سوف يلتقي جو بايدن وفلاديمير بوتين على ضفاف بحيرة جنيف، الأربعاء المقبل، في إطار أول اجتماع قمة رئاسي، يُتوقع أن يكون محرجاً بعد سنوات من العلاقات الثنائية الرهيبة والعقوبات والادعاءات المتبادلة بالتدخل في الشؤون الداخلية.
لكن قياساً على المعايير المتدنية في الآونة الأخيرة، اتسمت عشية القمة بمودة نسبية بين وزيري الخارجية سيرغي لافروف وأنتوني بلينكن خلال اجتماع تحضيري في إيسلندا.
من المتوقع، على سبيل المثل، ألا يردد الرئيس بايدن وصفه لبوتين، ضابط الاستخبارات الروسية "كي جي بي" السابق، بـ"القاتل" عندما يلتقيه وجهاً لوجه. ومن المُفترض كذلك ألا يتمنى الرئيس بوتين لبايدن "تمام الصحة" بالمقابل، في إشارة شبه مغلفة إلى المزاعم الدعائية القائلة بأن الأميركي البالغ من العمر 78 عاماً مُصاب بالخرف.
لكن لا شيء مؤكد ما بعد ذلك.
صدرت الدعوة لعقد هذا اللقاء من واشنطن، وهو ما يعني أن الرهانات أعلى كما يبدو بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة لا سيما نظراً لاستعداد الكرملين لسحق الانتقادات من الداخل.
لكن بوتين لا يُعرف بخطواته الشكلية، ويبدو أن موافقته بالمشاركة دليل على اعتقاده بأن تجديد التواصل أمر جيد. في العادة، يجب أن يشكل ذلك وقاية من الخروج بنتيجة كارثية.
هناك نقاط ضغط واضحة. لا تثق الولايات المتحدة بالنوايا الروسية إزاء الجيل الجديد من الأسلحة النووية الذي طورته. وفي المقابل، يساور روسيا القلق نفسه تجاه القدرات الأميركية في مجال الأسلحة التقليدية.
لاحقت اتهامات روسيا بالقرصنة الإلكترونية والتدخل في رئاسة بايدن منذ البداية. ومن جهته، يتهم الكرملين البيت الأبيض بتمويل التمرد على بوتين. وفي هذه الأثناء، ما زال عدة مواطنين أميركيين- أبرزهم بول ويلان الذي يقضي حكماً بالسجن لمدة 16 عاماً بعد إدانته المثيرة للجدل بالتجسس- يقبعون في السجون الروسية، وهم على ما يبدو رهائن فيما تحاول موسكو تحرير معتقليها في السجون الأميركية.
وتُضاف إلى ذلك المعاملة التي لقيها زعيم المعارضة أليكسي نافالني كما سَجنه، وموضوع العقوبات المزعج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصلت العلاقات بين الطرفين إلى درجة من التوتر جعلتها أشبه بمسيرة الحرب، كما يقول أندريه كورتونوف، رئيس مجلس العلاقات الروسية الدولية، معهد الأبحاث الذي يُعتبر مقرباً من الكرملين.
لا يُعرف عن كورتونوف أنه رجل يلجأ إلى المبالغات، وهو واحد من أكثر من عشرة خبراء روسيين وأجانب وقعوا رسالة مفتوحة عشية القمة، محذرين من احتمال اندلاع نزاع كبير.
وتحث الرسالة الرئيسين على عدم تكرار "الأخطاء" التي ارتكبت عشية الحرب العالمية الأولى. ويعتقد الموقعون أن اشتعال النزاع الأوكراني الذي استمر سبع سنوات قد يكون شعلة نزاع محتمل شأن اغتيال فرانز فرديناند في سراييفو في عام 1914 [الذي انتهى إلى الحرب العالمية الأولى].
ويقول كورتونوف لـ"اندبندنت" إنه يرى أن وقوع عدد من الأخطاء الفادحة في الحسابات الأوكرانية محتمل. ويشير إلى أن كييف قد تُخطئ في تفسير مستوى الدعم الذي تتمتع به في الغرب و"تبدأ بشن عملية عدائية"- كما فعل الزعيم الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي عشية الحرب في عام 2008.
وقد تعتقد موسكو في هذه الأثناء، أنه من الآمن إعادة تصعيد النزاع، لاعتقادها بأن الغرب سيبدي مجدداً رد الفعل المعتدل الذي بدر عنه في 2014-2015.
ويقول كورتونوف "الفارق هذه المرة هو أن الطرفين مدججان بالسلاح، وقد تكون النتائج بائسة".
نظراً لشدة الخلاف حول أوكرانيا، من غير المرجح أن يشكل البلد ركيزة أساسية في المباحثات. ويرجح كذلك أن تُدرج المشاكل في بيلاروس المجاورة، فيما تحتضن روسيا نظام الرئيس لوكاشينكو القميء أكثر فأكثر، في خانة "الصعب للغاية".
ويوضع تبادل السجناء في الخانة نفسها. ويقول شقيق بول ويلان التوأم، ديفيد، لـ"اندبندنت" إن عائلته تأمل حصول الأفضل، لكنها لا تعتبر جنيف أكثر من الخطوة الأولى "في مسار طويل".
ويرى ستيفن بايفر، الموظف المخضرم في وزارة الخارجية الذي خدم خلال إدارتي كلينتون وبوش أن الجانب الأميركي قد يقسم القضايا إلى ثلاث فئات على الأرجح.
وتشمل الفئة الأولى كما يقول، القضايا التي يختلف الطرفان عليها بشدة، والتي يتعذر عليهما التوصل إلى أي اتفاق أولي حولها، مثل أوكرانيا وبيلاروس. وتشمل الثانية الخطوط الحمراء بالنسبة للولايات المتحدة.
