من جديد، عاد المغرب إلى لعب دور الوسيط بين فرقاء النزاع الليبي، لحل عقدة مستجدة في طريق الحل السياسي لأزمتهم، باستضافته رئيسي مجلس النواب والدولة، الشريكين الرئيسين، في محاولة لحل ما تبقى من ملفات على طاولة الحوار، التي حسم أغلبها وبقي أصعبها .
المحاولة المغربية الجديدة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية ترتبط بواحدة من أصعب القضايا الخلافية بينها في الفترة الماضية، وهو ملف تقاسم المناصب السيادية التي طالت المداولات حولها لأشهر عدة من دون التوصل لاتفاق نهائي بشأنها.
تركيز الرباط على ملف المناصب السيادية ليكون محور المباحثات مع عقيلة صالح وخالد المشري، من بين القضايا العالقة بين مجلسيهما، لم يأت عبثاً، بل لأن هذا الملف يصنفه مراقبون بالعقدة الرئيسة التي نتج عنها الانسداد السياسي في المشهد الليبي أخيراً، ويرونها سبباً لتعثر الاستحقاقات الأخرى، مثل إقرار الموازنة العامة والقاعدة القانونية للانتخابات العامة.
لا لقاء في الرباط
وعلى الرغم من نجاح المغرب في دفع الأطراف الليبية للخروج باتفاقات مهمة في كل جولات الحوار السابقة التي استضافها على أرضه، إلا أن مهمته تبدو أصعب هذه المرة، خصوصاً مع تعثر مساعيه لجمع رئيس البرلمان عقيلة صالح ومجلس الدولة خالد المشري على طاولة تفاوض مباشرة، والاكتفاء بلقاءات منفصلة للرجلين مع المسؤولين في الرباط.
وقال رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بعد لقائه عدداً من المسؤولين المغاربة، الجمعة، على رأسهم رئيس البرلمان الحبيب المالكي، ووزير الخارجية ناصر بوريطة، إنه "ليس هناك اجتماع مبرمج له مع خالد المشري، الذي يزور المغرب حالياً، وإنه إذا كان هناك لقاء فسيكون في ليبيا".
وفي شأن ملف المناصب السيادية، الذي جاءا إلى المغرب لحسمه، أشار صالح إلى أن "ملف المناصب السيادية حُسم سابقاً في اجتماعات بوزنيقة، بين اللجنتين المكلفتين من مجلسي النواب والدولة، حين أكدا تكليف لجنة تحت إشراف أممي اختيار المناصب السيادية".
وتابع، في مؤتمر صحافي، أنه "تم الاتفاق في بوزينقة على كيفية اختيار المناصب السيادية ومسؤولية الحسم في هذا الشأن الآن، تقع على عاتق لجنة 13 +13".
وفي تصريح كشف عن الخلافات بين مجلس النواب والدولة على آلية تعيين قادة المناصب السيادية الليبية، قال إن "البرلمان ملتزم مخرجات برلين والصخيرات، فيما الطرف الآخر لم يلتزم ما اتفق عليه"، وأضاف "نحن نلتزم كل ما اتفق عليه، ومطالبنا تتوافق مع ما يطلبه المجتمع الدولي، ومؤتمر برلين الثاني سيدعم ذلك".
واستضافت ضاحية بوزنيقة المغربية، في يناير (كانون الثاني) الماضي اجتماعات بين وفدي مجلسي النواب والدولة، التي انتهت إلى تفاهمات بشأن توحيد المؤسسات وشاغلي المناصب السيادية للدولة، وفق الإطار الذي ينظمه الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات.
الدستور والمرتزقة
وبيّن رئيس البرلمان الليبي أن "بلاده عانت كثيراً خلال المرحلة السابقة من الانقسام وانتشار الميليشيات المسلحة، ويجب الاستجابة لمطالب الليبيين بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة وإقامة الانتخابات في موعدها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول مشروع الدستور الليبي، أوضح أنه "عُرضت مسودة الدستور على مجلس النواب الليبي وهناك رفض كبير لها"، معتبراً أن "الدستور يجب أن يحظى بإجماع وتوافق من قبل الجميع".
ولم يعلق رئيس مجلس الدولة خالد المشري بأي تصريح رسمي، على ما قاله رئيس البرلمان عقيلة صالح في مؤتمره الصحافي في المغرب، الذي يزوره أيضاً حالياً، وعقد خلال زيارته هذه مباحثات مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، تناولت آخر مستجدات الحوار السياسي الليبي، وسبل إنجاح الانتخابات وتنظيمها في موعدها المحدد.
