شهدت الأسهم في "وول ستريت" أسوأ أسبوع لها منذ ما يقرب من أربعة أشهر، بعد تعليقات صانعي السياسة الفيدرالية التي أشارت إلى أن البنك المركزي الأميركي كان على دراية تامة بضغوط التضخم الناشئة. وانخفض مؤشر" أس أند بي 500" القياسي 1.3 في المئة أمس الجمعة، ما رفع خسائره خلال الأسبوع إلى 1.9 في المئة. وانخفض ما يقرب من 90 في المئة من الأسهم في مؤشر الأسهم القيادية خلال اليوم، بما في ذلك أسهم البنوك الكبرى وشركات النفط الأميركية الكبرى.
وانتقل المستثمرون من بعض أكثر تداولاتهم شعبية في العام، بما في ذلك الدفع في وقت سابق إلى أسهم الشركات الأصغر التي تعد حساسة بشكل خاص للنمو الاقتصادي. وسجل مؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة أكبر خسارة أسبوعية له منذ أواخر يناير (كانون الثاني)، حيث انخفض بأكثر من 4 في المئة.
وكان كل قطاع في "أس أند بي" في المنطقة الحمراء، وكانت الخدمات المالية من بين أكبر الخاسرين اليوم السبت. حيث خسر كل من "جي بي مورغان تشيس" و"ويلس فارغو" و"بانك أوف أميركا" أكثر من 2 في المئة. وعانى عديد من عمالقة التكنولوجيا أيضاً الخسائر، بما في ذلك "فيسبوك" بنسبة 2 في المئة، بينما تراجعت شركة "ألفابيت" و"غوغل" و"أبل" بنسبة 1 في المئة، بحسب "واشنطن بوست".
وقالت نيكول تانينباوم من "تشيكيورز" لإدارة الثروات، "هذا الموقف الأكثر تشدداً من جانب الاحتياطي الفيدرالي قد هز المستثمرين أثناء تقييمهم للأسواق". وأضافت "هذا التحول يأتي على خلفية الأداء القياسي لسوق الأسهم، فليس من المستغرب أن تتراجع الأسهم استجابةً لذلك"، هي لعبة الداما الإدارة المالية.
وتراجعت مؤشرات الأسهم الرئيسة اليوم وتراجعت عن أعلى مستوياتها على الإطلاق. وكانت "وول ستريت" شهدت ارتفاعاً منذ انطلاقة عام 2021، حيث ارتفع مؤشر "أس أند بي" بنسبة 11 في المئة منذ يناير، بينما ارتفع "داو" و"ناسداك" بنحو 9 في المئة هذا العام، حيث كانت الأسواق مليئة بالتفاؤل بشأن إعادة فتح الشركات وإطلاق لقاح ضد فيروس كورونا. لكن المستثمرين كانوا يبحثون عن إشارات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يخفف الدعم المالي للأسواق، بما في ذلك أسعار الفائدة المنخفضة القياسية واستمرار شراء الأصول، ما ساعد في دعم سوق الأسهم في بداية أزمة الوباء.
وشارك محافظو البنوك المركزية رواية متفائلة في الغالب حول الاتجاه الذي يعتقدون أن اقتصاد البلاد يتجه إليه، فقد عززوا أيضاً تقديراتهم للتضخم، وأشاروا إلى أن رفع أسعار الفائدة سيأتي في عام 2023، في وقت أقرب مما كان متوقعاً.
ترويض التضخم ورفع أسعار الفائدة
الخسائر التي لحقت بسوق الأسهم جاءت في أعقاب تعليقات من جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، يوم الأربعاء بأن المستثمرين التقطوا إشارة على أن البنك المركزي الأميركي سيعمل على ترويض التضخم، وأن صناع السياسة لم يركزوا فقط على مساعدة سوق العمل الأكثر تضرراً في البلاد.
