يبدو أن حادثة موت شاب في ظروف وصفت بالغامضة، بعد إيقافه، وسحل آخر بمنطقة سيدي حسين الشعبية في العاصمة تونس، هي القطرة التي أفاضت الكأس، وقد تجر وراءها احتجاجات يومية لشباب غاضب. ظاهرياً، غضب على القمع البوليسي، وفي الواقع هو غضب على الأوضاع الاجتماعية والزيادات المتواصلة للأسعار في تونس. ويرى مراقبون أن هذا الهدوء قد يسبق العاصفة التي ربما تجلب معها رياح التغيير.
يقول الناشط الحقوقي والسياسي وائل نوار الذي أوقف أمس من قبل الأمن، وبعد تعنيفه، بحسب روايته، "لن يهدأ لنا بال إلا بعد محاسبة وعزل الأمنيين الذين تسببوا في قتل الشاب أحمد وسحل الطفل في سيدي حسين". ويوضح وائل ما حدث له في مظاهرة السبت أنه "خلال الاحتجاجات بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تم إيقافي نحو الساعة من طرف الأمن وتعنيفي أمام وزارة الداخلية، لكن خلال المواجهات مع المتظاهرين استطعت الفرار منهم".
الإفلات من العقاب
ويضيف، "خرجنا للتعبير عن رفضنا للممارسات القمعية للأمن، إلا أن رفضنا هذا قوبل بقمع أيضاً"، متابعاً، "إن حادثة سيدي حسين تبرز أن الأمن في تونس بعد أن كان يعذب الموقوفين داخل جدران السجن بات اليوم يعنفهم ويسحلهم وينزع ملابسهم في الشوارع وأمام مرأى الجميع".
ويرى نوار أن "هذا دليل على أن لديهم تعليمات واضحة من وزير الداخلية، وهذا ما جعلهم لا يخافون المحاسبة"، مواصلاً "حتى القضاء لم يتحرك في جل قضايا التعذيب التي اقترفها رجال الأمن، ما يدل على أن ثقافة الإفلات من العقاب تزيدهم ممارسات قمعية". يذكر أن جمعية القضاة التونسيين أصدرت بياناً تدين فيه أحداث العنف بمنطقة سيدي حسين الشعبية.
وحول مواصلة الاحتجاجات يقول نور، إنه "لا يوجد مسيرات مركزية مبرمجة، لكن الأكيد أن الاحتجاجات متواصلة بمناطق شعبية على غرار سيدي حسين وغيرها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول المطالب يفيد بأن "محاسبة وزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي وعزله من أهم مطالبنا". وقبل أيام تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو صادم، يجرد فيه أمنيون ملابس شاب يقال إن عمره 15 عاماً مع تعنيفه، وذلك في إطار التحركات الشعبية التي رافقت موت شاب في ظروف غامضة بعد إيقافه من طرف الأمن، ما جعل رئيس الجمهورية يستقبل رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي في قصر قرطاج معبراً له عن رفضه لهذه الممارسات في لهجة حادة تؤكد ارتفاع منسوب التوتر بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس.
من جهتها، أفادت وزارة الداخلية بأنه تم إيقاف الأعوان المسؤولين عن التجاوزات المتعلقة بالطفل الذي جرد من ملابسه والاعتداء عليه بالعنف في سيدي حسين. وورد في بلاغ الوزارة أنه على أثر تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يتضمن تعرض مواطن للاعتداء من قبل أعوان أمن، فإن وزارة الداخلية تدين هذه التصرفات، وتؤكد أنها تتعارض مع توجهاتها العامة الرامية إلى التمسك بمبادئ الأمن الجمهوري الهادف إلى إحداث التوازن بين الحفاظ على الأمن العام ومبادئ حقوق الإنسان.
الثورة ستدق أبوابها من جديد
في المقابل، يعتقد النائب المعارض المنجي الرحوي في تصريح خاص، أن "هذه الاحتجاجات ستمضي إلى إسقاط المنظومة، حكومة وبرلماناً". ويضيف، "البرلمان أصبح عبئاً على الشعب يجوعه ويشرده ويقمعه باسم الديمقراطية، اليوم ثورة الحرية والكرامة ستدق أبوابها من جديد، وسندعو إلى تعميم هذه الاحتجاجات في كل جهات البلاد وكل الأحياء الشعبية".
