ما زالت أزمة سدّ النهضة ترخي بثقلها على دول حوض النيل الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، والقضايا الخلافية ما زالت تراوح مكانها منذ انطلاق المفاوضات للتوصل إلى حل يرضي مختلف الأطراف.
ومعلوم أن الولايات المتحدة دخلت على خط الأزمة، سواء من خلال استضافتها المفاوضات في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019، أو من خلال إرسال مبعوثها الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان.
وحتى اللحظة، ما زال التباين في الرؤى سيّد الموقف، منذ إبرام اتفاق المبادئ بين الدول الثلاث.
وثيقة المبادئ
والجدير ذكره أن رؤساء الدول الثلاث وقعوا على وثيقة المبادئ في 23 مارس (آذار) 2015، بالخرطوم، وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، ظهرت بوادر الخلاف بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، وتم الاتفاق بين وزراء الري في الجولة الخامسة من المفاوضات الفنية في أبريل 2015 بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، على اختيار شركتين وليس شركة واحدة، وهما شركة فرنسية وأخرى هولندية لتنفيذ الدراسات الفنية بنسبة 70 في المئة للأولى و30 في المئة للثانية، ولاحقاً انسحبت الشركة الهولندية واختيرت الفرنسية بديلة عنها.
وفي يناير (كانون الثاني) 2016، رفضت إثيوبيا مقترحاً مصرياً بزيادة فتحات المياه تحت جسم سد النهضة (من اثنتين إلى أربع)، مشيرة الى أن الفتحتين المدرجتين تتيحان ما يكفي من المياه لدولتي المصب، مصر والسودان.
وكانت القاهرة قدمت مقترحاً بزيادة فتحات تصريف المياه من خلف سد النهضة من اثنتين إلى أربع، (تصميم سدّ النهضة بأربع فتحات لتوليد الكهرباء على مستوى جسم السدّ، وفتحتين لتمرير المياه تحت جسم السدّ).
رفض المقترح المصري
وفي نوفمبر 2017، وفي اجتماع اللجنة الفنية الثلاثية على المستوى الوزاري، الذي استضافته القاهرة لوزراء الموارد المائية لكل من مصر والسودان وإثيوبيا، لم يتم التوصل لاتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص الذي وضعته "مجموعة الخبرة الفرنسية Artelia and BRL" عن الآثار الهيدروليكية، والاقتصادية، والبيئية المحتملة للسدّ على دولتي المصب، مصر والسودان، فبينما وافقت مصر على التقرير المبدئي، كان موقف كل من السودان وإثيوبيا رفض التقرير، مطالبتين بإدخال تعديلات على التقرير، وأعلنت القاهرة حينها أنها ستتخذ ما يلزم لحفظ حقوقها المائية.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2017، اقترحت مصر على إثيوبيا مشاركة البنك الدولي في أعمال اللجنة الثلاثية، التي تبحث في تأثير إنشاء سد النهضة الإثيوبي على دولتي المصب، مصر والسودان، بما يتمتع به البنك الدولي من خبرات فنية واسعة، تمكنه من تيسير عمل اللجنة الثلاثية.
وفي يناير 2018، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين رفض بلاده المقترح المصري إزاء مشاركة البنك الدولي، وأوضح أن السودان لم يتفاعل كذلك مع المبادرة المصرية ولم يقدم رأياً واضحاً أو ردّ فعل تجاهها.
مفاوضات موسعة
وفي أبريل 2018، انعقدت جولة مفاوضات موسعة بين الدول الثلاث ضمت وزراء المياه والخارجية، ورؤساء أجهزة الاستخبارات، واختلفت فيها المواقف بشأن الأمور الفنية المتعلقة بتخوف دولتي المصب من الآثار المستقبلية لسدّ النهضة.
وفي سبتمبر (أيلول) 2018، اجتماع لوزراء الري للبلدان الثلاثة مع اللجنة الفنية، وتباينت المواقف ما حال دون الوصول إلى نتائج جديدة، وأرجئت المفاوضات إلى وقت لاحق.
وفي سبتمبر 2019، فشلت مفاوضات وزراء ري البلدان الثلاثة في القاهرة، واختلفت المواقف في الوصول إلى اتفاق لـ "عدم تطرق الاجتماع للجوانب الفنية".
تباين وجهات النظر
وفي نوفمبر 2019، أدى فشل المفاوضات في مرحلتها الثانية، لا سيما في ما يتعلق بتخوف دولتي المصب من الآثار السلبية للسدّ، فضلاً عن تباين وجهات النظر حول آليات تشغيل وملء السد، إلى تدخّل الولايات المتحدة واستضافتها الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) في مفاوضات عقدت في واشنطن، بحضور كلّ من وزير الخزانة الأميركي، إلى جانب رئيس البنك الدولي.
