بثّ التلفزيون الرسمي الجزائري عصر الأحد الخامس من مايو (أيار)، صوراً لكل من السعيد بوتفليقة المستشار السابق للرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، وشقيقه الأصغر، ومسؤولي جهاز الاستخبارات السابقين الجزائري على التوالي الجنرال بشير طرطاق، ومحمد مدين توفيق. وفي سابقة في تاريخ الجزائر، بثً التلفزيون الجزائري، صوراً لوصول كل من السعيد بوتفليقة، وبشير طرطاق، ومحمد مدين، إلى مقر المحكمة العسكرية بالبليدة (50 كيلومتراً جنوب العاصمة)، وأظهرت الصور الشخصيات الثلاث، وهم يترجلون ساحة المحكمة باتجاه المقر الرئيسي حيث مكتب الوكيل العسكري.
ورافق كل شخصية ضابط أمن، وأظهرت الصور لحظة "انفعال" الجنرال توفيق القائد السابق للاستخبارات عندما كان الضابط الذي يرافقه يشد على ساعده، وتصرف توفيق بشكل يوحي برفضه هذا السلوك وفض قبضة الضابط عن ذراعه.
التهم الموجهة "عسكرية"
وخضعت التهم الموجهة للسعيد بوتفليقة، على الرغم من أنه شخصية مدنية، للضوابط العسكرية نفسها، التي سيحاكم على أساسها كل من بشير طرطاق (عثمان) قائد الاستخبارات السابق، ومحمد مدين الذي سبقه على رأس الجهاز، بمعنى أن المتابعة جرت على أساس القضاء العسكري وليس المدني. وقال بيان لوزارة الدفاع إن الوكيل العسكري للجمهورية لدى المحكمة العسكرية بالبليدة "أصدر الاحد أوامر بإيداع كل من عثمان طرطاق ومحمد مدين والسعيد بوتفليقة الحبس الموقت بتهم المساس بسلطة الجيش" و"المؤامرة ضد سلطة الدولة"، ب حسب ما افاد بيان لمجلس الاستئناف العسكري بالبليدة.
وأوضح المصدر أن "الوكيل العسكري للجمهورية لدى المحكمة العسكرية بالبليدة قام بتكليف قاضي تحقيق عسكري بمباشرة إجراء التحقيق، وبعد توجيه الاتهام، أصدر هذا الاخير أوامر بالإيداع في الحبس الموقت للمتهمين الثلاثة"، وأشار البيان إلى مواد تابع بموجبها الأشخاص الثلاثة، أولها المادة 284 من قانون القضاء العسكري التي استندت إليها غرفة التحقيق ضد المتهمين.
من خمس إلى 10 سنوات
وتنص على أن "كل شخص ارتكب جريمة التآمر غايتها المساس بسلطة قائد تشكيلية عسكرية أو سفينة بحرية أو طائرة عسكرية، أو المساس بالنظام أو بأمن التشكيلة العسكرية أو السفينة البحرية أو الطائرة، ويعاقب بالسجن مع الأشغال من خمس سنوات إلى 10 سنوات". ويضيف نص المادة "تقوم المؤامرة بمجرد اتفاق شخصين أو أكثر على التصميم على ارتكابها، ويطبق الحد الأقصى من العقوبة على العسكريين الأعلى رتبة وعلى المحرضين على ارتكاب تلك المؤامرة".
كما تشير إلى أن "كل شخص ارتكب جريمة التآمر غايتها المساس بسلطة قائد تشكيلة عسكرية، وإذا حصلت المؤامرة في زمن الحرب وعلى اراض اعلنت فيها الاحكام العرفية او حالة الطوارئ او في اية ظروف يمكن ان تعرض للخطر أمن التشكيلة العسكرية او السفينة البحرية او الطائرة او ان ترمي الى الضغط على قرار القائد العسكري المسؤول فيقضى بعقوبة الإعدام".
وبموجب بيان الوكيل العسكري، فإن النيابة العسكرية تعتمد نص المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية "تفادياً لانتشار معلومات غير صحيحة أو لوضع حد للإخلال بالنظام العام، ويحق لممثل النيابة العامة أو لضابط الشرطة القضائية بعد الحصول على إذن من وكيل الجمهورية أن يطلع الرأي العام بعناصر موضوعية مستخلصة من الاجراءات على ألا تتضمن أي تقييم للأعباء المتمسك بها ضد الأشخاص المتورطين".
