيبتها المعقدة وبالأخص كركوك "العراق المصغر".
ودعا أوغلوا إلى إعلان محافظة كركوك إقليماً مستقلاً بإدارة مشتركة بين مكوناتها لإنهاء هذا الملف.
ستعود بلواءين إلى كركوك
بدورها، تكشف النائبة الكردية عن كركوك ديلان غفور أن قوات البيشمركة ستشكل لواءين في كركوك ضمن إطار غرفة للتنسيق بين قوات البيشمركة والجيش في المحافظة.
وتضيف في بيان أن "زيارة وزير الدفاع جمعة عناد إلى كركوك قبل أيام عدة كانت إيجابية وذات تأثير، وسببها الرئيس كان حسم مسألة التنسيق بين الجيش والبيشمركة وتشكيل غرف لهذه الغاية، لافتة إلى أن مسألة التنسيق بين الجانبين يتم العمل عليها منذ أشهر، ودخلت الآن مرحلة التنفيذ التي ستكون على مراحل عدة.
وتُمثل سلسة جبال وتلال حمرين الممتدة بين ثلاث محافظات عراقية شمال البلاد وهي ديالى وصلاح الدين وكركوك، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات "داعش" على مناطق واسعة من هذه المحافظات وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
وعلى الرغم من نجاح القوات المسلحة العراقية في خفض معدلات هجمات التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية في المحافظات الثلاث من خلال سلسة عمليات عسكرية مدعومة من طيران التحالف الدولي، إلا أن التنظيم لا يزال قادراً على شن هجمات بين الحين والآخر تستهدف مناطق جلولاء وخانقين وأطراف المقدادية في ديالى ومحيط الحويجة في كركوك وأطراف قضاء طوز خرماتو والجزيرة وأطراف بلد والدجيل في محافظة صلاح الدين.
وأسفرت هذه الهجمات خلال الأشهر الأولى من العام الحالي عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والحشد وعدد من المدنيين، لكنها بدت محدودة قياساً بما شهده مطلع عام 2020 ونهاية 2019 من ارتفاع في معدل عمليات "داعش".
ضرورة لوقف هجمات "داعش"
ويرى مدير مركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية معتز محي عبد الحميد أن نشاط التنظيم في أطراف الحويجة وقرب أمرلي وطوزخوروماتو دفع القوات الأمنية العراقية للتنسيق مع البيشمركة للحيلولة دون تنامي نفوذ تلك الجماعات الإرهابية في تلك المناطق.
ويشير إلى أن "المناطق المتنازع عليها أصبحت شبه فارغة أمنياً، فالاستهداف المتكرر من قبل مسلحي داعش لقوات البيشمركة في أطراف الحويجة وبعض المناطق، جعلها مسرحاً لعمليات كبيرة للمسلحين"، مبيناً أن أعداد القوات الأمنية العراقية القليلة لم تستطع مطاردة المسلحين ما نتج عنه إجراء سلسلة من التفاهمات مع قوات البيشمركة في مسك تلك المناطق".
ويؤكد عبدالحميد أن جنوب قضاء الحويجة في كركوك يشكو من قلة وجود الأجهزة الأمنية، واعتمدت على مسلحي العشائر و"الحشد الشعبي" وفي أمرلي وطوز خوروماتو بمحافظة صلاح الدين، وبالتالي رد فعل القوات الماسكة أصبحت ضعيفة، مرجحاً أن يتم استقدام قوات البيشمركة في تلك المناطق الهشة أمنياً.
ويتابع أن دخول أعداد كبيرة من المسلحين بعد مقتل البغدادي بعام عبر الحدود العراقية، واستقرارها في تلك المناطق، لا سيما مع وجود سلسلة أنفاق جنوب كركوك، التي يختبئ بها عناصر "داعش"، وضعنا أمام خريطة من التضاريس الصعبة، مما يتطلب إعادة توزيع الواجبات مجدداً، وأن لا يتم الحد من نفوذ "داعش" بالأسلحة البسيطة.