وتوقع صانعو السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي، يوم الأربعاء، ارتفاع أسعار الفائدة من مستويات منخفضة قياسية في عام 2023، من توقعاتهم السابقة لعام 2024. وقد ظهر هذا الرأي بشكل أكثر حدة بعد مقابلة شبكة "سي أن بي سي" الإخبارية الأميركية مع جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، يوم أمس الجمعة، حيث قال، إن أول ارتفاع لسعر الفائدة قد يأتي العام المقبل.
وأدى التحول الذي قام به صناع السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى زعزعة ما يسمى بتجارة الانكماش، وساعد بدلاً من ذلك على دعم أسهم التكنولوجيا التي فقدت الزخم هذا العام. في حين انخفض مؤشر "ناسداك" المركب الثقيل 0.9 في المئة يوم أمس الجمعة، فقد أنهى الأسبوع منخفضاً 0.3 في المئة فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتم تخفيض توقعات التضخم بشكل كبير هذا الأسبوع، حيث استوعب المستثمرون قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخير. وأشار جورج سارافيلوس، الخبير الاستراتيجي في "دويتشه بنك"، إلى أن تغير توقعات التضخم والنمو "تتماشى مع استمرار مرونة الأسهم، لا سيما في أسهم النمو"، حيث تجعل عوائد السندات المنخفضة قيمة الأرباح المستقبلية أكثر جاذبية.
وأضاف، حقيقة أن التقلبات في الأسواق المالية "مدفوعة بالتناوب النسبي الهائل من مؤشر "راسل" إلى "ناسداك" لا ينبغي أن تكون مفاجأة". سارافيلوس قارنها مع السوق بين عامي 2010 و2019، عندما ارتفعت تقييمات الأسهم النامية على خلفية النمو المعتدل أو المنخفض والتضخم المنخفض.
السندات الأميركية طويلة الأجل
وترافق انخفاض الأسهم مع ارتفاع في أسعار السندات الحكومية الأميركية طويلة الأجل يوم أمس الجمعة، فقد نظر المستثمرون إلى التوقعات المبكرة حيث من المتوقع النظر إلى إمكانية رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة على أنها إشارة على استعداد البنك المركزي للسيطرة على التضخم.
وانخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية القياسية لأجل 10 سنوات، الذي يتحرك عكسياً مع سعره، بنسبة 0.06 نقطة مئوية عند 1.44 في المئة. وقد ارتفع هذا العائد من حوالى 0.9 في المئة في بداية العام، لكنه تراجع في الأشهر الأخيرة حيث بدأ المستثمرون ينظرون إلى قفزات التضخم في الولايات المتحدة على أنها موقتة. ويؤدي التضخم المستمر إلى تآكل عوائد الفائدة الثابتة على السندات.
وقالت كريستينا هوبر، كبيرة استراتيجيي السوق العالمية بشركة "انفسكو"، "تتوقع الأسواق الآن تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي في وقت قريب، ما قد يضعف النمو الاقتصادي، ومن ثم انخفاض عائد 10 سنوات، والتناوب بعيداً عن الوباء الذي يعيد فتح التجارة في أجزاء نمو أكبر في سوق الأسهم مثل التكنولوجيا".
أفضل أداء للدولار الأميركي
ويتمتع الدولار أيضاً بأفضل أسبوع له منذ أبريل (نيسان) 2020 حيث ارتفعت العوائد على سندات الخزانة قصيرة الأجل، والتسعير في المستقبل المتوقع لارتفاع أسعار الفائدة. وارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس العملة الأميركية مقابل العملات الكبرى، بنسبة 0.4 في المئة يوم أمس الجمعة، ما رفع مكاسبه الأسبوعية إلى 1.9 في المئة.
في حين أن الذهب، الذي يسعر بالدولار وغالباً ما ينتقل عكسياً إلى العملة الأميركية، تم تداوله عند 1764 دولاراً للأوقية أمس الجمعة، بانخفاض بأكثر من 6 في المئة منذ يوم الاثنين في أكبر انخفاض أسبوعي له منذ مارس (آذار) 2020.