يعاقب بالإعدام
أضاف البيان العسكري، المادتين 77 و78 من قانون العقوبات المدني، وتنص المادة 77 "يعاقب بالإعدام، الاعتداء الذي يكون الغرض منه إما القضاء على نظام الحكم أو تغييره وإما تحريض المواطنين أو السكان على حمل السلاح ضد سلطة الدولة أو ضد بعضهم البعض، وإما المساس بوحدة التراب الوطني، ويعتبر في حكم الاعتداء تنفيذ الاعتداء أو محاولة تنفيذه".
أما المادة 78 فتنص "المؤامرة التي يكون الغرض منها ارتكاب الجنايات المنصوص عليها في المادة 77 يعاقب عليها بالسجن الموقت من 10 سنوات إلى 20 سنة إذا تلاها فعل ارتكب أو بُدىء في ارتكابه للإعداد لتنفيذها، وتكون العقوبة السجن الموقت من خمس إلى 10 سنوات إذا لم يكن قد تلا المؤامرة فعل ارتكب أو بُدئ في ارتكابه للإعداد لتنفيذها، وتقوم المؤامرة بمجرد اتفاق شخصين أو أكثر على التصميم على ارتكابها".
ويتابع نصها "كل من يعرض تدبير مؤامرة بغرض التوصل إلى ارتكاب الجنايات المنصوص عليها في المادة 77 من دون أن يقبل عرضه، يعاقب بالحبس من سنة إلى 10 سنوات وبغرامة من 3000 إلى 70.000 دينار، ويجوز علاوة على ذلك أن يمنع الفاعل من ممارسة جميع الحقوق المشار إليها في المادة 14 من هذا القانون أو بعضها".
"حملة الأيادي النظيفة"
وكانت جريدة "المجاهد" الحكومية أكدت معلومات عن توقيف كل من السعيد بوتفليقة، الجنرال توفيق، والجنرال طرطاق، وعلى الرغم من أنه لم يعلن عن ذلك رسمياً، إلا أن جريدة المجاهد الحكومية تطرقت للقضية، مشيدة بهذه التوقيفات، واعتبرتها "تسريعاً للأمور".
وجاء في افتتاحية الجريدة الحكومية ليوم الأحد السادس من مايو "يبدو أن الأمور تتسارع مع إلقاء القبض على ثلاث شخصيات مهمة في النظام القديم، وهم السعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأيضاً الجنرالان عثمان طرطاق المدعو بشير، ومحمد مدين، المدعو توفيق، والرجال الثلاثة الذين وصفهم المتظاهرون برؤساء العصابة سيمثلون أمام المحكمة العسكرية في البليدة الناحية العسكرية الأولى بعد فترة قصيرة".
وتابعت جريدة "المجاهد" "إذا لم نكن نعرف بالضبط التهم الموجهة لهم، فنعلم أن نشاطهم، وخصوصاً منذ اندلاع الحراك الشعبي جرت إدانته في الرسائل العديدة لرئيس الأركان"، وأضافت "كانوا يخططون ضد الحراك الشعبي وضد الجيش الوطني الشعبي".
وبالنسبة لـ "المجاهد"، فإن هذه الاعتقالات هي "رد من قايد صالح، رئيس أركان الجيش، على الطلب المتزايد من قبل المتظاهرين بتوقيفهم، وأنها تعبر عن التزام المؤسسة العسكرية تجاه الشعب، ولإعطاء دفعة ونقطة دعم قوية لعملية الأيادي النظيفة بقيادة العدالة ضد تبديد الأموال العمومية من قبل مجموعة من رجال الأعمال على صلة وثيقة بالنظام السابق".
الثلاثة أمام المحكمة العسكرية
وقال المحامي أمين سيدهم، الذي تعوّد المرافعة في قضايا أمام القضاء العسكري، أن "مدنية" السعيد بوتفليقة، مستشار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لا تمنع أن يكون الملف من اختصاص المحكمة العسكرية، وتابع "في حال تعلق الأمر بالأمن القومي، أو الخيانة العظمى، حتى وإن كان شخصاً مدنياً، تجري محاسبته على مستوى المحكمة العسكرية".
ثلاثي اعتقل في قضية واسعة
وأفادت مصادر بأن التحقيقات مع الشخصيات الثلاثة توسعت لإطارات عسكرية من الاستخبارات، وأيضاً من مستشارين في رئاسة الجمهورية منهم مسؤول المعلوماتية بالإضافة إلى مستشار آخر، وكانت السلطات قد أوقفت حميد ملزي صاحب النفوذ اللامحدود والمقرب من الجنرال توفيق قبل حوالي أربعة أيام، وملزي مسؤول إداري عن "إقامات الدولة" يشاع أنه كشف معلومات "سرية" و"خطيرة" بمجرد "التحقيق معه" في مركز الاستخبارات بحيدرة في العاصمة.