منذ أسابيع، ينشغل الجزائريون بـ "أزمة مياه" سيطرت على يومياتهم وباتت محور نقاشاتهم، وهي الناتجة عن تدني مخزون السدود بسبب شح الأمطار والظروف المناخية التي أثرت على منسوب المياه السطحية والجوفية، وفق السلطات الرسمية التي تعهدت بمعالجة هذه الأزمة لا سيما مع تزايد حدة الغضب الشعبي.
وبشكل مفاجئ، نسي جزائريون جميع مشاكلهم وحتى الأوضاع التي تمر فيها البلد في أعقاب انتخاب البرلمان والتوجه نحو تشكيل حكومة جديدة، وأصبح حديثهم مقتصراً على "شح الحنفيات" وانقطاعات خدمة التزود بالمياه الصالحة للشرب وكيفية مواجهة هذا الوضع المتزامن مع الارتفاع في درجات الحرارة.
ولعل المستجد هذه السنة، أنّ هذه الأزمة كانت مقتصرة في سنوات سابقة على المدن الداخلية والصحراوية، لتطال هذه المعضلة في غضون العام الحالي المدن الكبرى أو المدن المعروفة بتوفرها على خزان مائي هائل، مصدره تحلية مياه البحر أو وجود سدود مائية.
ويقول أحد الموظفين في بنك عمومي بالجزائر العاصمة لـ "اندبندنت عربية": "أعيش أياماً مأساوية وكارثية. لم أعد قادراً على الاستحمام إلا في نهاية الأسبوع. عندما ألتحق صباحاً بمقر عملي تكون خدمة التزود بالمياه مقطوعة في حين تتصادف عودتي مساء مع نهاية المهلة المحددة بالساعة الثانية بعد الظهر".
غياب رؤية واضحة
وفي تصريحات صحافية قال وزير الموارد المائية الجزائري كمال ميهوبي، أنه لا يمكن توفير المياه على مدار اليوم لبعض بلديات العاصمة مرجعاً ذلك إلى أن نظام التوزيع لا يتحمّل هذا الأمر الذي سيؤدي إلى أزمة جفاف وعطش.
وفي غياب رؤية واضحة لمعالجة الأزمة، لجأ مواطنون إلى حلول مؤقتة تضمن تزودهم بهذه المادة الحيوية من خلال اقتناء حاويات تخزين المياه البلاستيكية، وعبوات من مختلف الأحجام تحسباً لأي طارئ، وهي تجارة انتعشت مؤخراً، وباتت تشكل مصدر دخل لتجار بيع المستلزمات المنزلية والخردوات.
ووفق وزارة الموارد المائية الجزائرية فإن نسبة تزود المواطنين بالمياه في العاصمة وغيرها من المدن، كانت تصل إلى 75 بالمئة، وشهدت حالة من عدم الاستقرار في الآونة الأخيرة بسبب شح الأمطار والظروف المناخية التي أثرت على مخزون السدود ومنسوب المياه السطحية والجوفية.
وبلغت النسبة الوطنية لامتلاء السدود أدنى مستوى لها في الجزائر منذ قرابة 40 عاماً، لتؤدي إلى انخفاض طاقة الامتلاء إلى 38 بالمئة في وقت تم تسجيل عجز بنسبة 39 بالمئة من حيث تساقط الأمطار، بحسب إحصائيات رسمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمن المائي
وذكر نائب مدير الخدمة العمومية بوزارة الموارد المائية، عرجوم عبد العزيز، في تصريح صحافي سابق أنّ "20 بالمئة من السدود سجلت عجزاً في مخزوناتها، خصوصاً في مناطق الغرب والوسط، ونسبة امتلاء السدود تبلغ حالياً 3.5 مليارات متر مكعب، بنسبة 44 بالمئة، وهي نسبة متباينة ما بين الجهات، ففي الشرق تصل إلى 68 بالمئة، وتتراوح في الوسط والغرب ما بين 22 إلى 29 بالمئة فقط، والجزائر بحكم موقعها في منطقة شبه جافة، تبنت استراتيجية تهدف إلى المحافظة على الماء كمورد حيوي، وحمايته".
ووفقاً لتصنيف 2019 الذي وضعه معهد الموارد العالمية، تحتل الجزائر المرتبة 29 الأكثر تضرراً من الجفاف. وأشارت دراسة، نشرها معهد التوقعات الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط عام 2013، إلى أن الجزائر كانت من بين البلدان الأكثر تعرضاً للإجهاد المائي طويل الأجل حول البحر الأبيض المتوسط، وأشارت الدراسة على وجه الخصوص إلى نقاط الضعف في إمكانات المياه في البلاد، وشددت على أن النمو السكاني وندرة الموارد المائية وتغير المناخ أثارت مخاوف من نقص المياه، واليوم يبدو الأمن المائي في البلاد مهدداً بشكل واضح.
تحلية مياه البحر
كما يؤكد تقرير دولي أصدرته منظمة "كونراد أديناور ستيفتونغ"، مطلع العام الجاري، أن الجزائر تراهن كثيراً على تحلية مياه البحر التي تبدو بديلاً جيداً لمواجهة أزمة المياه، وقد أصبحت منشآت تحلية مياه البحر تغطي حوالى 17 بالمئة من احتياجات السكان للماء.
ضمن هذا السياق، استقبل وزير الطاقة والمناجم الجزائري، محمد عرقاب، مؤخراً، أكيرا كونو، سفير اليابان لدى الجزائر، وتطرق الطرفان إلى أهمية برنامج تحلية مياه البحر.
وجاء في بيان للوزارة، "بحث الجانبان علاقات التعاون بين الجزائر واليابان في مجالات الطاقة ووصفها بأنها تاريخية وممتازة، كما نوه الطرفان بأهمية فرص التعاون والاستثمارات القائمة في مجال تحلية مياه البحر".
وأشار عرقاب، بحسب البيان، إلى أهمية برنامج تحلية مياه البحر الذي يشكل خياراً استراتيجياً على المديين القصير والمتوسط، حيث دعا إلى مشاركة الشركات اليابانية في هذا البرنامج.
وضمن هذا الوضع المتأزم، تعهدت السلطات بأن عملية التزود بالمياه ستعرف طريقها إلى الاستقرار بداية شهر يوليو (تموز) المقبل.
ويتوقع مراقبون أن تستمر هذه الأزمة أكثر بناء على عدة مؤشرات منها غياب رؤية استراتيجية واضحة لتسيير الطاقة المائية رغم الأغلفة المالية الضخمة التي رصدت في مشاريع إنجاز السدود ومد الشبكات، كما يذهب هؤلاء إلى التأكيد أن المشكلة تعود بالأساس إلى عدم تنظيف السدود المستغلة حالياً، وهو ما يعرقل عملية الامتلاء.