وصل أب وابنه المستشفى، كلاهما مريض وتظهر عليه أعراض كوفيد-19. أدخل الطاقم الطبي الوالد المسن الذي كان في السبعينيات من العمر إلى وحدة العناية الفائقة في المستشفى الرئيسي في مدينة عفرين شمال غربي سوريا ووصلوه بجهاز الأوكسجين وأجهزة دعم الحياة.
بعد ساعات، ساءت حالة ابنه، ورُبط هو الآخر بأجهزة الأوكسجين، فيما استلقى الاثنان جنباً إلى جنب في جناح العزل.
ساعدت سرعة التدخل [في إنقاذ] الوضع، فنجا الأب، فيما قضى الابن بالمرض، في واحدة من مآسي جائحة لم تسلم منها بقاع الأرض التي اجتاحتها الحروب فابتُليت بالأساس بالموت واليأس.
"لا شك أنك تشعر بالألم"، كما يقول الدكتور مازن العمري، الطبيب المُشرف على قسم كوفيد في مستشفى عفرين، وهو من بين المنشآت الطبية التي تعالج حالات الإصابة بفيروس كورونا في شمال سوريا.
ويضيف "منذ سنة، لم تكن لدينا الخبرة التي نتمتع بها الآن في التعامل مع كوفيد. شعرنا بالخوف. كان من المرعب التعاطي مع هذه الحالات في وقت تعذر علينا فهم طريقة انتشار الفيروس".
لكن بفضل التعليم عبر تطبيق زوم للفيديو وفوائد تشارك المعرفة مع الأطباء في الغرب وفي تركيا المجاورة، تمكن الأطباء في سوريا من التعامل مع موجات متعددة من كوفيد-19.
إنما خلال زيارتين نادرتين نظمتهما السلطات التركية إلى أقسام كوفيد في مدينتين في الشمال السوري أخيراً، أشار الأطباء وعمال الإغاثة إلى أن نقص الأجهزة والوعي الشعبي ربما يعرقلان جهود مكافحة الجائحة.
تلوح المزيد من المشكلات في الأفق. إذ يتحضر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتصويت في الأيام المقبلة على تفويض دخول المساعدات الدولية عبر الحدود السورية الشمالية، باتجاه أجزاء من البلاد تقع خارج سيطرة الحكومة المركزية في دمشق.
تنقل مئات الشاحنات الطعام والدواء وغيرها من المواد عبر تركيا، باتجاه الشمال السوري، لكن صلاحية قرار الأمم المتحدة الذي يجيز هذه العمليات توشك على الانتهاء في 10 تموز (يوليو).
تعارض روسيا تفويض إدخال المساعدات لأن ذلك يقوض سلطة عميلها [حليفها]، الحاكم السوري المستبد بشار الأسد. لكن الخبراء يحذرون من أن منع وصول الأمم المتحدة مباشرة إلى المناطق السورية الواقعة تحت حكم المعارضة في سوريا سيخلف عواقب وخيمة.
وجاء في بيان أصدره الأسبوع الماضي مسؤولو إغاثة في الأمم المتحدة "ندعو إلى تجديد تفويض مجلس الأمن للعمليات العابرة للحدود بين تركيا وشمال غربي سوريا. وعدم تجديده سيوقف في الحال عمليات الأمم المتحدة لإيصال الغذاء ولقاحات كوفيد-19 والإمدادات الطبية الحيوية وتأمين المأوى والحماية والمياه النظيفة والصرف الصحي، وغيرها من المساعدات الضرورية لإنقاذ حياة 3.4 مليون شخص من بينهم مليون طفل".
إن منع مسؤولي الأمم المتحدة من الوصول المباشر إلى شمال سوريا يرفع من كلفة الإمدادات ويُطيل وقت توصيلها، كما أنه يعرض سائقي الشاحنات وعمال الإغاثة للخطر.
وقالت سعاد جرباوي من منظمة الإغاثة، "فيلق الرحمة" (Mercy Corps)، خلال إحاطة إعلامية أخيراً مع مجموعة من المراسلين الصحافيين الدوليين "إن القاسم المشترك [في الأزمة] هو نقص الإمدادات- معدات الوقاية الشخصية والأوكسجين والمستلزمات الطبية".
وأضافت "ثقة الناس باللقاح هي الأهم. وفي شمال شرقي سوريا، ما من وضوح بشأن حملة اللقاحات ولا من سيقدمها، وهذا ما يثير القلق ويغذي نظريات المؤامرة".
ولحسن الحظ يبدو أن وضع [انتشار] فيروس كورونا تحت السيطرة تقريباً في الوقت الحالي.