وقال كيث بالمر، مدير محفظة الأصول المتعددة في "بي أم أو" لإدارة الأصول العالمية، "نظراً للمفاجأة المتفائلة لتوقعات رفع أسعار الفائدة، فقد رأيت حركة قوية جداً في الدولار". وأضاف، "كان معظم السوق هبوطياً على الدولار قبل هذا الاجتماع"، حيث توقع التجار سابقاً أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي السياسة النقدية شديدة التساهل.
أسوأ أسبوع لمؤشر "داو جونز" الصناعي
في السياق ذاته سجل مؤشر "داو جونز" الصناعي أسوأ أسبوع له منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، منخفضاً بنسبة 3.45 في المئة، حيث تصارع المستثمرون مع الأخبار التي تفيد بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يخطط للتراجع عن أسعار الفائدة المنخفضة القياسية في وقت أقرب مما هو متوقع.
وأغلق مؤشر "داو جونز" اليوم منخفضاً بأكثر من 533 نقطة، أو 1.58 في المئة. وتراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بمقدار 55 نقطة، أو 1.31 في المئة، بينما تراجع مؤشر "ناسداك" المركب للتكنولوجيا الثقيلة بنحو 131 نقطة، أو 0.9 في المئة.
التضخم عند 3.5 في المئة بحلول 2023
في تقرير بحثي عالمي يوم أمس الجمعة، لاحظ الاقتصاديون في "بنك أوف أميركا" أن المستهلكين يعودون إلى الوراء وأن الشركات تزيد من استثماراتها. وقال التقرير، "نحن في منتصف الطريق وعام 2021 يتشكل ليكون عاماً حاراً". ومع ذلك، فإن الاندفاع في الطلب يتعارض مع العرض المقيد، ما يؤدي إلى ارتفاع التضخم، وفقاً لخبراء الاقتصاد، لكن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال ينتظر مزيداً من البيانات قبل رفع أسعار الفائدة.
ومع بدء الانتعاش الاقتصادي، يراقب الخبراء أيضاً عوامل الخطر التي يمكن أن تبطئ العودة، بما في ذلك استمرار فيروس كورونا جنباً إلى جنب مع اندلاع متحوراته والمخاوف بشأن بطء مكاسب الوظائف.
ولم تسترد سوق العمل حتى الآن 7 ملايين وظيفة، ما يؤكد عمق الضرر الذي يلحقه الوباء بالتوظيف. لكن خبراء البنوك المركزية يقدرون أن معدل البطالة قد ينخفض إلى مستوى ما قبل الوباء بنسبة 3.5 في المئة بحلول عام 2023.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم أتش باول، يوم الأربعاء، "أنا واثق من أننا نسير على طريق سوق عمل قوية للغاية".
وأشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى جهود التطعيم ضد فيروس كورونا على نطاق واسع كمحرك وراء تعزيز التوظيف والنشاط الاقتصادي. يتوقع محافظو البنوك المركزية أن يصل النمو الاقتصادي إلى 7 في المئة هذا العام، ارتفاعاً من توقعات النمو البالغة 6.5 في المئة التي أصدرها بنك الاحتياطي الفيدرالي في مارس الماضي.
لأشهر، حاول المستثمرون التكهن بمستقبل السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي مع تطعيم مزيد من الأميركيين. وجادل النقاد بأن البنك المركزي كان بطيئاً للغاية في الاستجابة لارتفاع الأسعار بشكل حاد، ما قد يحد من النمو الاقتصادي. لكن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي وأعضاء إدارة بايدن أكدوا أنه من المتوقع ارتفاع الأسعار، حيث تكافح الشركات مع سلاسل التوريد المتراكمة والطلب المكبوت وطبيعة مقارنة أرقام هذا العام بأرقام العام الماضي، عندما انخفضت أسعار عديد من السلع والخدمات خلال فترات الانكماش الشديد التي يسببها الوباء.