تراجعت أسعار النفط، في بداية تعاملاتها الأسبوعية من ذروة عامين، بضغط من نشاط عمليات التصحيح وجني الأرباح مع ارتفاع الأسعار لذروة عامين، بينما يترقب المتعاملون لنتائج المحادثات حول إحياء اتفاق إيران النووي، والتي تنطلق في وقت لاحق هذا الأسبوع في مؤشر على تعزيز إمدادات الخام. وتخلى خام برنت القياسي عن مستوى 72 دولاراً للبرميل الذي بلغه الأسبوع الماضي، فيما هبط الخام الأميركي إلى 70 دولاراً للمرة الأولى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2018. وبحلول الساعة 10.40 بتوقيت غرينتش، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي، تسليم شهر أغسطس (آب) 64 سنتاً أو 0.82 في المئة إلى 71.30 دولار للبرميل. وأنهى الأسبوع الماضي على صعود بـ 4.6 في المئة، بعد أن تجاوز 72 دولاراً خلال التعاملات، وهو أعلى مستوى منذ مايو (أيار) 2019. وهبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسليم شهر يوليو (تموز) 52 سنتاً أو 0.75 في المئة إلى 69.10 دولار، وكانت قد قفزت خمسة في المئة خلال الأسبوع. ويري محللون نفطيون أن الأسعار تأثرت بتوجه بعض المستثمرين نحو بيع عقود نفط فورية وآجلة منذ نهاية الأسبوع الماضي، مع ارتفاع الأسعار لذروة عامين بغية جنى الأرباح.
ضبابية الأسواق
وفي تعليقه قال أنس الحجي، المتخصص في شؤون النفط والطاقة، "الوضع مازال ضبابياً، فرغم انخفاض المخزون العالمي للنفط الخام، إلا أنه ما زال مرتفعاً نسبياً، في وقت يتوقع فيه المحللون زيادة كبيرة في إنتاج دول (أوبك بلس) خلال الشهرين المقبلين، مع زيادة في إنتاج ليبيا وإيران".إلى ذلك قال الأمين العام لـ "أوبك"، محمد باركيندو، إن المنظمة وحلفاءها يتوقعون مزيداً من الانخفاض في مخزونات النفط خلال الأشهر المقبلة، مما يشير إلى نجاح جهود المنتجين لدعم السوق. وأضاف باركيندو خلال مشاركته عبر الإنترنت في قمة نيجيريا الدولية للبترول، "أن مخزونات النفط في دول العالم المتقدمة تراجعت 6.9 مليون برميل في أبريل (نيسان)، أي بانخفاض160 مليون برميل عن الفترة نفسها قبل عام، وهو ما يعد أول إعلان لهذا الرقم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال، "نتوقع أن نرى مزيداً من التراجع في الأشهر المقبلة". وفي أبريل، قررت "أوبك" وحلفاؤها وهو ما يُعرف باسم مجموعة "أوبك+"، إعادة2.1 مليون برميل يومياً للسوق بداية من مايو (أيار) وحتى يوليو (تموز). وتقيد المنتجون بهذا القرار في اجتماع الأسبوع الماضي، مما دفع أسعار الخام للصعود. وقال باركيندو، "استمر رد فعل السوق الإيجابي على القرارات التي اتخذناها، بما في ذلك تعديل مستويات الإنتاج بالزيادة بداية من مايو هذا العام". وأشار إلى أن حملات التطعيم و"التحفيز المالي الضخم" أسهما في التوقعات المتفائلة، ولكنه أضاف أن التباين في إتاحة اللقاح عالمياً ومعدل التضخم المرتفع، واستمرار تفشي "كوفيد-19"، يمثل أخطار مستمرة على الطلب على الخام. وقال إن نسبة التزام "أوبك+" بخفوض الإنتاج المتفق عليها بلغت 114 بالمئة في أبريل.
انهيار الطلب
وخفضت المجموعة الإنتاح بمستوى قياسي بلغ 9.7 مليون برميل يومياً العام الماضي، عقب انهيار الطلب جراء جائحة "كوفيد-19". وبداية من يوليو ستصل خفوض الإنتاج التي ستظل سارية إلى 5.8 مليون برميل يومياً. وذكر باركيندو خلال مناقشة لاحقة في إحدى لجان المؤتمر أن "أوبك" لا تنكر تغير المناخ لكن الاقتصاد العالمي لا يزال يحتاج النفط.
وقال، "نشجع جميع الدول الأعضاء على مواصلة الاستثمار في الطاقة المتجددة، ولكن أيضاً الاستمرار في تلبية الطلب على الهيدروكربون".
