بدأ قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، اليوم الجمعة، قمتهم في كورنوال التي تستمر ثلاثة أيام، مع عزم على تأكيد وحدتهم في مواجهة الأزمات العالمية، لا سيما المناخ والوباء والتركيز على توزيع مليار جرعة لقاح ضد كورونا.
وبسبب قيود الوباء، تبادل الزعماء التحية بالمرفق، والتزموا التباعد الجسدي خلال التقاط الصورة الجماعية على شاطئ كاربيس باي في كورنوال. ويسمح هذا اللقاء الحضوري الأول منذ نحو عامين، بعودة اجتماعات العمل للمضي قدماً في زمن الأزمة.
دروس الوباء
وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، "هذا اجتماع يجب عقده، لأننا بحاجة للتأكد من أننا نستخلص دروساً من الوباء، وأن لا نكرر بعض الأخطاء". وأشاد بهذه "الفرصة الاستثنائية" للقوى الكبرى "لاستخلاص دروس من الوباء" و"إعادة البناء بشكل أفضل" بطريقة "أكثر احتراماً للبيئة" و"أكثر عدالة".
من جانبه، اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن القمة تعكس "عودة" الولايات المتحدة إلى الساحة الدولية، بعد سنوات من الانعزال في عهد سلفه دونالد ترمب.
وقال بايدن، على "تويتر"، "أتطلع إلى تعزيز التزامنا بالتعددية والعمل مع حلفائنا وشركائنا لبناء اقتصاد عالمي أكثر عدلاً وشمولية، لنبدأ العمل".
ويسعى الرئيس الأميركي إلى تشكيل جبهة موحدة بين شركاء بلاده ضد روسيا والصين التي انتقدت الرغبة الأميركية في تشكيل "تكتّلات".
وقال مصدر مطلع على مناقشات مجموعة السبع لـ"رويترز" إن المجتمعين توافقوا إلى حد كبير بشأن الحاجة إلى مواصلة دعم اقتصاداتهم من خلال التحفيز المالي.
وقال المصدر إن القادة يرون أنه يجب أن تكون هناك سياسات طويلة الأجل لضمان متانة المالية العامة في المستقبل، فيما كان الرأي حيال التضخم هو أن الارتفاع الأخير بعد الخروج من إجراءات الإغلاق في العديد من البلدان سيكون مؤقتاً.
ومع تكاثر الدعوات إلى التضامن على هذا الصعيد، يتوقع أن يتفق قادة الدول على توفير "ما لا يقل عن مليار جرعة"، وزيادة قدرات الإنتاج مع هدف يقوم على "القضاء على الجائحة في 2022" على ما أفادت رئاسة الحكومة البريطانية.
ووعدت الولايات المتحدة بتوفير نصف مليار جرعة، بينما التزمت بريطانيا بمئة مليون أخرى عبر آلية "كوفاكس" العالمية لتشارك اللقاحات.
غير أن المنظمات غير الحكومية تعتبر ذلك غير كاف. وقالت منظمة "أوكسفام" إن 11 مليار جرعة على الأقل ستكون ضرورية لاستئصال الوباء، الذي تسبب بوفاة 3.7 مليون شخص في العالم. وهي تدعو إلى تعليق براءات الاختراع للسماح بإنتاج كبير. وتؤيد واشنطن وباريس ذلك فيما تعارضه ألمانيا بقوة.
ثورة صناعية خضراء
وستكون مكافحة الاحترار المناخي أولوية أخرى في القمة التي تسعى للتوصل إلى الحياد الكربوني قبل مؤتمر الأمم المتحدة الرئيس حول المناخ (مؤتمر الأطراف السادس والعشرون) المقرر في نوفمبر (تشرين الثاني) في اسكتلندا.
ويطمح بوريس جونسون إلى "ثورة صناعية خضراء" مع هدف خفض نصف انبعاثات الغازات ذات مفعول الدفيئة بحلول 2030.
وللحفاظ على التعددية الحيوية، يرغب في أن تتعهد مجموعة السبع حماية "30 في المئة على الأقل" من الأراضي والمحيطات بحلول ذلك التاريخ.
ويرتقب أن تشجع مجموعة السبع الاستثمارات في البنى التحتية المراعية للبيئة في الدول النامية لتحفيز اقتصادها وجعله خالياً من الكربون.
