لطالما أثارت تقارير الوكالة الدولية للطاقة، الجدل في الأسواق حول العالم بما فيها الوقود الأحفوري النفط، والغاز الطبيعي، والفحم الحجري، المصدر الأول للطاقة في العالم، حيث يشكل حالياً حوالى أكثر من 80 في المئة من الطلب الراهن على الطاقة الأولية العالمية. وأفاد متخصصون نفطيون لـ"اندبندنت عربية"، أن معظم تقارير وكالة الطاقة الدولية تعاني التضارب الواضح وليس له موقف ثابت ومحدد، لا سيما أنها تعمل لصالح الدول الصناعية المستهلكة للنفط، ما يجعلها مثار نقد دائم من جانب منظمة أوبك وحلفائها.
والوكالة الدولية للطاقة هي منظمة دولية، تعمل في مجال البحث وتطوير وتسويق تقنية الطاقة واستخداماتها، وتأسست عام 1973 من 16 دولة صناعية بغرض التصرف الجماعي لمواجهة أزمة النفط ويصل عدد أعضائها الآن 28 دولة.
انتقادات متكررة
ولعدة مرات انتقدت الوكالة بسبب أخطائها في التوقع عدة مرات، فقد احتسبت إمكانيات الطاقة المتجددة، بأقل من الواقع كما أخطأت في توقعاتها بالنسبة إلى زيادة أسعار النفط. وفي تقريرها الشهري الأخير خلال يونيو (حزيران) تراجعت الوكالة التي تتخذ من باريس مقراً، عن رسم خريطة طريق تطالب الدول المستهلكة للنفط بأن تسير عليها للاستغناء عن الخام، وبدلاً من ذلك تُطالب الدول المنتجة النفط وعلى رأسها منظمة "أوبك" بأن تزيد إنتاجها لكي لا تتعرض السوق لعجز في المعروض خلال السنوات المقبلة.
زيادة الإنتاج
وذكرت الوكالة في تقريرها لهذا الشهر، أن منتجي النفط في "أوبك+" سيحتاجون إلى زيادة إنتاجهم بهدف تلبية الطلب، الذي يتجه للتعافي، إلى مستويات ما قبل الجائحة، بحلول نهاية 2022، وأنه على تحالف "أوبك+"، الذي يضم 24 عضواً بقيادة السعودية وروسيا، فتح الصنابير من أجل إبقاء الإمدادات في أسواق النفط العالمية بشكل كافٍ.
وتابعت الوكالة "في 2022 ثمة مجال لأعضاء (أوبك+) لزيادة إمدادات الخام 1.4 مليون برميل يومياً فوق هدفهم، للفترة بين يوليو (تموز) 2021 ومارس (آذار) 2022".
واتفق تحالف "أوبك+" في أبريل (نيسان) الماضي على تقليص تخفيضات إنتاج النفط في الفترة من مايو (أيار) إلى يوليو (تموز) 2021، وأكد القرار مجدداً في اجتماعه الأخير في أول يونيو (حزيران) الحالي.
وقف الاستثمارات
وفي مايو الماضي، طالبت الوكالة نفسها المستثمرين بعدم تمويل مشروعات النفط والغاز والفحم الجديدة إذا أراد العالم الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، في أقوى تحذير من الوكالة حتى الآن لكبح الوقود الأحفوري، لكن لا يزال من غير المرجح أي وقف مفاجئ لمشاريع النفط والغاز الجديدة بحلول العام المقبل، إذ لا تزال خطط الإنفاق لشركات الطاقة الكبرى تميل بشدة نحو الهيدروكربونات بينما تعتزم دول منتجة للنفط مثل النرويج إصدار رخص جديدة.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، إنه لتحقيق صافي انبعاثات صفرية، ينبغي أن ينخفض الاستثمار العالمي في إمدادات الوقود الأحفوري من 575 مليار دولار في المتوسط على مدار السنوات الخمس الماضية إلى 110 مليارات دولار في عام 2050، مع تقييد الاستثمار في الوقود الأحفوري ليقتصر على الحفاظ على الإنتاج في حقول النفط والغاز الطبيعي الحالية.
من جانبها ترى منظمة "أوبك" التي تمتلك حوالى 80 في المئة من احتياطيات النفط الخام في العالم، أن الادعاء بعدم الحاجة لاستثمارات جديدة متناقض مع أغلب التقارير التي تصدر عن وكالة الطاقة الدولية، وترى أنه قد يُصبح مصدر عدم استقرار في الأسواق إذا قام بعض المستثمرين باتباعه.
