على ما يبدو فإن موسم شهر العسل قد انتهى بين أسواق الأسهم الأميركية وموجة المكاسب التي حققتها خلال الربع الأول من العام الحالي، بعد الخسائر العنيفة التي تكبدتها خلال جلسات العام 2018.
توقعات أكثر من متشائمة تتعلق بمستقبل النمو العالمي وحركة التجارة العالمية، مستمدّة من التوترات التي تشهدها الساحة الدولية، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، بخاصة مع تجدد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن أخيراً مع عودة الرئيس الأميركي للتهديد برفع الرسوم الجمركية على بضائع ومنتجات صينية قيمتها 200 مليار دولار.
خسائر عنيفة تطارد "داو جونز"
وخلال جلسة أمس الثلاثاء، تراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية بشكل ملحوظ عند نهاية التعاملات، ليفقد مؤشر "داو جونز" أكثر من 470 نقطة مسجلاً أسوأ أداء يوميّ في 4 أشهر مع التوترات التجارية.
وتعرضت الأسواق العالمية إلى موجة بيعية قوية على خلفية تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي أشار خلالها إلى اعتزامه رفع التعريفات على السلع الصينية بدءاً من يوم الجمعة.
وعند نهاية الجلسة، تراجع مؤشر "داو جونز" بنسبة 1.8%، أو ما يوازي 473 نقطة تقريباً ليهبط إلى 25965.09 نقطة، ليسجل أكبر خسائر يومية منذ 3 يناير (كانون الثاني) الماضي.
كما انخفض المؤشر الأوسع نطاقاً "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 1.6% مسجلاً 2884.03 نقطة. فيما شهد المؤشر الذي يغلب عليه الطابع التكنولوجي "ناسداك" خسائر تتجاوز 1.9% ليهبط إلى 7963.7 نقطة.
فيما انخفض مؤشر "FTSE All-World" الذي يتابع آلاف الأسهم في عدد من الأسواق، بنسبة 12% خلال عام 2018، مسجلا أسوأ أداء منذ الأزمة المالية العالمية، مقابل مكاسب قاربت الـ25% خلال العام 2017.
ارتفاع كبير مع معدل فائدة منخفض
وكانت الأسهم الأميركية قد ارتفعت إلى مستويات قياسية في الآونة الأخيرة في ظل بيئة معدل الفائدة المنخفضة.
ويوم الجمعة الماضي، سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز" مستويات قياسية ووسع مكاسبه على مدار جلسة يوم الاثنين، ما يمثل زيادة بنحو 25% عن التراجع الحاد الذي شهدته في ليلة عيد رأس السنة الميلادية.
ويشير تحليل حديث نشرته وكالة "بلومبرغ أوبنيون" إلى أنه على نحو طبيعي فإن المتفائلين والمتشائمين، أو ما يمثل سوقي الثيران والدببة، يتجادلون بالفعل بشأن اتجاه السوق في الفترة المقبلة.
وبالنسبة إلى العديد من المستثمرين الذين قضوا في أسواق الأسهم سنوات وليس شهورا، فإن السؤال الأكثر إفادة هو كيف سيكون أداء الأسواق على المدى الطويل، ولكن الإجابة الأكثر احتمالاً هي أن الأداء لن يكون جيداً.
ويتمثل السبب في ذلك في أن الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن بسبب الارتفاع التاريخي والذي من خلاله ارتفعت الأسواق بأكثر من 4 أمثال قيمتها منذ تراجع حدة الأزمة المالية في مارس (آذار) 2009.
عائدات دون المستوى
وعلى الرغم من أن المستثمرين تم إخبارهم بذلك، لكنهم يبدو وأنهم لا يصدقوا أن ارتفاع أسعار الأسهم بشكل كبير تميل إلى أن يعقبها عوائد دون المستوى.
وقال أحمد الحارثي، وهو محلل وخبير في أسواق المال، إن النظريات الاقتصادية تشير إلى أن أسواق الأسهم الأميركية تتجه إلى حركة تصحيح خلال الفترة المقبلة، وربما تمتد حتى نهاية العام، بخاصة وأنها حققت مكاسب كبيرة منذ بداية العام الحالي.
