تستضيف قاعة مشربية في القاهرة حتى منتصف هذا الشهر، معرضاً لأعمال الفنان أحمد صبري تحت عنوان "حديقة الممسوخين الترفيهية"، والمعرض هو نتاج تعاون بين الفنانين أحمد صبري ومحمد عبد الكريم، ويتمثل هذا التعاون عبر نص كتبه عبد الكريم على هيئة قصة قصيرة تحمل العنوان الذي تم تبنيه للمعرض "حديقة الممسوخين الترفيهية".
في هذا النص الذي كتبه محمد عبد الكريم، "تُنظم عروض ضخمة لبعض المرضى من المصحات النفسية لمصلحة المؤسسات الحاكمة، ويتضمن جدول العرض الخطوات الآتية، يتقدم المريض إلى ساحة واسعة، ثم يبدأ الأطباء في إثارة غضبه، وذلك بالنظر إلى كونهم متخصصين، مما يؤهلهم بالطبع لمعرفة كل المثيرات التي من شأنها أن تُغضب المريض وتُحفزه للصراخ والبكاء والانهيار، ويستمتع الحضور بتلك العروض ويتعاملون معها كنوع من الترفيه بعد أسبوع شاق من العمل، هؤلاء الحضور ينتمون غالباً إلى عائلات ثرية، بينهم ساسة وقادة جيوش وبعض الجاليات الأجنبية.
مع الوقت تحولت هذه الحديقة الترفيهية إلى مقصد للسائحين من أنحاء العالم كافة، بعد أن ذاع صيتها حتى صارت واحدة من أهم المعالم السياحية في البلاد. وكان على أصحابها التفكير في توسعة نشاطها بزيادة أعداد المرضى الذين يتم استخدامهم في العروض. ولأن الدولة صارت تنظر إلى الحديقة كمورد إقتصادي مهم من مواردها، فقد عملت على تدعيم هذا النشاط والترويج له، فامتلأت الصحف ووسائل الإعلام بحملة قومية تحث المواطنين على تسليم مرضاهم إلى الحديقة ليكونوا جزءاً من هذه العروض الترفيهية "لكون المشروع يحمل هدفاً قومياً بتدعيمه للاقتصاد، الأمر الذي من شأنه أن يُعيد للدولة مكانتها السياسية". ويسترسل النص على هذا النحو في وصف العلاقة بين المؤسسة الترفيهية والدولة، وبينها وبين المرضى تحت تصرفها، فسعادة الجميع ومصلحة الدولة ترتفعان فوق معاناة هؤلاء الأشخاص وآلامهم. وعلى الرغم من قسوة المشهد علينا أن نضحي جميعاً من أجل المصلحة العليا للدولة.
تصور خرافي
نحن هنا أمام تصور خرافي لمجتمع قاس ومنحرف، هو تجسيد لمفهوم المدينة الفاسدة أو الـ "ديستوبيا". تتلاشى هنا المشاعر الإنسانية ليحل محلها مزيج من السلوكيات الشريرة والموغلة في القسوة والعنف. قد لا يبدو ذلك بعيداً من الواقع كثيراً، فربما نجد للأمر انعكاساً ما في مجتمعنا المعاصر هنا أو هناك، ففي أماكن مختلفة من العالم اليوم ثمة أشخاص يُقتلون أو يشردون أو تقيد حريتهم لأسباب لها علاقة بالعرق أو اللون أو الهوية، أو حتى الأفكار والمعتقدات.
كان على الفنان أحمد صبري أن يحول ذلك النص إلى معادل بصري، ليس بمفهوم الصور التوضيحية، ولكن كنص بصري مواز للنص المكتوب. في الأعمال التي يعرضها صبري، ثمة محاولة لاستحضار هذه الأجواء المفزعة والغرائبية التي تتسم بها حديقة الممسوخين الترفيهية، في فضاء تُسيطر عليه الألوان الداكنة في أغلب اللوحات، نتبين أشخاصاً مشوهين، يحملون ملامح طفولية أحياناً. قد تتقارب ملامح هؤلاء الأشخاص مع بعض الشخصيات المؤثرة في واقعنا المعاصر، يمكن أن نجد تشابهاً بين أحدها والرئيس الأميريكي السابق دونالد ترمب مثلاً. تحمل اللوحات كذلك جُملاً مكتوبة بخطوط غير واضحة يمكنك أن تتبين فحواها بمزيد من الجهد، وقد تحمل هذه الجمل المكتوبة بحروف عربية ولاتينية تعريفاً للمشهد. فهنا ثمة "ساحر يقف وسط الغابة" وفي لوحة أخرى هناك "أربعة أشخاص على المسرح يحملون لافتات" وتبدو الكتابة على اللوحات كامتداد للصورة كما النص البصري هو امتداد للنص المكتوب على هيئة قصة قصيرة. هنا مراوحة بين الكتابة والصورة الذهنية التي يخلقها النص بين الكاتب وصاحب اللوحات، علاقة تبادلية يقتبس خلالها المصور وكاتب النص المحتوى بعضهما من بعض. وفي لحظة ما قد يجد المتلقي نفسه خارج إطار هذه العلاقة التبادلية بين النص والصورة، وهنا مصدر للالتباس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يخص البناء البصري واللوني للأعمال، يبدو واضحاً أننا أمام فنان متمكن من أدوات الرسم وبناء الشخصيات وصوغ تفاصيل الأجساد والملامح، غير أن حال التكثيف اللوني التي تُخيم على مجمل المساحة تكاد أن تُفقد العنصر الرئيس في العمل تفرده وحضوره أحياناً، أما النصوص المكتوبة على اللوحات فتبدو منفصلة عن العناصر في محتواها، وهو أمر لا غبار عليه، غير أن توظيفها داخل المساحة بدا من دون سبب أو علة واضحة أحياناً.