من جانب آخر، يرى الرحوي أن الحوار السياسي الذي يطلبه بعض الأطراف لن يكون حلاً، معتقداً أن "الحوار لن يكون إلا لتبييض المنظومة الفاسدة وإعطاء متنفس جديد لمن نهبوا البلاد ومن دمروها من الثورة إلى اليوم"، موضحاً "لذلك الحوار بالنسبة لنا مرفوض، وثانياً هذا الحوار لن يغير شيئاً، فقط سينقذ النهضة من جديد". ويدعو الرحوي إلى إسقاط البرلمان والحكومة وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
خطورة الوضع
في سياق متصل، يعتقد القيادي في حركة النهضة المساندة لحكومة المشيشي أن "الاحتجاجات في كانت خلفيتها وتوقيتها وحدتها تشكل ضغطاً على صانع القرار"، مبيناً في تصريح خاص، "من المؤكد أن التجاوزات التي يرتكبها أعوان الأمن إبان هذه الاحتجاجات تزيدها حدة وعنفاً أحياناً"، لكن يرى سمير ديلو، القيادي بحركة النهضة، أنه غير متأكد أن ذلك "سيؤدي - دون تضافر عوامل أخرى - إلى تغير الأوضاع السياسية، إلا إذا تجاوز الأمر مجرد الاحتجاجات إلى شكل من العصيان".
وحول الحوار السياسي في تونس يوضح ديلو أنه يمكن أن يكون مجدياً، لكنه يرى في الوقت نفسه، أن "ما يؤخره هو التمترس خلف القراءات الأحادية، ورفض التنسيب والقبول بالآخر وانعدام التقدير السليم لخطورة الوضع ". وعن الدعوات لإعادة الانتخابات يعتقد ديلو انها لن تحل الأزمة موضحاً بأن انتخابات مبكرة بنفس المنظومة الانتخابية والحزبية والتشريعية ستؤدي إلى مشهد برلماني لا يختلف كثيراً عن المشهد المتشظي الحالي"، داعياً إلى ضرورة تعديل القانون الانتخابي، ومراجعة تمويل الأحزاب".
التداعيات السياسية
ولمعرفة التداعيات السياسية لهذه الاحتجاجات الشعبية، يرى الكاتب الصحافي صبري الزغيدي، أن "الوضع الآن بدأ يشهد متغيرات في الحرب الدائرة بين الرئاسات الثلاث، متغيرات على مستوى الخطاب والممارسة"، موضحاً "ذلك أن مضامين الخطاب أصبحت أكثر حدة، وخاصة في مستوى خطاب رئيس الدولة منذ إقالة بوخريص رئيس هيئة الفساد، ومن ثم مقابلته لرئيس الحكومة، وصولاً إلى اعتداء الأمن على الشاب في سيدي حسين وتعريته".
ويضيف الزغيدي، "هذه الحدة على مستوى الأقوال والأفعال ستفرز في تقديري مرحلة جديدة على مستوى التحالفات، وخاصة التحالفات خارج البرلمان، مجموعة سيقودها رئيس الدولة فيها التيار الديمقراطي وحركة الشعب، واللذان سيسعيان إلى الآتين بعدد من الأحزاب الأخرى من قوى اليسار والأحزاب الديمقراطية الاجتماعية كالحزب الجمهوري وحزب المسار وبعض الأطراف التي كانت تشكل الجبهة الشعبية سابقاً، فضلاً عن المنظمات الوطنية، والتي يبقى الاتحاد العام التونسي للعمل أقربها".
ومن جهة أخرى، يعتقد الزغيدي أن "التحالف الحاكم سيقوي من تماسكه مستعيناً بكتلة الإصلاح، و(تحيا تونس)، اللذين سيبتزان حركة النهضة للحصول على أكثر الامتيازات السياسية، وعلى مستوى التعيينات في أجهزة الدولة، ليبقى في الأخير الحزب الحر الدستوري مستكيناً في موقعه التقليدي ضد حركة النهضة، ويحصد مواقع جديدة على مستوى الميدان".