"ديوان شعر يهود اليمن" أصدرته "مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر" في القاهرة، بالتعاون مع "بيت الموروث الشعبي" في صنعاء، وجاء في جزأين ونحو 600 صفحة. ونقله عن الأبجدية العبرية وقدم له عبد الكريم المذحجي، واشتمل على دليل من 75 صفحة للكلمات والعبارات الدارجة وأسماء الأشخاص والأماكن.
يتضمن الكتاب في أصله قصائد وترانيم وتواشيح وموشحات مكتوبة بالأبجدية العبرية، ويشمل نصوصاً كثيرة عربية اللغة. وقد اقتصر عمل المذحجي على نقل تلك النصوص إلى الأبجدية العربية، ومن هنا يتضح أنه لم يترجم أي نص عبري في هذا الديوان، واسمه الأصلي "حمدت يميم"، ويمكن ترجمته إلى "بهجة الأيام"، أو "الأيام البهيجة"، وله عنوان فرعي هو "ديوان الرِبّي سالم شبزي؛ أمير شعراء يهود اليمن في القرن الـ17، وشعراء آخرون".
ويقر المذحجي بأنه أطلق على هذا العمل "ديوان شعر يهود اليمن"، على عدم دقته، آملاً في أن تعمل مراكز بحث في اليمن أو خارجها على جمع– ونشر- ما تبقى من هذا الشعر.
وتضمنت خاتمة الكتاب بياناً لـ"بيت الموروث الشعبي" صدر في 2009؛ يستنكر "الترحيل السري لليهود اليمنيين"، ويعبر عن قلقه البالغ إزاء هذه المسألة، التي "تنذر بكارثة فناء أقدم سكان اليمن، بعد تعرض طائفتهم لكل أشكال التهميش والإقصاء، وصولاً إلى الاستئصال بهذا الشكل المهين والمرعب الذي يفتح باب الجحيم على مصراعيه لالتهام ما تبقى من الطوائف والأقليات الأخرى".
ورأى البيان في ذلك عملاً من شأنه "أن يحدث خللاً ديموغرافياً، وخللاً في البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، كما يهدد بتدمير أحد أهم عناصر التنوع والتعدد والثراء التي تقوم عليها الخارطة والذاكرة اليمنية وتستمد منها عافيتها وسلامها وازدهارها".
يمن بلا يهود!
وبحسب مصادر بحثية، فإن عدد يهود اليمن كان 55 ألف نسمة في عام 1948، إلا أنه انخفض في عام 2018 إلى أقل من خمسين شخصاً بسبب هجرة كثير منهم إلى إسرائيل.
وفي عام 2016 أشارت صحيفة "جيروزاليم بوست" إلى ما تداوله يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن "صفقة سرية" بين جماعة الحوثيين التي ترفع شعار "الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود"، والحكومة الإسرائيلية. ووفقاً للصحيفة نفسها، تضمن ما جرى تداوله على تلك المواقع، اتهامات للحوثيين بالعمالة لإسرائيل، في ضوء أن تلك الصفقة تكشف عن مدى التعاون بين ميليشيات الحوثي وتل أبيب.
ولليهود اليمنيين إرث ثقافي غني يميزهم عن بقية اليهود في العالم في النواحي الدينية والموسيقية والعادات والتقاليد الاجتماعية. وأقدم المخطوطات العبرية في اليمن يعود إلى القرن الميلادي التاسع، ويحتوي كثير منها على تعليقات وشروح بالعربية. ويرتل اليهود في اليمن كتب التوراة بألحانهم الخاصة المختلفة عن قراءة الأشكناز في أعياد السوكوت والفصح، وهم الوحيدون الذين لهم لحن وترتيل عند قراءة المزمور.
ويشار إلى أن "بيت الموروث الشعبي"، هو كيان ثقافي، بحثي – متحفي، غير ربحي وغير حكومي، يعنى بجمع الموروث الشعبي اليمني اللامادي، وتدوينه وتوثيقه وتحليله ودرسه، وقد تأسس رسمياً في 11 أبريل (نيسان) 2004، وتوقف نشاطه في 2011. وحاول العودة بعد ذلك إلا أن مبناه تعرض للسرقة والنهب في مايو (أيار) 2014. "وظل الأمل يحدونا في إمكانية معاودة الفتح مرة أخرى، لكن فُقِد الأمل، مع الانقلاب (الحوثي) ودخول البلاد في دوامة الحرب أرضاً وإنساناً وذاكرة، إذ فُتِحَت الأبواب واسعة أمام طوفان الخراب الذي طاول كل شيء، وبالدرجة الأولى الإنسان وذاكرته؛ تارة بالاقتلاع من أرضه في دورة النزوح والتهجير القسري، وأخرى بالحصار وتجفيف منابع الدهشة والأنسنة في الثقافة الشعبية والثقافة ببعدها الإنساني الأوسع"، بحسب ما ورد في تصدير الكتاب، والمؤرخ في مارس (آذار) 2021، والذي شدد على أنه "لا معنى لوطن اسمه اليمن من دون يهوده".
"أمير شعراء اليهود"
وبإصدار هذا الكتاب، يستأنف "بيت الموروث الشعبي" عمله في إصدار المزيد من الكتب، وتفعيل موقعه الإلكتروني ومتابعة رصد– وتوثيق- تراث اليمن، "وما يتعرض له من هدر وتدمير واقتلاع"، بحسب ما ورد على ظهر الغلاف منسوباً إلى رئيسة البيت أروى عثمان.
وغالبية النصوص الواردة في الكتاب ترجع إلى سالم الشبزي، وهناك نصوص لداود سعديا، وحسن التعزي، وهارون الصعدي، ويوسف بن إسرائيل النهيكي وآخرين، بعضهم "كجهول". وأهدى "بيت الموروث الشعبي"، الكتاب إلى "الفيلسوف، المؤرخ، الشاعر، الخياط، "الولي"، موري سالم بن يوسف الشبزي، الذي جسد المشترك الإنساني الجامع بين اليمنيين والديانات، وكان ضريحه (القبة البيضاء/ قبة الشبزي) في قلعة القاهرة– تعز، من أبرز المعالم الأثرية والتاريخية اليمنية والإنسانية، ومزاراً للمسلمين واليهود على السواء".
وبحسب المتداول في الأوساط البحثية المهتمة بيهود اليمن، فإن سالم الشبزي الذي عاش في القرن السابع عشر الميلادي، هو أشهر شعراء اليهود اليمنيين وله 550 قصيدة؛ "نقلها اليمنيون معهم إلى إسرائيل التي تعتبرها إرثاً ثقافياً لها". وتعتبر موسيقى اليهود اليمنيين؛ بحسب الأوساط نفسها؛ "مؤثرة ومهمة في إسرائيل إذ لم تتأثر ثقافتهم بعوامل خارجية كثيرة، فاعتبروا أغانيهم أصيلة وملهمة للأجيال الجديدة".