على الرغم من احتفاظه عقوداً طويلة، بجاذبية قوية بين القطاعات الاستثمارية، باعتباره أحد أهم الملاذات الآمنة للمستثمرين في وقت الأزمات، لكن تشير المعطيات القائمة سواء على صعيد خسائر الدولار أو استمرار الاتجاه نحو العملات الرقمية المشفرة التي اكتسبت زخماً قوياً منذ بداية جائحة كورونا، إلى أن الذهب يتجه إلى فقدان بريقه، كما تتآكل حصة الدولار الأميركي في احتياطيات البنوك المركزية العالمية.
وخلال تعاملات الأسبوع الأخير، تراجعت العقود الآجلة للذهب في الأسواق العالمية 0.9 في المئة عند تسوية تعاملات أمس الجمعة، لتفقد 16.80 دولار، وتسجل 1879.6 دولار للأوقية. وسجلت عقود المعدن الأصفر تسليم أغسطس (آب) المقبل، أدنى مستوى خلال أسبوع، مع ارتفاع الدولار أمام العملات الرئيسة في الأسواق العالمية.
ونالت العقود الآجلة للذهب خسائر أسبوعية بنحو 0.7 في المئة، وسجل سعر المعدن الأصفر للتسليم الفوري تراجعاً 1.2 في المئة، ليفقد 22.25 دولار، عند مستوى 1876.26 دولار للأوقية.
وفي الأفق، تبدو السوق العالمية في حالة ترقب لسوق العملات الرقمية المشفرة التي تمكنت من اكتساب مزيد من الزخم منذ بداية ظهور جائحة كورونا، وتحقيق ارتفاعات قياسية خلال الفترة الماضية، ما دفع العملة الأكثر قوة وانتشاراً في سوق العملات المشفرة "بيتكوين" إلى ملامسة مستوى 65 ألف دولار خلال تعاملات مارس (آذار) الماضي، وهو ما يخصم من رصيد الذهب والدولار في سوق الأصول والملاذات الآمنة.
ضغوط قوية على الذهب والدولار
يأتي أداء المعدن الأصفر بضغط من ارتفاع الدولار أمام العملات الرئيسة، في ظل مراهنة المستثمرين على بقاء أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة في أوروبا وبريطانيا، وترقب اجتماعات السياسة النقدية سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو على مستوى البنوك المركزية في أوروبا.
وتراجع اليورو أمام الدولار 0.5 في المئة، ليسجل 1.2108 دولار، بينما ارتفعت الورقة الخضراء أمام الين الياباني 0.3 في المئة، عند مستوى 109.680 ين. وهبط الجنيه الاسترليني 0.4 في المئة أمام الدولار، مسجلاً 1.4114 دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سوق العملات المشفرة، وعلى الرغم من موجة الهجوم التي تعرضت لها السوق خلال الأسبوع الماضي، سواء من قِبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي وصف الاستثمار في العملات الرقمية المشفرة بأنه مجرد "نصب واحتيال"، أو من قِبل الصين التي بدأت حملة جديدة من التضييق على التداول في العملات المشفرة، فقد استقر سعر "بيتكوين" عند مستوى 35443 دولاراً، فيما استقرت عملة "إيثريوم" عند مستوى 2314 دولاراً في تعاملات اليوم السبت.
وترى مديرة التداول في شركة "تيم" لتداول الأوراق المالية، أماني عبد المطلب، أن الفترة المقبلة ليست للذهب الذي احتفظ بصدارة قائمة الأصول والملاذات الآمنة فترات طويلة، بخاصة مع موجة الخسائر الأخيرة التي زادت مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، وعودته إلى التعافي مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة التي لم تتطرق إلى محاولات إضعاف الدولار، لتعزيز الصادرات الأميركية مثلما كان يفعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
وأوضحت في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، أن سوق العملات المشفرة اكتسبت زخماً قوياً منذ ظهور جائحة كورونا، بخاصة بعد المكاسب التي حققتها عملة "بيتكوين" منذ ظهور الجائحة وارتفاع سعر العملة إلى مستوى تاريخي عند 65 ألف دولار خلال مارس (آذار) الماضي، إضافة إلى اتجاه عدة دول وشركات كبرى إلى الاعتراف بالعملات المشفرة واعتمادها كوسيلة دفع، وهو ما يدفع باتجاه فقدان الذهب عرش الملاذات والأصول الآمنة.
