باشر صناع الدراما، مبكراً، التحضير لأجزاء جديدة من الأعمال التي عرضت في الموسم الرمضاني الفائت، وأعلن القرار فور انتهاء الحلقة الأخيرة من مسلسلاتهم.
كما في لبنان كذلك في مصر والخليج وسوريا، فبعد عرض الحلقة الأخيرة من "عشرين عشرين" و"للموت"، أعلنت شركتا "الصباح" و"إيغل فيلمز" عن جزء ثان من هذين المسلسلين. كما كان قد أعلن في وقت سابق عن جزء خامس من "الهيبة"، وفي مصر أعلن عن جزء ثالث من "الاختيار" وجزء ثان من "هجمة مرتدة" و"فارس بلا جواز"، وفي الخليج عن جزء جديد من مسلسل "أمين حاف". كذلك قرر صناع الدراما السورية تصوير أجزاء جديدة من الأعمال، من بينها "على صفيح ساخن" و"حارة القبة" و"الكندوش" و"سوق الحرير"، ومن المتوقع إنتاج الجزء 12 من المسلسل الشهير "باب الحارة".
والسبب الرئيس الذي يقف وراء إنتاج أجزاء جديدة من أي مسلسل هو نسبة المشاهدة العالية التي تحققها الأجزاء الأولى منه، علماً أن نجاح الحلقات اللاحقة منها ليس حتمياً، والأمثلة على ذلك كثيرة من بينها الفشل الذريع التي مني بها الجزء الثاني من مسلسل "سرايا عابدين" والانتقادات التي طالته، بسبب السيناريو المخيب للآمال. مع أنه كان موفقاً من حيث الشكل بديكوراته وأزيائه وأبطاله المعروفين والمحبوبين كـيسرا وقصي خولي وأنوشكا، والذين قدموا أداء عالياً فيه. وهذا يعني أن نجاح العمل لا يعتمد على النجاح الجماهيري وحسب رغم أهميته، بل على الأسس التي يقوم عليها وتوفر روابط وخطوطاً عريضة تساعد على إنتاج أجزاء جديدة، وإلا فإنه يتحول إلى دراما مفبركة ومفتعلة يشوبها المطّ والتطويل، من خلال الاستعانة بأحداث جانبية وغير مقنعة، وعدم قدرة الكاتب على تطوير الخط الدرامي للشخصيات. وفي غياب النص الجيد هناك اجتزار للأحداث، ويقع المسلسل في حال الملل.
توليد بالقوة
المخرج الليث حجو الذي يعمل حالياً على تصوير مسلسل "سنوات الحب والرحيل" في مصر، رد على سؤال حول السبب الذي جعل فكرة الأجزاء تتحول إلى موضة في الدراما العربية، قائلاً "لا علاقة لي بخيارات الآخرين، وهم أحرار في تصوير أجزاء من العمل أم لا. لست أنا من يقيم ما إذا كانت هذه الأعمال تستحق أجزاء لاحقة أم لا، بل نحن نصنع والجمهور هو الذي يقيم". ومن جهته يؤكد الممثل فادي أبي سمرا الذي سوف يشارك في الجزأين المقبلين من "للموت" و"عشرين عشرين" أنه ضد أعمال الأجزاء، مع أنه يشارك كممثل في هذين العملين. ويوضح أن المسلسل الرمضاني يتألف من 30 حلقة وليس 8 حلقات كما في مسلسل المنصات، أي أن المسلسل التلفزيوني الواحد يعادل 3 مسلسلات من مسلسلات المنصة، ويستهلك القصة كاملة.
وهذا يعني أن الجزء الجديد سيكون مفتعلاً، وفيه كثير من التطويل ومحاولة لتوليد أفكار بالقوة، لأن الفكرة كانت اكتملت في الجزء الأول. بينما توضح الممثلة رندة أسمر بأنه لا يفترض أن تكون نسبة المشاهدة هي السبب الرئيس الذي يدفع صناع الدراما إلى تطويله وإنتاج أجزاء جديدة منه، بل يفترض أن يكون هناك حرص على تقديم مضمون جيد. وتوضح "هم لا يهتمون ولا يكترثون للانتقادات بل يكملون على هواهم. من جهتي أنا لا أتابع شيئاً، ولم أشاهد "باب الحارة" أو "الهيبة" أو سواهما لأن "الطبخة" هي واحدة في كل الأعمال، ولا يوجد بينها ما يشدني. أنا بعيدة عن الدراما منذ عام 2015 وآخر أعمالي كان مسلسل "الشقيقتان"، وما يعرض حالياً لا يستهويني ولا يجبرني على الجلوس أمام الشاشة لمتابعته، بل أهتم أكثر للحركة الثقافية في لبنان".