وبين المكتب الإعلامي لمجلس الدولة أن "الجانبين بحثا خلال لقائهما في العاصمة المغربية الرباط، العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وآخر مستجدات الحوار السياسي الليبي بمساراته المختلفة، وسبل إنجاح الانتخابات في موعدها المحدد، بمشاركة عدد من أعضاء المجلس والسفير الليبي في الرباط".
ويُعد الاتفاق على تقاسم المناصب السيادية من أعقد الملفات على طاولة المفاوضات الليبية، كونه يتعلق بمناصب حساسة، لعب التنافس عليها دوراً محورياً في سياق الأزمة الليبية، خلال السنوات الماضية، وخصوصاً منصبي محافظ المصرف المركزي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، اللذان يديران النصيب الأكبر من ثروات الليبية النفطية وعائداتها الضخمة.
تفاؤل مغربي
مع أن الجولة الجديدة من المفاوضات الليبية، في الرباط، لم تحصد النجاح الذي تحقق في الجولات السابقة التي استضافها المغرب، إلا أن المسؤولين المغاربة أكدوا أنها خطوة في طريق بناء التفاهمات حول القضايا الخلافية بين الفرقاء الليبيين، وأبدوا عزمهم في المضي بهذا الطريق حتى نهايته. وقال رئيس مجلس النواب المغربي، الحبيب المالكي، إن "المغرب سيظل رهن إشارة الشعب الليبي الشقيق، وإلى جانبه بخبراته وكفاءاته وإمكاناته، كما سيظل داعماً مواكباً إلى أن تتحقق كامل مخرجات الحوار السياسي الليبي".
وأضاف المالكي، بعد لقائه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أنه "يشعر بالارتياح لتحسن الأوضاع في ليبيا اليوم، وتوجهها نحو الخروج من زمن الأزمة إلى زمن السلام والوحدة الوطنية، ومن التمزق والصراع المسلح إلى بناء المؤسسات".
ويحظى المغرب بثقة الأطراف الليبية كونه طرفاً محايداً، لم يلعب أي دور لدعم أي من هذه الأطراف خلال سنوات الصراع السياسي والعسكري، ما يعزز الآمال في إسهامه بحل الخلافات بينهم، كما فعل في المسار الاقتصادي، بداية العام الحالي.
هذه الثقة التي تحظى بها القيادة المغربية عبر عنها عضو مجلس الدولة عادل كرموس بقوله، إن "المغرب حقق إنجازات كثيرة سابقاً في تقريب وجهات النظر بشأن ملفات عالقة بين البرلمان ومجلس الدولة، وهو يريد استكمال جهوده في هذا الاتجاه".
وأضاف "تم التوصل إلى توافقات مهمة قربت وجهات النظر في السابق في المغرب، وكانت الخارجية المغربية شاهداً على تلك الموافقات، وتمت مصادقتها من الطرفين، والآن الرباط ترى نفسها أنها حققت إنجازاً مهماً في هذا الملف وترغب في أن تكمل هذه المسيرة".
لبس وتوضيح
من جانبه، قال النائب جبريل أوحيدة، عضو مجلس النواب، إن "هناك خلطاً وتفسيراً خاطئاً لما ورد في المؤتمر الصحافي على لسان عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، في المغرب".
وبين أن "صالح لم يقل خلال مؤتمره الصحافي، إن لجنة دولية ستحسم الخلاف حول المناصب السيادية، بل قصد ما تم الاتفاق عليه سابقاً بين لجنتي حوار مجلس النواب والدولة بتنسيق البعثة الأممية في المغرب، حين اتفقوا على تقسيم المناصب السيادية بين الأقاليم الثلاثة، بحيث يتولى مجلس النواب إحالة عدد من الأسماء إلى مجلس الدولة، ليقوم بفرزها، وإحالة ثلاثة مرشحين في كل منصب إلى مجلس النواب لينتخب أحدهم".
وأضاف "هذا ما تم حتى الآن، وتوقف الأمر عند مجلس الدولة، ولم يحل الأسماء الثلاثة عن كل منصب من المناصب الخمسة لمجلس النواب لعقد جلسة لانتخابهم، والأمر ليس كما يتداول الآن أن المناصب السيادية ستتولى اختيارها لجنة بإشراف الأمم المتحدة".