تحديات الصين وروسيا
وثمة موضوع آخر ملح على جدول أعمال القمة، هو التحدي الذي تمثله الصين وروسيا. وأفاد مصدر في الرئاسة الفرنسية أن "التوجه الأوروبي في هذا الصدد واضح: الصين غريم، وشريك في القضايا العالمية، ومنافس. وينوي الأوروبيون مواصلة تنفيذ هذه الاستراتيجية المشتركة، وستتاح لهم الفرصة لمناقشتها مع الرئيس بايدن في قمة مجموعة السبع".
وقبل القمة، اعتمد بوريس جونسون وجو بايدن موقفاً موحداً بشأن ضرورة التحرك على صعيد المناخ مع إقرار "ميثاق الأطلسي" الجديد الذي يشدد أيضاً على ضرورة مواجهة الهجمات الإلكترونية.
وفيما تتفق بروكسل ولندن على الملفات الدولية الرئيسة، مثل التحديات التي تشكلها الصين وروسيا، وستطرح خلال قمة مجموعة السبع، لا يزال التشنج قائماً بشأن إيرلندا الشمالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين امتنع جو بايدن ذو الأصول الإيرلندية عن أي انتقاد علني، ينوي القادة الأوروبيون تذكير بوريس جونسون بتمسكهم باتفاقات بريكست الموقعة التي تريد لندن إعادة النظر فيها في مواجهة الغضب في هذه المقاطعة البريطانية.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حذر الحكومة البريطانية، الخميس، من أن الاتفاقات الموقعة "ليست قابلة لإعادة التفاوض"، فقد رد عليه وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، الجمعة، قائلاً إن "وحدة أراضي المملكة المتحدة" غير قابلة للتفاوض.
وقال وزير الخارجية البريطاني لشبكة "سكاي نيوز"، "نحن لا نفاوض أو نساوم على وحدة أراضي المملكة المتحدة وسلامتها، سواء كانت إقليمية أو دستورية أو تعلقت بالوحدة والسلامة الاقتصادية للمملكة المتحدة"، مؤكداً أن "هذا ليس مطروحاً على الطاولة وغير قابل للتفاوض".
وتطالب لندن الاتحاد الأوروبي بمرونة أكبر في تطبيق إجراءات جمركية جديدة في إيرلندا الشمالية، تشكل مصدر توتر في المقاطعة البريطانية.
وتم التفاوض على هذه الإجراءات في إطار اتفاق "بريكست" الذي وقعته حكومة جونسون في 2019، لكنه تسبب بتوتر كبير في المقاطعة البريطانية وباضطراب التجارة مع جزيرة بريطانيا، وأثارت غضب الوحدويين الموالين للتاج البريطاني.
الكرة في ملعب الاتحاد الأوروبي
وكان ماكرون صرح، الخميس، أن لندن ليست "جدية" في مراجعة الاتفاقات التي وقعت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقال قبل أن يتوجه إلى كورنوال لحضور قمة مجموعة السبع، "ليس هناك أي شيء لا يمكن إعادة التفاوض بشأنه".
وقال دومينيك راب، "أعتقد أن الكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي". وأضاف، "نتفهم ما قاله الفرنسيون، وهذا يجب أن يدفع العقول في المفوضية في بروكسل إلى تبني نهج أكثر براغماتية ومرونة".
وهذه المسألة طرحت في اللقاء الأول، الخميس، بين بايدن المتمسك بجذوره الإيرلندية وجونسون. وينوي قادة دول الاتحاد الأوروبي إثارة القضية، السبت، خلال اجتماع مع جونسون على هامش قمة مجموعة السبع في إنجلترا.
وفي مقابلة مع شبكة "بي بي سي"، أكد رئيس الوزراء المحافظ، أن جو بايدن لم يشر إلى استياء من جانب واشنطن من محاولات لندن مراجعة "بروتوكول إيرلندا الشمالية"، نافياً بذلك معلومات عن خلاف خلال المحادثات التي استمرت 90 دقيقة.
وقال جونسون، إنه من لندن إلى الاتحاد الأوروبي وواشنطن "للجميع مصلحة كبيرة في ضمان الحفاظ على التوازن الأساسي لاتفاقية الجمعة العظيمة" التي أنهت في عام 1998 ثلاثة عقود من نزاع دموي بين الوحدويين الموالين لبريطانيا، والجمهوريين المؤيدين لإعادة توحيد الجزيرة الإيرلندية.