هل سيخرج الدولار من المسرح العالمي؟
كان تقرير حديث لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، قد أشار إلى تصاعد الحديث عن اقتراب نهاية هيمنة الدولار الأميركي كعملة الاحتياطيات النقدية الأولى عالمياً. وطوال الـ 40 عاماً الماضية على الأقل لم تتوقف التكهنات بأن الدولار سوف يخرج من المسرح العالمي قريباً، لكن هناك مؤشرات جديدة على أنها قد تكون حقيقة الآن.
وفق الصحيفة، فمن بين هذه المؤشرات تحذير من مدير إحدى الصناديق والملياردير الأميركي، ستانلي دروكنميلر، الذي صدقت توقعاته بترك الجنيه الاسترليني آلية الصرف الأوروبية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من أن هناك طلباً زائداً على الدولار يتصادف مع ضعفه وارتفاع التضخم.
وتضاعف خطر تراجع الدولار الأميركي بسبب تداعيات الجائحة، لكن العلامات الأولية ظهرت قبل الجائحة. فعلى سبيل المثال، بدأت البنوك المركزية تعتمد بشكل أقل على الدولار كعملة أجنبية لها، وقال استطلاع لصندوق النقد الدولي، إن الدولار يمثل حالياً أقل حصة من احتياطيات البنوك المركزية منذ 25 عاماً.
ويبدو هذا التراجع منطقياً عندما نأخذ في الاعتبار أن الدولار الأميركي كان العملة الأجنبية الأكثر سيادة في العالم، عندما كانت الولايات المتحدة هي أهم منتج صناعي في العالم. الآن، لا تحظى الولايات المتحدة بنصيب الأسد من الإنتاج الصناعي العالمي، ما يجعل من المنطقي أن يبتعد الدولار عن مقعد قيادة عملات الاحتياطيات العالمية.
هيمنة الدولار الأميركي تتراجع
وأشارت الصحيفة إلى أنه بشكل عام، فإن هيمنة الدولار الأميركي تتراجع بلا شك. لكن لا تزال هناك مخاطر يمكن أن تزيد من التراجع، مثل سوء الإدارة الاقتصادية والمالية والسيولة غير الكافية في سوق السندات الحكومية الأميركية، وهو ما قد يقوض مكانة الدولار الأميركي كملاذ آمن للاستثمار.
ومن المخاطر أيضاً صعود سياسات كالتي رأيناها من الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي أحدث فوضى في النظام السياسي الأميركي، وكشف عن "نقاط ضعف غير متوقعة"، حيث كان دائم الحديث عن ضرورة إضعاف الدولار لتشجيع الصادرات الأميركية إلى دول أوروبا.
وفق التقرير، يعتقد البعض، وبينهم كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث، أن العملات التقليدية مثل اليورو والرنمينبي الصيني يمكن أن تتفوق على الدولار من خلال بعض "التطوير التقليدي للمؤسسات لتحسين بنية منطقة اليورو ومرونتها، ومؤسسات محلية أقوى، ومزيد من تحرير الأسواق في الصين".
بينما يتوقع البعض الآخر أن تكون خليفة الدولار الأميركي عملة ذات هيمنة اصطناعية "تصدر من خلال شبكة من العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية". لكن هذه ليست فرضية جديدة، فهناك حديث منذ سنوات أن العملات الرقمية يمكن أن تنقض على مكانة الدولار كعملة للاحتياطيات العالمية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها أسرع وأرخص من العملات التقليدية.
وقال محافظو البنوك المركزية، وبينهم محافظ بنك إنجلترا السابق مارك كارني، إن العملات الرقمية للبنوك المركزية، وهي رمز أو أداة رقمية يمكن استخدامها للمدفوعات أو الأصول المستقرة، وهي جزء من العرض النقدي الذي يسيطر عليه البنك المركزي، لا يمكن فقط، بل يجب أن تحل محل الدولار كعملة للاحتياطيات في العالم.