شرلوك هولمز
الكاتب شكري فاخوري، الذي كتب أعمالاً لبنانية بعضها طويل، اعتبر أن هناك مواصفات معينة يجب أن تتوفر في المسلسل الذي يُراد تحويله إلى أجزاء، وقال: "من حيث المبدأ، لا يمكن للكاتب عندما يقرر، منذ البداية، أن يختم المسلسل بنقطة معينة أن يعود ويقرر كتابة جزء ثان، بل يجب أن يخطط لذلك مسبقاً، وأن يقول إن الجزء الأول سوف ينتهي بحدث معين، على أن يبدأ الجزء الثاني بنقطة معينة وينتهي بنقطة أخرى، كما حصل مثلاً في مسلسل "باب الحارة"، ولأنه يقوم على وصف الحياة اليومية الشامية في ذاك الزمن، فإنهم تمكنوا من تطويره وتحويله إلى أجزاء. وهذا الأمر لا ينطبق على مسلسل قصته مؤلفة من 30 حلقة، ويطلب من الكاتب كتابة جزء ثان منه لأنه حقق النجاح، لأنه في حال مات البطل، ماذا يمكن أن يفعل الكاتب عندها!".
ولأن بعض المسلسلات تحيي الأموات كما حصل في مسلسل "باب الحارة" الذي أحيا شخصية "أبو عصام" التي لعبها الممثل عباس النوري، يجيب: "عندها تصبح القصة شبيهة بقصة شرلوك هولمز، عندما قرر الكاتب آرثر كونان دويل بسبب الملل من كتابة روايات حولها، أن ينهي حياة هذه الشخصية برميها عن جسر لندن، ولكنه ما لبث أن تراجع وأعاده إلى الحياة، بسبب احتجاج الناس على قتله لأنه عاش معهم، وأشار إلى أنه تمسك بشيء عند سقوطه عن الجسر ولم يفارق الحياة". ويتابع فاخوري: "عندما طلب مني كتابة جزء ثان من مسلسل "العائدة" فعلت ذلك من دون قناعة، ولذلك لم أحبه وشعرت بأنني ثقيل الظل، لأن قصته كانت قد انتهت في الجزء الأول".
واعتبر فاخوري أن مسلسل "الهيبة" لا يحتمل أجزاء إضافية، وقال: "عندما ينجح المسلسل، يفضل كتابة جديد غيره، لأنه سيحقق النجاح أيضاً. على "نتفليكس" يعرضون مسلسلات من عدة مواسم، وكل موسم تتراوح عدد حلقاته بين 6 و10 حلقات، وليس كما هو حال المسلسلات التلفزيونية المؤلفة من 30 حلقة". أما عن موقفه من الإعلان عن جزء ثان عن مسلسل "2020" فعلق قائلاً: "ألم يمت البطل! لا أعرف ربما هم يريدون إحياءه مجدداً. القصة انتهت وحلاوتها أن الشرطية أرادت أن تفضح تجار المخدرات في عقر دارهم، وأغرمت برئيس العصابة. هناك العديد من الأعمال التي تناولت هذه القصة الجميلة ولكني لا أجد داعياً لجزء ثان منه". وفي المقابل أشار إلى أنه لم يشاهد مسلسل "للموت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من ناحية أخرى، أوضح فاخوري أن المنتج يتفق مع الكاتب على تنفيذ جزء ثان من أي عمل يحقق النجاح ويطلب منه أن يكتبه على هذا الأساس، وأضاف "لكن هناك أعمالاً لا تنجح وعلى الرغم من ذلك، يحولونها إلى أجزاء".
كما أكد أن المنتج يفكر تجارياً وليس تجارياً وفنياً، معقباً: "لا أعرف ما الفائدة من تقديم جزء ثالث من مسلسل "الباشا". لست ضد أعمال الأجزاء في المطلق، وفي حال توفرت المقومات اللازمة لنجاح الجزء الثاني فإنها معها، ولكني لست مع إلصاقها لصقاً لتركيب جزء جديد".
"الرايتنغ" يحكم
المنتج مروان حداد، الذي أنتج 3 أعمال من مسلسل "الباشا"، فسر السبب الذي حول أعمال الأجزاء إلى موضة قائلاً: "الهم الأول والأخير للتلفزيون هو نسب المشاهدة، وعندما يحقق أي مسلسل نسبة مشاهدة عالية، تطلب من المنتج تحويله إلى أجزاء. لكن النجاح لا يكون حليفها دائماً، والمشكلة أنه عندما يطلب من المنتج تصوير جزء ثان أو ثالث من العمل، فإنه سيوافق على الفور، بصرف النظر عن إمكانية نجاحه أم لا، لكنه لا يغامر بإنتاج أجزاء إضافية من تلقاء نفسه. باختصار، "الرايتينغ" هو الذي يحكم التلفزيونات ليس في لبنان بل في كل العالم، وعندما تكون نسبة المشاهدة عالية، فهذا يعني أن المسلسل ناجح، أما النواحي التي لها علاقة بالمستوى الفني للعمل، فإنها لا تقدم ولا تؤخر".
هل هذا يعني أن المسلسل عبارة عن نجم ونجمة يتابعهما جمهور عريض لتحقيق نسبة مشاهدة عالية، يوضح حداد: "التركيبة هي الأساس، ولكن بعض الثنائيات التي تنجح في عمل ما، قد لا تنجح في عمل آخر. والأمثلة على ذلك كثيرة، لأن القصة غير موفقة. وعادة، يحرص المنتجون على التعاون مع أي ثنائي في أكثر من عمل".