وشملت مفاوضات واشنطن أربع جولات وزعت بين العاصمة واشنطن، وعواصم البلدان الثلاثة، بهدف مناقشة الجوانب الفنية والمسائل الخلافية، وانتهت المفاوضات بالتوافق المبدئي على إعداد خريطة طريق، تتضمن ستة بنود أهمها تنظيم ملء السدّ خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد.
اتفاق مقترح
وفي فبراير (شباط) 2020، اختتمت مفاوضات واشنطن بين وزراء الخارجية والري للدول الثلاث إلى جانب ممثلين عن البنك الدولي والولايات المتحدة، وأعلن الجانب الأميركي عن بلورة للاتفاق المقترح بمشاركة البنك الدولي.
واختلفت مواقف الدول الثلاث حول مسودة الحل الأميركي، مصر أيدتها، وإثيوبيا رفضتها، والسودان تحفّظ عليها، ما تسبب مجدداً في فشل مفاوضات وساطة واشنطن، ودخول قضية سدّ النهضة في فترة جمود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أغسطس (آب)، 2020، بقيت المفاوضات تدور حول قضايا عالقة، لا سيما في قواعد ملء البحيرة، وتشغيل وإدارة السدّ، والتخفيف من حدة الجفاف والجفاف الممتد، والطابع الملزم للاتفاق، وآلية فضّ المنازعات المستقبلية، وخلال جولات التفاوض، بدأت إثيوبيا بملء خزان بحيرة السدّ (الملء الأول) ما أدى إلى تعقيد الأزمة، وإلى فرض الولايات المتحدة عقوبات محدودة على أديس أبابا.
وفي سبتمبر، 2020، اقترحت الوساطة الأفريقية أن تضع كل دولة مسودة تحمل وجهة نظرها، لتدمج هذه المسودات الثلاث في مسودة واحدة تتوافق عليها الأطراف كافة، الأمر الذي فشلت فيه الدول الثلاث، ما تسبب مجدداً في فشل المفاوضات.
قواعد إرشادية
وفي حين كان موقف طرفي المصب التوصل لاتفاق قانوني ملزم في قواعد ملء وتشغيل السدّ، تمسكت إثيوبيا بوضع قواعد إرشادية فقط، يمكن تعديلها بشكل منفرد.
وفي فبراير 2021، قالت وزارة الري السودانية في بيان إن الخرطوم نقلت لوفد الخبراء الكونغولي برئاسة بروفيسور نتومبا، الموفد الخاص للرئيس فليكس تشيسكيدي رغبتها في توسيع المفاوضات بين الدول الثلاث لجعلها وساطة رباعية تضم كلاً من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي بإشراف لجنة الاتحاد الأفريقي، ورفضت أديس أبابا الرباعية باعتبارها تدويلاً للقضية متمسكة بالوساطة الأفريقية.
وفي مارس (آذار) 2021، جددت إثيوبيا رسمياً نيتها الشروع في عملية الملء الثاني لبحيرة الخزان في يوليو (تموز) 2021، بحسب تصريحات أدلى بها وزير الري الإثيوبي سيليشي بيكلي.
ورفضت دولتا المصب الموقف الإثيوبي، معتبرتين عملية الملء الثاني تهديداً مباشراً لمصالحهما القومية، وكانت الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للخرطوم في مارس 2021، وتأييده المقترح السوداني برباعية الوساطة بمثابة تأثير مباشر في أرضية التفاوض لتأخذ قضية سدّ النهضة بعداً جديداً.
فشل مفاوضات كينشاسا
وفي أبريل 2021، إعلان فشل مفاوضات كينشاسا حول سد النهضة، إذ رفضت إثيوبيا المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر، بتشكيل الرباعية الدولية بقيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الأفريقي للتوسط، كما رفضت المقترحات بشأن تمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات، من الانخراط فعلياً في المباحثات، والمشاركة في تسيير المفاوضات، وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية.
وفي مايو (أيار) 2021، صدر بيان عن وزارة الخارجية الأميركية، حول نتائج زيارة مبعوثها الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، إلى كل من مصر والسودان وإثيوبيا، شرح ما آلت إليه المناقشات حول النقاط الخلافية ومصالح الدول المعنية، وحثّ على استئناف المفاوضات.
تاريخ لم يتحدد
وتوقفت المفاوضات بين فشل اجتماع كينشاسا، وتوجه إثيوبيا نحو الملء الثاني، ومطالبة طرفي المصب برباعية دولية، وإصرارهما على إبرام اتفاق قانوني ملزم لأديس أبابا، في قضايا ملء وتشغيل السدّ، وعدم شروعها في عملية الملء الثاني إلا ضمن اتفاق، وكذلك غموض في نتائج جهود فيلتمان، وفشل الرئيس الكونغولي في تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع وتحديد تاريخ جديد لاستئناف المفاوضات.