مظاهرة بيئية
وكانت مجموعة من الناشطين البيئيين استبقت أعمال قمة السبع، بالتظاهر في محيط مكان القمة للاحتجاج على السياسات التي تعتمدها في مجال المناخ.
ويحتج أعضاء المجموعة للفت الانتباه إلى الخطر الذي يتهدد البحار والحياة البرية من تغير المناخ، ويدعون إلى "أفعال لا أقوال" من قمة مجموعة السبع هذا الأسبوع.
جاء ذلك في الوقت الذي اقترح فيه بوريس جونسون، أن الاتحاد الأوروبي يتخذ نهجاً "مرهقاً للغاية" لترتيبات التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لإيرلندا الشمالية، لكنه أصر على أنه لا يحاول التراجع عن الاتفاق".
وقال رئيس الوزراء البريطاني، بعد أن أشارت تقارير إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن يشعر بالقلق إزاء الوضع، كان لا بد من احترام "السوق الداخلية" البريطانية، و"نحتاج إلى إنجاحها فحسب".
وقد هدد الاتحاد الأوروبي بشن حرب تجارية ضد المملكة المتحدة، إذا فشل في تنفيذ عمليات الفحص على البضائع التي تدخل إيرلندا الشمالية، بموجب شروط تسوية "الطلاق" في شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي وقعها جونسون.
سجال اللقاحات
وفي شأن اللقاحات، قال راب، الجمعة، إن بعض الدول تستخدم بلا شك اللقاحات أداة دبلوماسية لتأمين نفوذها، وإن بريطانيا لا تؤيد ما يسمى "دبلوماسية اللقاحات".
ورداً على سؤال عما إذا كان يشعر بالقلق تجاه احتمال أن تستخدم الصين وروسيا اللقاحات في مقابل تعزيز نفوذهما في أجزاء من العالم، قال راب في مقابلة مع "رويترز"، "ما من شك في أن أمراً من هذا القبيل يحدث، ونحن لا ندعم دبلوماسية اللقاحات، ناهيك عن الابتزاز".
وقال في كلمة على هامش قمة مجموعة السبع في كورنوال في إنجلترا، "نعتقد أن لدينا مهمة أخلاقية، لكن أمامنا أيضاً فائدة راسخة قوية في أن يتلقى الناس على مستوى العالم التطعيم".
وتابع، "نعتقد أن من المسؤولية الترويج للقاحات التي أجازت منظمة الصحة العالمية توزيعها".
وأضاف، "لكن هذا عمل جماعي، ونريد من دول مثل الصين وروسيا أن تتعاون في معالجة المشكلات الناجمة من الجائحة، إلى جانب قضايا تغير المناخ، وكذلك احترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي".
ويتوقع جونسون أن توافق مجموعة السبع خلال قمتها على التبرع بلقاحات واقية من "كوفيد-19" بقيمة مليار دولار للدول الأفقر، والمساعدة في تطعيم سكان العالم بحلول نهاية العام المقبل. وتعهدت الولايات المتحدة بالتبرع بجرعات قيمتها 500 مليون دولار من دون شروط.
وقال راب، إن إسهام بريطانيا سيكون من دون شروط أيضاً، وستقوم المبادرة العالمية للقاحات "كوفاكس" بتوزيع 80 في المئة على الأقل منها.
وأضاف أن الكمية الباقية ستتجه "لدول استراتيجية قريبة تربطنا بها علاقات خاصة، ونحن لا نصر على فرض شروط".
الملكة إليزابيث تلتقي بايدن
استقبلت الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا عدداً من زعماء مجموعة السبع الصناعية، الجمعة، في مراسم حضرها عدد من أبرز أعضاء العائلة المالكة في مقدمتهم ابنها وولي العهد الأمير تشارلز وزوجته كاميلا وحفيدها وليام وزوجته كيت.
كان الاجتماع أول مناسبة عامة لأفراد العائلة منذ جنازة الأمير فيليب زوج الملكة في أبريل (نيسان).
والتقت الملكة خلال حفل الاستقبال مع بايدن، وذلك للمرة الأولى منذ توليه السلطة ليصبح الرئيس الأميركي رقم 13 الذي تلتقي به ملكة بريطانيا منذ اعتلائها العرش قبل 69 عاماً.