وأوضح، في اتصال هاتفي مع "اندبندنت عربية"، أن كافة الأسواق العالمية شهدت موجة خسائر عنيفة خلال العام الماضي، واستهلت العام الحالي على مكاسب كبيرة، ومن الطبيعي أن تحدث حركة تصحيح، لكن التقارير المتشائمة حول معدلات النمو العالمي وحركة التجارة، وأيضاً الخلافات والتوترات التي ربما تتحول إلى حرب تجارية حقيقية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، تعزز من صحة التوقعات السلبية الخاصة بأسواق الأسهم العالمية.
وارن بافيت: الأسهم الأميركية رخيصة للغاية
الملياردير الأميركي وارن بافيت، قال في تصريحات حديثة، إن الأسهم الأميركية رخيصة للغاية إذا استمرت معدلات الفائدة عند مستوياتها المنخفضة، وأضاف "أعتقد أن الأسهم رخيصة للغاية إذا كان عائد 3%على السندات لمدة 30 عاماً أمرا منطقيا".
وعلى الرغم من رفع معدل الفائدة الأميركية 9 مرات في ثلاث سنوات، لكن ما زال الاحتياطي الفيدرالي يحتفظ بتكاليف الاقتراض منخفضة نسبياً عند مستوى يتراوح بين 2.25% و 2.5%، مشيراً إلى أنه لا يتوقع أن يرفع معدلات الفائدة هذا العام.
وأوضح الملياردير الأميركي أن الولايات المتحدة تعيش في ظل تباطؤ ملحوظ لمعدل التضخم، حيث يستهدف الاحتياطي الفيدرالي 2% له.
وأضاف أنه لا يمكن الحصول على تضخم ومعدلات الفائدة وعجز الموازنة العامة في وضع مستقر لفترة طويلة من الزمن.
أسعار باهظة للأسهم
تحليل وكالة "بلومبرغ أوبنيون" أشار إلى أنه يمكن الاستعانة بنماذج الماضي للتأكد، حيث أن قيمة الأسواق زادت بمقدار 5 أضعاف قيمتها خلال فترة العشرينات، وأسعار الأسهم كانت باهظة بنهاية العقد.
والمستثمرون الذين تمكنوا من التماسك خلال التراجعات اللاحقة والتي صاحبت بداية الكساد الكبير لم يفقدوا الكثير، ولكنهم لم يُكافَؤوا على شجاعتهم أيضاً.
ومنذ نهاية العشرينيات وحتى منتصف الثلاثينيات كان العائد السنوي الحقيقي (بعد استبعاد أثر التضخم) لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" مستقراً تقريباً دون أي تغيير.
وتكرر ذلك مرة أخرى بعد 4 عقود، حينما قفزت الأسواق بأكثر من 6 أمثال قيمتها خلال فترة الخمسينيات والستينيات، وقادت الأسعار إلى مستويات مرتفعة لم تحدث منذ العشرينيات.
والمستثمرون الذين اشتروا أو امتلكوا أسهم في مؤشر "ستاندرد آند بورز" في نهاية الستينيات أو منتصف السبعينيات تحملوا عوائد سنوية حقيقية سالبة لسنوات متلاحقة بعد ذلك.
تضاعف كبير لقيمة الأسواق
أما بعد ثلاثة عقود فإن قيمة الأسواق زادت بمقدار 4 مرات خلال فترة الثمانينيات، وبعد ذلك جاء الهوس بـ"دوت كوم" وارتفعت قيمة مؤشر "ستاندرد آند بورز" ثلاث مرات من عام 1995 إلى عام 1999.
وبحلول الوقت الذي انتهت فيه السوق الصاعدة التي استمرت عقدين من الزمن في أوائل عام 2000، ارتفعت السوق أكثر من 12 مرة لتصل إلى أعلى التقييمات على الإطلاق.
ومرة أخرى، كان العائد السنوي الحقيقي لمؤشر "ستاندرد آند بورز" ثابتاً خلال معظم العقد الذي تلا ذلك.