ربما ساعد انعزال سوريا نسبياً عن بقية العالم في جهود مكافحة كوفيد. فالحدود مغلقة كلياً تقريباً. وما زال التنقل بين الجيوب التي تسيطر عليها الفصائل المتناحرة صعباً. وقال العماري في عفرين إن الموجة الأخيرة انحسرت، مما أعطى الأطباء والعاملين في الإغاثة وقتاً من أجل إعداد العدة لمواجهة متحور جديد أو تعاظم أعداد الإصابات. وكشفت الإحصاءات التي جمعتها جامعة جونز هوبكينز تراجع الإصابات على نطاق البلد منذ بلوغها الذروة في أبريل (نيسان).
ويقول "لقد جهزنا قسماً خاصاً لحالات كوفيد ولكننا بحاجة فعلية للأوكسجين".
في مستشفى مدعوم من تركيا في تل أبيض، استلقى مريض واحد يُشتبه بإصابته بكوفيد على سرير داخل قسم العزل، وهو يتلوى في محاولة للتنفس. وتُرسل أصعب الحالات وأكثرها تعقيداً عبر الحدود إلى المستشفيات التركية.
وأوضح إبراهيم حسين، وهو طبيب انتقل إلى المدينة آتياً من دير الزور أن 70 في المئة من الذين يخضعون للفحص في النهاية يتبين أنهم مصابون، ونبه من أن الناس يتجاهلون الإجراءات الوقائية الأساسية مثل النظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي.
قلة من الناس في الشوارع والأسواق كانت تضع كمامات الوقاية. خلال زيارة لسوق عفرين الشعبي المخصص للمشاة فقط، لم يكن أي زبون أو صاحب محل يضع كمامة أو يبدو عليه أنه يحترم إجراءات التباعد الاجتماعي. ويقول بهجت بطال، صيدلي في عفرين يبلغ من العمر 74 سنة، إن المرضى غالباً ما يقصدون متجره في البداية عندما يمرضون، وهو يعطيهم عقار الباراسيتامول وفيتامين ج [سي].
ويضيف "كما ترى، لا أحد يضع كمامة، ولذلك أنا لا أضعها أيضاً".
وحذر حسين، الطبيب في تل أبيض، من أن أعداداً كبيرة من الحالات لا تُسجل في قرىً معزولة نائية عن المستشفيات.
وقال "نواجه عدداً كبيراً جداً من الحالات بسبب قلة الوعي. فهم لا يتخذون أي نوع من التدابير في سبيل التصدي لفيروس كورونا".
بدأت للتو حملة تطعيم، وسوف يكون الأطباء والممرضون والطاقم الطبي من أوائل الأشخاص الذين يتلقون اللقاح. والتردد كبير، والدعاية المناهضة للتطعيم تتدفق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول العمري، الطبيب من عفرين "ترسل الأمم المتحدة اللقاحات لكن العديد من الناس يرفضون التطعيم. وحتى أولئك المعرضون للخطر بسبب إصابتهم بأمراض أخرى خائفون بسبب الأنباء التي يسمعونها".
وضربت الجائحة المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة النظام بقوة.
رسمياً، أُعلن عن إصابة 25 ألف شخص بالفيروس، فيما قضى 1800 شخص بسببه، لكن معظم الخبراء يُجمعون على أن الأرقام أعلى بكثير. وقد تعرضت البنية التحتية للرعاية الصحية في البلاد للدمار بسبب حرب امتدت عشر سنوات، أطلقت شرارتها محاولات نظام الأسد لقمع حركات المعارضة الاحتجاجية بعنف. وقصفت القوات الموالية للأسد المستشفيات والعيادات بشكل دوري.
قالت الولايات المتحدة إنها ستخفف العقوبات التي قد تعيق إيصال المساعدات الطبية المرتبطة بالجائحة، وتعهدت روسيا بتزويد الأسد باللقاحات، فيما تتمتع الأمم المتحدة بحرية العمل في المناطق الواقعة تحت سيطرة الأسد وأعوانه في البلاد.
لكن مسؤولي الإغاثة يخشون أن تُحرم المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار السابقين أو القوات التي يقودها الأكراد والتي تنحو نحو الاستقلال [الإدارة الذاتية]، من الموارد. حذر مسؤولو الصحة في الشمال الشرقي للبلاد هذا الأسبوع من ارتفاع مفاجئ في الحالات الجديدة، بما في ذلك داخل مخيم الهول حيث تُحتجز عائلات مقاتلي "داعش" السابقين.
وقالت جرباوي "إلى الآن، لا يسعنا أن نعلم علم اليقين كم يبلغ معدل حالات كوفيد في سوريا. نشعر حرفياً بأننا نكافح جائحة بالباراسيتامول. هل الناس معرضون للخطر؟ لا شك في ذلك".
© The Independent