مصلحة الدول المستهلكة
من جانبه، قال أحمد حسن كرم، محلل أسواق النفط العالمية، "إن وكالة الطاقة الدولية تعمل على وضع الدراسات والتوقعات لمصادر الطاقة العالمية المتوفرة بشكل دوري منتظم، وهي وكالة أنشئت وتعمل باسم الدول الصناعية المستهلكة للنفط". وأفاد، أن أغلب تقارير وكالة الطاقة أو تصريحات مسؤوليها تنصب لمصلحة هذه الدول الصناعية، إما بالمطالبة برفع إنتاج النفط وتقليل أسعاره أو إيجاد مصادر بديلة للطاقة بشأنها تقلل من الاعتماد على البترول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "هذا ما أكده تقريرها الأخير بشأن وقف عمليات التنقيب عن النفط والغاز بعد عام 2035 للتركيز في الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة والمتجددة". وحول إذ كان تقارير الطاقة الدولية تؤثر في الأسواق النفطية والمستثمرين، قال كرم إن هذه تقارير تعتبر في درجة المستوى الثاني من التقارير التي تؤثر في أسواق النفط وأسعاره بعد تقارير منظمة "أوبك" والجهات والمكاتب الاستشارية الاقتصادية العالمية الأخرى.
وأشار إلى أنه في الوقت ذاته تعتبر وكالة الطاقة أحد المراجع العالمية التي يعتد بدراساتها، مضيفاً أن الأرقام التي تصدرها الوكالة تكون شبه دقيقة وأُجريت وفق مسح منظم إلا أنها تنحاز نوعاً ما للدول المستهلكة الصناعية.
"صاحب بالين"
من جهته، قال المحلل النفطي كامل الحرمي، إن وكالة الطاقة الدولية ظلت لفترة مترددة في تقاريرها ما بين الدعوة إلى الاستغناء عن النفط، ومطالبة دول "أوبك بلس" بفتح الصنابير حتى تحصل الأسواق العالمية على إمدادات كافية، لينطبق عليها المثل الشعبي القديم (صاحب بالين كذاب)".
وأضاف أن رضوخ الهيئة، أخيراً، للأمر للواقع حيث تراجعت في تقريرها الشهري الأخير لتؤكد أن الدول المستهلكة للخام ليس لديها البديل المنافس اقتصادياً للنفط في النقل بأنواعه المختلفة على امتداد المدى المنظور لخارطة طريق الوكالة. وأشار إلى أن المستجدات الراهنة في أسواق النفط تؤكد أن "أوبك" وحلفاءها بقيادة روسيا المعروفة بـ"أوبك بلس" هي "المايسترو" الآن ومن دون مشاركة من أحد.
التعافي السريع
وقال رائد الخضر، رئيس قسم البحوث لدى "إيكويتي غروب" العالمية ومقرها لندن، إن طلب الوكالة من "أوبك+" فتح صنابير النفط، يعود إلى أن التعافي السريع في الاقتصادات العالمية، والتوسع في توزيع اللقاحات ربما سيُعجل أكثر بعودة النشاط الاقتصادي حول العالم بكامل طاقته قريباً، وسيجعل الأسواق متعطشة لمحاولة تعويض الفترة الماضية، ما سينعكس مباشرة على أهم مصادر الطاقة على كوكب الأرض وهو النفط.
وأضاف الخضر، "أن طلب الوكالة بفتح صنابير النفط قد يكون المقصود به سد احتياجات السوق التي ستزيد خلال الفترة المقبلة مع انتعاش الاقتصاد العالمي والعودة للحياة الطبيعية، فليس من المنطقي أن يطالب بوقف الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز والاعتماد على الطاقة البديلة في ليلة وضحاها".
وأوضح، "أن ثمة تضارباً ما بين طلب الوكالة فتح صنابير النفط ومن ناحية أخرى المطالبة بوقف التنقيب عن النفط والغاز"، مضيفاً، "الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بشكل كامل عبر التخلي عن النفط والغاز سيأخذ بعض الوقت، ربما بحلول عام 2030 يُعتمد بشكل كبير على الطاقة النظيفة، ولكن حتى يتم ذلك بشكل كامل ربما بعد 2050".
ولفت إلى أن التوقف عن عمليات التنقيب عن النفط والغاز، سيُهدد العديد من الوظائف، ومن ثم سيؤدي لارتفاع هائل في الأسعار، حيث إن إجبار الشركات على خفض مستويات الإنفاق عن المستويات الحالية، التي بالفعل متراجعة لأدنى مستوياتها منذ أعوام، سيدفع الأسعار للارتفاع نتيجة لتقييد إمدادات النفط العالمية، وهو أمر ليس بالجيد للجميع.
وأشار إلى أنه يجب أن تُلبى الاحتياجات الحالية من النفط وهو ما دفع منظمة "أوبك" الشهر الماضي بانتقاد تقرير "الطاقة الدولية" بعدم تمويل مشاريع النفط الجديدة من أجل كبح الانبعاثات. وتوقع أن تؤدي تقارير الوكالة إلى عدم استقرار محتمل في أسواق النفط، كما سيؤدي ذلك إلى تقلبات في أسعار الخام، في حال اتخذت إجراءات بشأن عدم تمويل المشاريع النفطية الجديدة.