وهذا النمط ليس من قبيل المصادفة، ولمعرفة السبب فإنه من المفيد البحث عن ثلاثة متغيرات تقود العوائد، وهي: نمو الأرباح الحقيقية للشركات، وعوائد التوزيعات، والتغير في القيمة، وكل تلك العوامل الثلاثة اتضحت للمستثمرين في السنوات الماضية مثلما فعلت في الأسواق الصاعدة السابقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنظر إلى مؤشر "ستاندرد آند بور"، فإنه سجل عائداً بنحو 13.9% سنوياً على مدار العقد الماضي وحتى مارس (آذار)، بعد استبعاد التضخم وعقب تضمين التوزيعات على المساهمين.
وفي الوقت نفسه، فإن الأرباح الحقيقية زادت بنحو 5.5% وعوائد التوزيعات بلغ متوسطها 2.1%، كما أن معدل السعر إلى الأرباح لمدة 12 شهراً ارتفع إلى 18.5 مرة من 10.5 مرة، ما يعكس عاطفة المستثمرين المتزايدة للأسهم مع إضافة 5.8% أخرى.
ومجموع تلك المتغيرات الثلاثة هو 13.4%، وهو ما يمثل معظم العائد السنوي الحقيقي من الأسهم خلال الفترة.
والمشكلة هي أنه في حين أن التوزيعات يمكن الاعتماد عليها بشكل عام، فإن الأرباح ليست كذلك، حيث أنها تتسم بالتقلب المرتفع بين الصعود والهبوط.
نمو كبير وغير مستدام في الأرباح
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية نمت الأرباح بوتيرة قوية غير مسبوقة، حيث أن الإيرادات الحقيقية ارتفعت بنحو 1.9% سنوياً فحسب خلال آخر 150 عاماً، أي أقل بكثير من التوتيرة المسجلة أخيرا، ما يشير إلى أن الإيقاع الحالي ليس مستداماً.
وما تسبب في تدهور الأمر هو أنه حينما يتباطأ النمو الاقتصادي فإن المستثمرين يهرولون نحو الخروج من السوق.
والخلافات تحجب الحقيقة بشأن ما إذا كانت وإلى أي مدى الأسهم مرتفعة الثمن حالياً، ولكن حتى بأكثر المقاييس تساهلاً فإن مثل تلك المعدلات الخاصة بالسعر إلى الأرباح باستخدام توقعات أرباح وردية فإن الأسهم الأميركية ليست رخيصة.
ووفقًا لمعدلات أكثر تحفظاً للسعر نسبة إلى الأرباح، وهي التي تستخدم الأرباح الحالية أو متوسط أرباح السنوات الأخيرة، فإن الأسهم باهظة الثمن كما كانت في أواخر العشرينيات من القرن الماضي وأكثر تكلفة بنسبة 40% تقريباً من أواخر الستينيات.
ولهذا السبب يوجد ما يشبه اتفاق عالمي على أن عوائد المستثمرين من الاستثمار في الأسهم ستكون أقل خلال الفترة المقلبلة، وحتى "وول ستريت"، والتي نادراً ما تفتقد الحماس بالنسبة إلى الأسهم، تعترف بالأمر ذاته.
الشركات العالمية تواجه خسائر عنيفة
المحلل المالي "الحارثي" أشار إلى الخسائر التي طالت كبرى الشركات العالمية المدرجة في الأسواق الأميركية خلال الفترة الماضية، وآخرها ما تكبدته شركة "ألفابت" المالكة لشركتي "غوغل" و "يوتيوب"، بعدما تراجعت أسهم الشركتين مسجلة أكبر انخفاض منذ نحو 7 سنوات، ما أدى إلى خسارتها نحو 77 مليار دولار من قيمتها السوقية، في ظل تباطؤ المبيعات ومخاوف المستثمرين من انتقال المعلنين إلى المنافسين، مثل "فيسبوك" و"أمازون".
ويتوقع بنكا استثمار "بلاك روك" و"بي.إن.واي ميلون" أن إجمالي العائد من الأسهم الأميركية سيكون 6% تقريباً سنوياً على مدار السنوات الـ10 المقبلة، وذلك قبل حساب التضخم أو تكون قريبة من نصف العائد على مؤشر "ستاندرد آند بورز"، والبالغ 10% منذ عام 1926.
أما بنك "جي.بي.مورغان" فيتوقع أن العائد طويل الأجل من الأسهم الأميركية ذات القيمة السوقية الكبيرة سيكون أقرب إلى 5%.