ستطوي الأزمة السياسية في تونس شهرها الخامس، من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج. وترافق أكثر الأزمات حدة في تاريخ البلاد، أزمة اقتصادية واجتماعية وأخرى صحية بسبب تفشي وباء كورونا، وسط عجز عن إيجاد حلول ترضي جميع الأطراف وتعيد مؤسسات الدولة إلى وضعها الطبيعي.
وعلى الرغم من محاولات الاتحاد العام التونسي للشغل جَسْر الهوة بين الرئاسات الثلاث (البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية) باقتراحه إجراء حوار وطني، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلا أن الأزمة مستمرة وتزداد تعقيداً، بينما تتسع رقعة انعدام الثقة، بين مؤسسات الحكم والمواطنين.
فهل تتجه الأزمة إلى خيار إرجاع السلطة إلى الشعب من خلال تفعيل الفصل 80 من الدستور، والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، تفرز أغلبية برلمانية مغايرة قادرة على تحمل أعباء الحكم؟
الدولة في خطر
أكد رئيس الجمهورية، قيس سعيد، خلال استقباله، الجمعة 11 يونيو (حزيران) الجاري، في قصر قرطاج، الأمينَ العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، انفتاحه على الحوار من أجل التوصل إلى حل للأزمة الراهنة، مشدداً على أن "الدولة أصبحت في خطر بسبب البؤس والفقر"، ودعا إلى بناء علاقة جديدة بين الدولة والمواطن وإرساء دولة القانون والمؤسسات والعدل والإنصاف".
واعتبر سعيد أن تونس ليست دويلة، قائلاً "من يتجاوز القانون والدستور الذي جئت لتحقيق مقاصده، فليعلم مرة أخرى أننا قادرون على الرد بأكثر مما يتصورون للحفاظ على الشعب التونسي".
الفصل 80 من الدستور
وقد فُهم كلام رئيس الجمهورية على أنه انفتاح على الحوار، إلا انه تضمن تلويحاً باللجوء إلى الفصل 80 من الدستور، الذي ينص على أن "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن، أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة، ورئيس مجلس نواب الشعب، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب".
وقد اختلفت القراءات بين من يرى أن السياق ملائم لتفعيل هذا الفصل والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، وبين من يرى أن الظرف لا يحتمل مثل هذا السيناريو.
انتخابات تشريعية مبكرة
ويعتقد الكاتب محمد صالح العبيدي أن "الأزمة التي تمر بها تونس ليس لها حلول دستورية، ثم إن مخارجها السياسية غير مطروحة في الوقت الراهن، باعتبار حالة التنافر المطلقة بين كل الفرقاء السياسيين، وعدم قبول كل طرف بالجلوس إلى الطاولة مع الطرف الآخر"، معتبراً أن "هذه الأزمة معطلة للحياة العامة السياسية والاقتصادية، ولم تعرف تونس لها مثيلاً على امتداد أكثر من ستين سنة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى العبيدي أن رئيس الجمهورية، سيذهب إلى خيار انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، من خلال اعتماد الفصل 80 من الدستور، وفي غياب المحكمة الدستورية، يصبح هو المؤوّلُ الوحيد للدستور". ولا يستبعد الذهاب إلى هذا الخيار (انتخابات تشريعية مبكرة) حتى من دون موافقة رئيسي البرلمان والحكومة، واصفاً دوريهما بالاستشاري في هذا الفصل من الدستور.
ويصف العبيدي خطاب رئيس الجمهورية بـ"الحاد"، مستبعِداً إمكانية الدخول في حوار وطني في الوقت الراهن، لعدم وجود تقارب في وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين المعنيين بهذه الأزمة.
ويضيف "في تونس، تجاوزنا مرحلة الاختلاف في وجهات النظر، إلى مرحلة التصدع التام، والحرب المفتوحة".
تجميع السلطات في يد رئيس الجمهورية
في المقابل، يعتقد أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق مختار، أن لا شروط موضوعية لتطبيق الفصل 80 من الدستور، مؤكداً أن تطبيق هذا الفصل يتطلب توافقاً بين السلطات من خلال التشاور بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان، من أجل الدخول في مرحلة استثنائية محددة المدة.
ويصف عبد الرزاق الإصرار على تفعيل هذا الفصل بـ"السعي المحموم لتجميع السلطات عند رئيس الدولة"، معتبراً أن "ما يحدث في تونس وعلى الرغم من حدته، لا يمكن توصيفه على أنه خطر داهم يتطلب تفعيل هذا الفصل".
ويلفت إلى أن "هذا الفصل من الدستور ليس مُسقَطاً، بل هو مرتبط بسياق محدد وبظروف استثنائية، والهدف منه هو عودة دولة القانون وتجاوز المرحلة الاستثنائية".
استبداد جديد
ويشدد مختار على أن "الشروط الإجرائية لهذا الفصل، تقوم على التوازن بين السلطات، من خلال استشارة البرلمان والحكومة، على الرغم من قوله صراحة بتجميع السلطات في يد رئيس الجمهورية، في فترة محددة زمنياً"، محذراً من "التأويل الضيق لهذا الفصل الذي قد يفتح الباب أمام استبداد جديد".
ويستبعد خيار الاستفتاء الشعبي على نظام الحكم والقانون الانتخابي، لحل الأزمة الراهنة، مؤكداً أن "الاستفتاء يكون على مسائل تشريعية ودستورية محددة، ولا يشمل مثل هذه الأزمة التي تعيشها تونس".
وفي الختام، يعتبر مختار أن "حل الأزمة الراهنة يكمن في الحوار وتقريب وجهات النظر والذهاب إلى حلول سياسية أو دستورية توافقية، من أجل تفادي مزيد من تأزيم الوضع".
حركة "النهضة" ترحب بالحوار
في غضون ذلك، رحبت حركة "النهضة" بتصريحات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في شأن المؤشرات الإيجابية بخصوص الحوار الوطني.
وشدد النائب فتحي العيادي على أن الحوار هو الشكل الوحيد للخروج من الأزمة، وأن أي مقاربة أخرى هي سعي لتعميق مشكلات البلاد، معرباً عن أمله في نجاح هذا الحوار تحت إشراف رئيس الجمهورية في أقرب الآجال.