أدى قتل الأمن الفلسطيني الناشط السياسي نزار بنات، فجر الخميس الماضي، خلال اعتقاله في مدينة الخليل، إلى إطلاق موجة غضب في صفوف الفلسطينيين، ودعوات إلى تغيير نهج التعامل مع الفلسطينيين، ومحاكمة المسؤولين عن "الجريمة"، في حين توعدت الحكومة "باتخاذ كل الإجراءات اللازمة في ضوء تقرير لجنة التحقيق الرسمية".
تظاهرات ضد السلطة
واستمراراً لاحتجاجات لم تتوقف منذ ثلاثة أيام، تظاهر عصر اليوم السبت، مئات الفلسطينيين وسط مدينة رام الله، مرددين هتافات: "الشعب يريد إسقاط النظام، و"ارحل ارحل يا عباس"، و"الموت ولا المذلة"، و"يا حراس المستوطنات".
كما تظاهر آلاف الفلسطينيين المحسوبين على حزب التحرير السلفي في مدينتي الخليل ورام الله احتجاجاً على "قتل" الناشط السياسي نزار بنات، مرددين "لا لعصابات الموت"، و"نحن لا نعرف السكوت".
ومع أن قوات الأمن الفلسطينية سمحت للمحتجين بالتظاهر وسط رام الله، فإنها وضعت حواجز مشددة تحول دون وصولهم إلى مقر الرئاسة على بعد مئات دوار المنارة حيث تظاهروا.
وخلال مسيرات في رام الله خلال اليومين، طالب محتجون برحيل السلطة الفلسطينية، هاتفين: "يا أبو مازن خذ السلطة وارحل عنا"، وأن "دم نزار لن يذهب هدراً"، وأن "الجواسيس أصبحوا في أحضان السلطة".
وتفرض الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ الخميس الماضي إجراءات أمنية مشددة في محيط مقر الرئاسة برام الله، لمنع وصول المتظاهرين إليه.
ومع أن اللجنة الرسمية التي شكلها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بدأت أعمالها، اليوم السبت، فإن تقريراً أولياً للجنة تحقيق للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسة "الحق" أشار إلى أن نتائج تشريح جثة بنات أظهرت أن سبب الوفاة "جنائية وغير طبيعية". وبين التقرير أنه "تعرض لضرب مبرح في جميع أنحاء جسده أدى إلى نزيف في الرئتين بسبب الضرب والاختناق".
الحكومة تنتظر نتائج اللجنة
لكن المتحدث باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية، اللواء طلال دويكات، قال في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن الحكومة تنتظر نتائج تحقيق اللجنة الحكومية حول ظروف "وفاة" بنات، مؤكداً أن هناك "تعليمات للجنة بإجراء تحقيقها بأسرع وقت ممكن".
وتعهد دويكات "باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في أسرع وقت ممكن في ضوء تقرير اللجنة إن كان توصل إلى أن الوفاة ليست طبيعية"، مشدداً على أن الأجهزة الأمنية ستتعامل "بإيجابية" مع الاحتجاجات ضد "وفاة" بنات، والمتواصلة منذ مساء الخميس الماضي.
وأوضح رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عمار الدويك، أن بنات تعرض لـ"حادث خطير يستدعي فتح تحقيق جنائي، وتقديم جميع المسؤولين والمتورطين إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب الدويك الرئيس الفلسطيني محمود عباس برفع حالة الطوارئ المطبقة منذ أكثر من عام، وضرورة التزام أفراد الأجهزة الأمنية بالقانون والأنظمة والتعليمات، واحترام الحقوق والحريات في أثناء قيامهم بواجبهم.
كما دعا الدويك إلى "وقف ملاحقة الفلسطينيين على خلفية آرائهم، وإطلاق الحقوق والحريات العامة، وتعديل التشريعات التي تجيز توقيف مواطنين احتياطياً، والإفراج الفوري عن جميع الموقوفين على خلفية نشاطهم السياسي أو آرائهم".
وأوضح أن "القوانين المطبقة في الأراضي الفلسطينية مثل قانون العقوبات الأردني لسنة 1960، ومنع الجريمة الأردني لسنة 54، والمطبوعات والنشر، والجرائم الإلكترونية، أدوات كافية للحجر على الحريات وتكميم الأفواه".
إلى المحاكم الدولية
وفي إشارة إلى عدم الثقة بالجهاز القضائي الفلسطيني أكد مجلس عائلة آل بنات عزمه رفع قضايا في المحاكم الدولية ضد السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بتهمة ارتكاب "جريمة القتل تحت التعذيب"، داعياً المؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية كافة إلى المساعدة في ذلك.
وطالب مجلس العائلة "بتوقيف المشاركين في عملية الاغتيال البالغ عددهم 27 عسكرياً لدى جهاز الاستخبارات العسكرية، ومحاكمتهم بشكل علني".
كما طالب المجلس "بإقالة محافظ الخليل، جبرين البكري، وتحويله للجنة تحقيق، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه نتيجة علمه المسبق بعملية الاغتيال".
واعتبر الكاتب السياسي الفلسطيني، محمد هواش، أن "قتل بنات خلال اعتقاله بعيد عن الإرث الفلسطيني"، مضيفاً "إنها جريمة وأكبر مما تتحمله النخبة السياسية الفلسطينية، وتستدعي من السلطة عدم تجاوزها أو التغطية عليها".
وأشار هواش إلى أن تلك الجريمة تؤشر إلى "تحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى نظام سياسي شبيه بالأنظمة المستبدة التي تتصرف فيها الأجهزة الأمنية بمعزل عن القوانين"، موضحاً أن النشاط الذي كان يقوم به بنات عبر وسائل التواصل الاجتماعي "يندرج في إطار حرية الرأي والتعبير، والمحاكم الفلسطينية أقرت ذلك أكثر من مرة".