أشيع خبر رحيل المفكّر والمؤرخ التونسي هشام جعيط أكثر من مرة خلال الأيام الأخيرة، التي كان فيها طريح الفراش في بيته في العاصمة، يعاني آثار المرض العضال الذي أصيب به. لكن الموت وافاه اليوم فغاب عن 86 سنة قضى ردحاً يسيراً منها يؤرخ ويدرس التاريخ الإسلامي والحضاري ويؤلف الكتب التي كان لها موقعها المتقدم وأثرها في التاريخ الإسلامي خصوصاً. ونعت وزارة الشؤون الثقافية التونسية المفكر والمؤرخ رسمياً، وأشارت في بيان إلى أن الراحل ترك أعمالاً فكرية وحضارية تمثل "مرجعية للأجيال الحاضرة والمقبلة".
ولد جعيط في تونس العاصمة لعائلة من المثقفين والقضاة ورجال العلم والدولة، وهو حفيد الوزير الأكبر يوسف جعيط وابن أخي العالم والشيخ محمد عبد العزيز جعيط. زاول تعليمه الثانوي في المدرسة الصادقية قبل أن يواصل تعليمه العالي في باريس حيث حصل على شهادة التبريز في التاريخ عام 1962، ثم حصل على شهادة دكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة السوربون عام 1981. عيّن أستاذاً فخرياً في جامعة تونس، ودرّس كأستاذ زائر في جامعات عربية، أوروبية وأميركية منها جامعة كاليفورنيا- بركلي والمعهد العالي- فرنسا وجامعة ماك غيل- مونتريال. تولى رئاسة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" بين العامين 2012 و2015، وهو عضو في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون.
حضور مشرق
وقد أسهم، خلال انصرافه إلى التدريس في الجامعة التونسية منذ عام 1962 في صنع أجيال من الجامعيين التونسيين الذين درسوا الإسلام المبكّر الذي يعد جعيط من مؤسسيه، بل مؤسسه الأساسي الذي وضع لبنته الأولى انطلاقاً من الجهود التأريخية السابقة. ولعل معظم أساتذة الجامعة التونسية في هذا الاختصاص اليوم، هم من تلاميذه أو من تلاميذ تلاميذه. وقد كانت إسهامات التونسيين في هذا الميدان كبيرة ولافتة، لا سيما مع مؤرخين أكاديميين من أمثال عبد المجيد الشرفي وحياة عمامو وسلوى بالحاج صالح وبثينة بن حسين وآمال قرامي وزينب التوجاني وألفة يوسف ورجاء بن سلامة ونادر الحمامي وآمنة الجبلاوي وغيرهم. وكانت أعمال هؤلاء تنويعاً على طروحات الجعيط وتعميقاً للأسئلة التي طرحها في تعاطيه مع النص القرآني وتفكيكه خطاب المستشرقين. ومنحته تونس وسام الجمهورية، ونال العديد من الجوائز منها جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في الدراسات الإنسانية والمستقبلية- الإمارات عام 2007 واختارته المؤسسة العربية للدراسات والنشر "شخصية العام الثقافية" لعام 2016.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أصدر جعيط العديد من المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية ناقش فيها جملة من الإشكاليات المحورية في التاريخ الإسلامي وأهم مكونات الموروث الحضاري. ومن مؤلفاته بالعربية والفرنسية: الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، 1984، الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية 1986، الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر 1992، أزمة الثقافة الإسلامية 2000، تأسيس الغرب الإسلامي 2004، أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة 2007، في السيرة النبوية. 1: الوحي والقرآن والنبوة 1999، في السيرة النبوية. 2: تاريخية الدعوة المحمدية 2006، في السيرة النبوية.3: مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام 2014.
يقول المؤرخ جمال الدين فالح الكيلاني عن كتاب الفتنة: "يدخل "كتاب الفتنة" لهشام جعيط في مجموعة المراجع التاريخية الرئيسة التي لا غنى للباحث عنها، وبرهنت على أن المسلمين ولجوا باب العلم الحديث في استقراء تاريخ الإسلام. لقـد حاول جعيط أن يمارس تاريخاً تفهمياً إلى حد بعيد، وأن يغوص حتى قلب المناخ الذهني والعقلي للعصر، وأن يسعى إلى فهم كيفية تفكير أهله، وما كانت عليه أصنافهم ومقولاتهم وقيمهم. بل إنه حاول- كما أشـار- الكلام بلغتهم. ومن ناحية ثانية، فإنه في الوقت الذي حاول أن يدرك بوضوح كثـرة المعطيات، وأن يحلل البنى، وأن يكتب تاريخاً شمولياً، فهو أراد أيضاً أن يروي، أن يخبر، مكتنهاً من خلال الرواية، هـذه المرحلة الغنية بالرجالات والإحداث، وأن يتوصل في نهاية المطاف إلى أن يعيش مع هؤلاء الناس وهذه الأحداث".