تهجّمت جهات فرنسية معروفة على قائد الأركان الجزائري، قايد صالح، بعد اعتقال سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل والجنرالين السابقين محمد توفيق وبشير طرطاق، معتبرة أنه يحاول من خلال "قطع هذه الرؤوس"، تقديم ضمانات للشارع الذي يتمسك برحيل كل رموز النظام السابق. وأوضحت الجهات الفرنسية أن قائد الأركان يحاول إنقاذ رأسه، مقابل التزام الإعلام الدولي الحياد، ما فتح مجال الحديث عن أسباب اهتمام فرنسا بـ"العصابة" والدفاع عن رؤوسها.
فرنسا في واجهة الغضب
منذ بداية الحراك في 22 فبراير (شباط) الماضي، نالت فرنسا نصيباً من الانتقاد والتهجم من طرف المحتجين الجزائريين من دون غيرها من الدول الكبرى المعروفة بعلاقاتها مع الجزائر. ومنهم من ربط الأمر بالذاكرة التاريخية والماضي الاستعماري الفرنسي للجزائر وما تبعه من جرائم ضد الإنسانية ونهب للثروات، بينما راحت جهات ترجع التصرف لعلاقة فرنسا بمشاكل الجزائريين بسبب أنصارها الذين يتبوؤون مناصب عليا في الجزائر، وهم الذين يعملون لحماية مصالح فرنسا على حساب معاناة الشعب، من خلال منح شركات فرنسية الأولوية في الصفقات والمشاريع.
اهتمام فرنسي سلبي بقائد الأركان
ونظراً إلى الاهتمام الفرنسي بما يحدث بالجزائر، واستهداف إعلامها قائد الأركان قايد صالح، بشكل سلبي، وإصرارها على إظهاره من رموز نظام بوتفليقة، يبقى الرأي الثاني الأقرب إلى الحقيقة. وأشارت صحيفة "لوفيغارو" إلى أن لعبة التوازن الصعبة هي التي تدفع صالح في بعض الأحيان إلى اتخاذ قرارات صعبة، والمفارقة أنها تزيد من حدة ضغط الشارع عليه. واعتبرت أنه من السذاجة الاعتقاد بأن تغيير الأشخاص هو الحل، واستبدالهم بآخرين صادقين وملتزمين سيضمن آمال الحراك. ونفت سابقاً السفارة الفرنسية في الجزائر، أي مشاركة لها في الاجتماع المتعلق بالوضع السائد في الجزائر الذي قيل أنه عقد بنادي الصنوبر، غرب الجزائر العاصمة، رداً على اجتماع "مشبوه" عقده الجنرال محمد مدين، المدعو توفيق، واللواء عثمان طرطاق، المدعو بشير، وسعيد بوتفليقة، ورجال من الاستخبارات الفرنسية، في 26 مارس (اذار) االماضي. وكان الفريق قايد صالح قد صرح بأن هناك اجتماعاً سرياً عقد بين أطراف لم يذكرها بالاسم.
عيون فرنسا في الجزائر
ويعتبر المحلل الأمني عبد الباقي مسعودي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن اعتقال رؤوس العصابة كان منتظراً على الرغم من تأخره بسبب حسابات المؤسسة العسكرية، وإكراهات داخلية وخارجية، كانت تمنعها من المجازفة، خصوصاً في ظل تمتع المجموعة بأذرع قوية في كثير من مؤسسات الدولة، ودعم خارجي من جهة فرنسا بشكل كبير، وربما من دوائر استخباراتية عالمية أخرى. ويوضح مسعودي، أن الاقتراب من رؤوس العصابة احتاج إلى خطوات مدروسة متدرجة، أهمها استهداف قوتهم المالية ممثلة في رجال المال علي حداد، والإخوة كونيناف بالنسبة إلى سعيد بوتفليقة، والبليونير يسعد ربراب، (اللواء عثمان طرطاق، المحسوب بدوره على الفريق توفيق)، مع وضع شخصيات من رموز النظام السابق على مسار الملاحقة القضائية، مثل أويحيى، لوكال، ولد عباس اللواء الهامل وآخرين. وشهدت مؤسسة رئاسة الجمهورية عملية تطهير كبيرة، توسعت لتشمل مسؤولي مؤسسات حساسة مثل الجمارك، وشركة "سوناطراك"، ومؤسسات أخرى ضمن قائمة لا تزال مفتوحة، ويشدد مسعودي أن قرار التوقيف سيحرك فرنسا التي تعلم أن تسليم "العصابة" يعني ضياع آخر مربع للنفوذ الفرنسي في قلب النظام الجزائري.
قيادة الأركان
وتحدث متابعون أن قيادة الاركان حجبت الرؤية عن فرنسا، باستعادتها لمديريتي الأمن الداخلي والخارجي، ما يعني استعادة ملفات كانت بعيدة من سيطرة المؤسسة العسكرية، إلى ضغط على ما بقي من أذرع فرنسا في الجزائر. وما قدّمه الجنرال خالد نزار، خير دليل على تخبط فرنسا وأذرعها، حيث فسرها متابعون بمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، من خلال مقايضة رأس الفريق توفيق، برأس السعيد بوتفليقة، على اعتبار أن الوارث الأصلي لقيادة "حزب فرنسا في الجزائر" بعد رحيل الجنرال العربي بلخير، هو الجنرال محمد مدين المدعو توفيق. ويقول مسعودي، إن استعانة سعيد بوتفليقة، بالجنرال محمد مدين، وبعض الضباط المتقاعدين، مثل خالد نزار وحسين بن حديد، ومحاولة استدراج الرئيس اليمين زروال، ليس من أجل إنقاذ عائلة بوتفليقة، بل إنقاذ الشبكة الأم التي تدين بالولاء إلى الجنرال توفيق، ولم تختف بعد رحيله.
الجنرال توفيق
ويصف الأمين العام لحزب جبهة التحرير السابق، عمار سعداني، الجنرال توفيق، بـ"رأس حربة فريق ضباط فرنسا"، واتهمه بالتخابر لمصلحتها. ويقول إن "ضباط فرنسا بعد أن سد أمامهم باب رئاسة الجمهورية التي يحميها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وفقدوا سيطرتهم على حزب جبهة التحرير، الذي كانوا يستخدمونه كأداة لتزوير الانتخابات، لم يبق لهم سوى إثارة انتباه الشعب الجزائري بروايات مهزلة"، موضحاً أن الجنرال توفيق، تولى زعامة قدماء ضباط الجيش الفرنسين ويعمل على حفظ مصالح دول أجنبية في الجزائر. ويشدد سعداني على أنه يوجد في الجزائر، ضباط ومجاهدو فرنسا ومثقفوها، مضيفاً أنها "خسرت رجالها في الجزائر وعليها أن تخضع لمؤسسات الدولة". ويتهم قائد الأركان قايد صالح، في كلمته بالناحية العسكرية الثانية، غرب البلاد، أطرافاً أجنبية بمحاولة ضرب استقرار البلاد، ملمحاً إلى فرنسا من دون ذكرها.
ويقول إنه "مع انطلاق هذه المرحلة الجديدة واستمرار المسيرات، سجلنا للأسف، ظهور محاولات لبعض الأطراف الأجنبية، انطلاقاً من خلفياتها التاريخية مع بلادنا، دفع بعض الأشخاص إلى واجهة المشهد الحالي وفرضهم كممثلين عن الشعب تحسباً لقيادة المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى ضرب استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، من خلال رفع شعارات تعجيزية ترمي إلى الدفع بالبلاد إلى الفراغ الدستوري وهدم مؤسسات الدولة".