عمليات تصحيح
من جهته، قال الأكاديمي في كلية هندسة البترول بجامعة الكويت، ومحلل أسواق النفط العالمية، طلال البذالي، إن تراجع أسعار النفط كان متوقعاً، ويمكن تفسيره أنه ضمن عمليات تصحيح وجني الأرباح، مضيفاً أن الأسعار ارتفعت منذ بداية العام بنسبة 50 في المئة تقريباً. وتوقع البذالي أن تتوقف عمليات التصحيح ثم تبدأ الأسعار في التأسيس لارتفاعات جديدة واختبار مستويات أعلى، وذكر عدداً من المؤشرات التي تؤثر في الأسعار، أبرزها فوائض المخزونات، إلى جانب الطلب العالمي الذي لم يصل بعد للمستوى المطلوب، فعلى رغم كل الخفوض التي نفذتها "أوبك+" هناك قلق من أن المعروض مازال مرتفعاً. وتابع، "كما أن الطلب العالمي لازال يكافح للوصول لمستويات ما قبل الأزمة في ظل مخاوف من موجة ثالثة بإصابات كورونا، وسط تحور الفيروس، مما قد يتسبب في إغلاق الاقتصادات مرة أخرى وتوقف الملاحة والنقل حول العالم".
اتفاق "أوبك+"
وتوقع أن أي خلل في المستقبل باتفاق "أوبك+" قد يؤثر سلباً في الأسعار ويهبط بها نحو مستوى 40 إلى 30 دولاراً للبرميل. ويرى أن تحالف "أوبك+" لازال متماسكاً إلى الآن، وهو ما أعطى إشارة قوية لامتصاص الصدمات وخفض المعروض العالمي، مما سبب تراجعاً طفيفاً في الأسعار مع عمليات جني للأرباح، وسط ترقب لأي متغيرات قد تحدث.
وأشار البذالي إلى هناك حديثاً حول عودة النفط الصخري الأميركي تدريجياً إلى ما كان عليه قبل الأزمة، وقد تم رصد عودة عمليات الحفر في وقت بدأت فيه عمليات الصيانة للآبار المغلقة، وهذا كله يضغط على أسعار النفط العالمي.
أما بالنسبة إلى تأثيرات محادثات فينيا حول الملف النووي الإيراني، فذكر المتخصص في شؤون النفط "أنه إذا انتهت المحادثات إلى رفع الحظر عن صادرات النفط الإيراني فسيسمح ذلك بعودة 2.5 مليون برميل يومياً إلى الأسواق، مما يضع ضغوطاً كبيرة على الأسعار ويؤدي إلى تراجعها.
اتفاق إيران النووي وسوق النفط
إلى ذلك تدخل القوي العالمية والحكومة الإيرانية جولة سادسة من المحادثات يوم 10 يونيو (حزيران) الحالي، في العاصمة النمساوية فيينا، حول إحياء اتفاق إيران النووي ورفع العقوبات الأميركية عن صادرات النفط الإيرانية. وتجري إيران محادثات مع الولايات المتحدة منذ أبريل (نيسان)، وتأمل بأن تؤدي المحادثات إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران التي بدأت قبل ثلاث سنوات. وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أنه في حال نجاح المفاوضات الجارية وخُففت العقوبات الأميركية، ربما يعود ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني الإضافي إلى الأسواق العالمية في وقت قصير نسبياً. فيما يتوقع المحللون أن تزيد إيران إنتاجها بمقدار 500 ألف إلى مليون برميل يومياً بمجرد رفع العقوبات.
ارتفاع الدولار
وارتفع الدولار الأميركي، مما جعل السلع المسعرة بالعملة أقل جاذبية، بينما أشار مؤشر فني إلى اقتراب النفط من منطقة ذروة الشراء. ولا تزال التوقعات إيجابية، حيث قالت مجموعة فيتول، وهي أكبر تاجر مستقل للنفط في العالم، إن "أوبك+" تبدو مسيطرة على أسعار النفط الخام. وفي الوقت نفسه، حذرت شركة النفط الروسية العملاقة المملوكة للدولة "روسنفت"، من نقص وشيك في الإمدادات، إذ يوجه المنتجون العالميون الأموال على نحو متزايد إلى تحول سريع نحو الطاقة البديلة. وأدى الانتعاش القوي من فيروس كورونا في الولايات المتحدة والصين وأوروبا إلى ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 40 في المئة هذا العام، على الرغم من أن عودة تفشي الفيروس في آسيا، هي تذكير بأن التعافي سيكون غير منتظم. وقال رئيس قسم آسيا في شركة فيتول، مايك مولر، على هامش مؤتمر أمس الأحد، إن تراجع عمليات الحفر والإنتاج في الولايات المتحدة يجعل مهمة "أوبك+" في إدارة الأسواق أسهل.
الإمدادات الإيرانية
وأضاف مولر، أنه بالنظر إلى التأخير في المحادثات بين طهران والقوى العالمية بشأن إحياء الاتفاق النووي، فمن غير المرجح وصول مزيد من إمدادات الخام الإيراني إلى السوق قبل الربع الرابع، وفقا لوكالة "بلومبيرغ". وقال دانيال هاينز، كبير المحللين الاستراتيجيين للسلع في مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية المحدودة، "لا يزال التركيز على الطلب، إذ تشير بيانات حركة المرور إلى أن موسم الذروة الصيفي يجب أن يكون إيجابياً".