"لا تزوجوها حتى لا تعيش الظلم والقهر الذي أعيش فيه مع زوجي وعائلته"، هذه العبارة كانت السبب الرئيس في قتل الفتاة "استبرق"، على يد زوجها بعد اعتراضها على ارتباط أختها الوحيدة من شقيق قاتلها، الذي ضربها بشكلٍ مبرح حتى الموت بعد ساعات من عقد قران أختها.
ووفق تقارير الطب البشري والشرعي في غزة، فإن زوج "استبرق" مارَسَ ضدها العنف المنظم، عندما ضربها باستخدام العصي المجدلة، التي أدت إلى تهتك نحو 70 في المئة من أعضاء جسدها الداخلية، الأمر الذي تسبب في وفاتها على الفور.
حالة الفتاة ليست الأولى ولا الأخيرة، إذ في نفس الأسبوع قتلت امرأة ثانية على يد شقيقها وأبنائه، على خلفية مشاكل تتعلق بالميراث، وبهاتين الحالتين ارتفعت جرائم القتل نتيجة العنف الأسرى إلى ست حالات العام الحالي، واحدة فقط في الضفة الغربية، والبقية في قطاع غزة الذي تعرضت فيه نحو 20 سيدة لجروحٍ مختلفة جراء تعرضهن للعنف.
وفي نطاق عمل السلطات في غزة، يقول الناطق باسم الشرطة الفلسطينية، أيمن البطنيجي، إنهم أوقفوا جميع الجناة مرتكبي جرائم العنف، وفتحوا تحقيقات منفصلة لكل قضية للوقوف على الأدلة وملابسات الجريمة، لتقديم الملفات إلى النيابة العامة التي من شأنها أن تقرر، وتتخذ العقوبة المناسبة.
أي قانون سيعتمد؟
لكن السؤال يبقى تحت أي قانون ستعاقب النيابة العامة مرتكبي جرائم العنف الأسرى. في الواقع، ليس في فلسطين أي قانون يحمي النساء داخل أسرهن، وبالعادة، تحتكم النيابة والمحاكم في قطاع غزة إلى قانون العقوبات الذي يعود إلى عام 1936، الذي يعتقد الباحثون في الشأن النسوي الحقوقي أنه بات غير مناسب للفترة الحالية.
وفي نطاق قانون العقوبات الفلسطيني، فإنه يعتمد على لوائح عامة ولا ينظر إلى خصوصية الحادثة، إذ في حال قتل زوج سيدته بسبق الإصرار والترصد فإن عقوبته الإعدام، فيما لو قُتلت جراء الضرب فإن عقوبته السجن مع الأعمال الشاقة لمدة 15 عاماً فقط، وفي حال حصل على براءة دم يخرج لممارسة حياته الطبيعية. بحسب ما أوضح محمد أبو هاشم، الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
تقول المحامية في مركز شؤون المرأة، هنادي عكيلة، "إن القانون يفتقر إلى نصوص تحمي المرأة من العنف، إذ لا يوجد نص واضح يعالج تلك الظاهرة. إن قانون العقوبات الفلسطيني جرت صياغته في زمن الحكم العثماني وفترة الإدارة المصرية للقطاع، وبات لا يوفر حماية حقيقية للنساء ضحايا العنف والناجيات منه، وفيه يفلت الجاني من العقوبة، خصوصاً في الجرائم التي تجري على خلفية الشرف".
تضيف، "فعلياً، يوجد مشروع قرار بقانون صادر عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ينص على حماية الأسرة ومعاقبة مرتكبي العنف، إلا أنه لم يقر بعد، وهناك مسودة (قانون حماية الأسرة الفلسطينية) وضعت عقوبات بحق منتهكي حقوق السيدات".
يقول وكيل وزارة التنمية الاجتماعية، داوود الديك، "إنهم صاغوا قانون حماية الأسرة من العنف، لمحاسبة الجناة، وإعادة تأهيلهم ودمج الضحايا والجناة، والوقاية ومنع العنف من خلال سياسات وبرامج للحد من انتشاره. إن القانون يحمي الأسرة من العنف النفسي والجسدي والجنسي والاقتصادي، والتمييز والتزويج القسري، وفيه يجري تشكيل وحدة حماية الأسرة في الشرطة، ونيابة للأسرة لحمايتها، وقضاء مختص، ويمنع إسقاط الحق الشخصي حتى لا يفلت مرتكب العنف من العقوبة وعلى أثره تزيد الحالات".
ويوضح الديك، "أنه جرى استبدال بعقوبة الحبس الخدمة المجتمعية، حتى لا يخرج مرتكب العنف من السجن وقد ازداد العنف لديه أكثر، باستثناء مرتكبي جرائم القتل، التي جرى تشديد عقوبتها بمقدار النصف حتى لا يفلت المجرم".
من جهتها، تقول مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في غزة، هبة الزيان، "في حال المصادقة على القانون، هناك خوف من عدم تطبيقه في غزة، خصوصاً في ظل الانقسام وأثره في القوانين وإنفاذها، وتطبيقه متعلق بمدى اقتناع جهات الاختصاص في القطاع به".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العنف ضد النساء
وحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، فإن نحو 35 امرأة قتلت العام الماضي في الأراضي الفلسطينية، و50 في المئة من المتزوجات في غزة تعرضن للعنف بالضرب خلال العام الحالي، ونحو 40 في المئة منهم مارَسَ أزواجهن ضدهن العنف الجنسي، وأكثر من 90 في المئة جرى تعنيفهن لفظياً، فيما فضلت 61 في المئة من النساء اللواتي تعرضن للعنف السكوت بشكلٍ كامل، و24 في المئة منهن لجأن إلى بيت الأهل، و1 في المئة ذهبن إلى مقر الشرطة أو وحدة حماية الأسرة لتقديم شكوى أو الحصول على مساعدة، فيما تعرضت 378 امرأة للعنف المبني على النوع الاجتماعي (التمييز بين ذكر وأنثى).
تؤكد مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في غزة، هبة الزيان، "أنهم رصدوا ارتفاعاً لوتيرة العنف ضد النساء في القطاع خلال الأشهر الماضية، ويأتي ذلك منسجماً مع ارتفاع هذه الظاهرة خلال العام المنصرم، فيما قد تكون الأسباب في بقاء الأسر التي تعاني مشكلات اقتصادية وظروف الاكتظاظ داخل المنازل جراء انتشار فيروس كورونا".
ويأتي تزايد العنف ضد المتزوجات في غزة، في ظل وجود 20 مؤسسة تعتني بحقوق وحماية وتمكين المرأة في غزة، تقوم بتنظيم حملات توعية الأسر التي تقوم بها المؤسسات النسوية والحقوقية إلى جانب الجهات الحكومية، حول مخاطر العنف ضد المرأة وضرورة التبليغ عنه. وفي أغلب الأحيان غير قادرين على مواجهة مخاطر العنف أو العمل للحد منه بشكلٍ ملحوظ، إذ الدارج في القطاع أن المجتمع محافظ ويرفض أي أطراف التدخل في الشؤون الأسرية.
تشير الزيان إلى "أن هناك صعوبات تواجه المؤسسات النسوية والحقوقية عند تدخلها في حماية ضحايا العنف، فكثيرون يرغبون في حل المشكلات في حيز العائلات الممتدة أو العرف العشائري، ما يجعل هناك تحديات كبيرة على طبيعة عمل جهات الحماية في تقديم الخدمات إلى هذه الفئة".