ويطرح السفير السابق احتمال أن "تُوجه إلى بوتين تحذيرات واضحة لكي يكف الهجمات السيبرانية والتدخل في الشؤون الداخلية الأميركية- أو يتحمل عواقب تصرفاته".
أما الفئة الثالثة من القضايا، فتشمل تلك التي يُتوقع أن تشكل الجزء الأساسي من جدول أعمال جنيف.
ويُرجح أن يشكل الحد من التسلح نقطة التركيز الرئيسة. وقد أظهر جو بايدن، وهو السياسي المتمرس من فترة الانفراج في الحرب الباردة، استعداداً واضحاً للتفاعل مع موسكو في هذا الموضوع.
وكانت من أولى المهام التي اضطلع بها عند تنصيبه، مثلاً، الاتفاق على تمديد قصير الأمد للمعاهدة الثانية للحد من [ترسانة] الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (START II). وبالتالي، من المرجح أن يتفق الطرفان على إجراء مباحثات حول الاتفاق الذي سيخلف الميثاق، والدفاع الصاروخي، والأمن السيبراني والقدرة على توجيه ضربات تقليدية، كما يقول بايفر. لن يُعتبر هذه تناول هذه المسائل مفاوضات بكل معنى الكلمة- إذ بداية، لم يعين بايدن بعد فريقاً مكلفاً بموضوع الحد من انتشار الأسلحة.
وعلمت "اندبندنت" أن موسكو وواشنطن تعملان بالفعل على وضع الخطوط العريضة لبيانٍ لكي يناقشه الزعيمان. وتُعد مشاريع القرارات متواضعة إجمالاً، وتركز على تحسين العلاقات المجمدة، ورفع القيود على العمل القنصلي، والسماح بعودة السفراء- وقد جرى استدعاؤهما إلى عاصمتي كل من بلديهما لفترة من "المشاورات" التي استمرت أشهراً- والاتفاق على مناقشة القضايا الأمنية، بما فيها أفغانستان والاستقرار الاستراتيجي.
وتقول المراقبة القديمة للشأن الأميركي- الروسي، ماريا لبمان، إن الولايات المتحدة، على ما يبدو، تدخل القمة بـ"رصانة" و"واقعية"، وهي تدرك ما يمكنها إنجازه وما لا يمكنها إنجازه. وتضيف أن حديث الشخصين اللذين يمسكان بمقاليد أكبر ترسانتين نوويتين في العالم حول الاستقرار النووي أمر مهم للغاية.
لكن بعض أعضاء المعارضة الروسية المُحاصرة عبروا عن خوفهم من أن البراغماتية الأميركية تقضي بالتضحية بهم في سبيل المصلحة الجيوسياسية. ويرى ليونيد غوزمان، السياسي المعارض القديم، أن بوتين لن يتوقف عن التدخل في السياسة الأميركية إن لم يُعرض عليه شيء في المقابل. قد تكون الجزرة رفع العقوبات والتوقف عن دعم المسيرة الديمقراطية في روسيا، كما يشير قائلاً:
"لا يستطيع بايدن أن يسلمه أوروبا لأن ذلك يعود للناتو. ولا يستطيع أن يعطيه أوكرانيا لأنها مشروعه الخاص. ولا يتبقى سوى بيلاروس وروسيا. سيكون منطقياً جداً، ويصب في مصلحة الولايات المتحدة الوطنية، أن يلتزم و[الأميركيون] في السر بإعطاء بوتين حرية التصرف في هذا الجزء من العالم".
وفي المقابل، أشاد معلقون آخرون بفكرة انعقاد اجتماع واحتمال إصدار بيان معتبرين ذلك انفراجاً أشبه بقمة ريكيافيك في عام 1986 التي جمعت بين ميخائيل غورباتشوف ورونالد ريغان. وقد اعتُبر ذلك الاجتماع، المنعقد إلى حد كبير بدافع من القناعات المثالية للزعيمين، في وقت لاحق بداية نهاية حرب التسلح خلال الحرب الباردة.
ويقول بافيل بالاشينكو، الذي حضر أكثر المراحل الحاسمة خلال المفاوضات في تلك الحقبة بصفته المترجم الخاص لغورباتشوف، إن أوجه الشبه أكبر [بين اجتماع الأربعاء المرتقب] والاجتماع الأولي الذي عُقد قبل [ريكيافيك] بسنة، وشاءت الصدف يومها أن يعقد في جنيف كذلك. وشكلت تلك المحادثات الاجتماع الأول للقادة الأميركيين والسوفييت خلال ست سنوات.
ويضيف بالاشينكو "حينها والآن، نسعى إلى التوصل إلى طريقة لتطبيع العلاقات. من الجيد أن كليهما يدرك كما يبدو أهمية ذلك. والثقة هي النقطة الحيوية، لكن لا يمكن اكتسابها سوى لاحق، إذ تُبنى على امتداد فترة من الزمن عبر الاتفاق على قضايا معينة".
يتردد الكرملين في إقامة أي مقارنة مع السيد غورباتشوف، إذ إنه روج لرواية تصور الزعيم السوفياتي على أنه محطم الإمبراطورية الساذج، المستعد لخدمة مصالح الغرب قبل مصالح شعبه. كما نقلت بعض التقارير رفض روسيا لاقتراحات بعقد القمة في فندق إنتركونتيننتال نفسه الذي عُقد فيه اجتماع عام 1985.
فرمزية اللقاء ليست الأمر الوحيد على المحك.
ويختم بالاشينكو بالقول "من الحكمة خفض سقف التوقعات. فبوتين ليس غورباتشوف".
© The Independent