أعادت حادثة العنف التي شهدها البرلمان التونسي أخيراً إلى الواجهة السياسية، قضية علاقة كتلة "ائتلاف الكرامة" بحركة النهضة، ودور هذه الكتلة في امتصاص صدمات "إخوان تونس"، إذ اعتبر متابعون للشأن العام وأطراف سياسية، أن ما أقدم عليه نائب "ائتلاف الكرامة" الصحبي صمارة من لَكم وضرب لرئيسة كتلة الحزب "الدستوري الحر" المعارض عبير موسي، أمر دُبر من أجل حَرف انتباه الرأي العام عن الحقائق التي كشفتها هيئة الدفاع في قضية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي المتعلقة بتورط "النهضة" في ملفات إرهاب.
ويُشار إلى أن "ائتلاف الكرامة" الذي يضم 21 نائباً هو تحالف سياسي وانتخابي تأسس في فبراير (شباط) 2019، ويجمع عدة شخصيات سياسية ومستقلة، إلى جانب أحزاب سياسية أخرى تُعرف بتوجهها الإسلامي، وهو إحدى الكتل البرلمانية الداعمة لحكومة هشام المشيشي، مع "حركة النهضة" وحزب "قلب تونس". ويصف الطيف السياسي في تونس كتلة "ائتلاف الكرامة" في مجلس النواب بأنها "مصاص الصدمات، أو صمام أمان لحركة النهضة".
دور في البرلمان
اعتبر النائب عن "التيار الديمقراطي" هشام عجبوني أن "حادثة العنف التي أقدم عليها أحد نواب ائتلاف الكرامة أتت بإيعاز من حركة النهضة، حتى تغطي على الحقائق التي كشفتها هيئة الدفاع في قضية شكري بلعيد ومحمد البراهمي بخصوص الاغتيالات السياسية والتستر على قضايا الإرهاب".
مع هذا كان رئيس البرلمان راشد الغنوشي اعتبر ما قام به النائب سمارة ضد النائبة موسي، "مشيناً ومداناً ولا يقبل أي تأويل".
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قال في وقت سابق، إنه كان يعلم جيداً أنه "تم ترتيب هذه العملية منذ ثلاثة أيام".
في المقابل، كان حضور النائب صمارة باهتاً في البرلمان قبل اعتدائه على موسي، زميلته السابقة في "التجمع الديمقراطي" المحلول بعد الثورة مباشرة، وهو حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وفي هذا الصدد يقول رفيق درب صمارة السابق، الصحافي الهادي الرداوي إن "الصحبي من أحسن وألمع مَن كتبوا لانتفاضة الحوض المنجمي في عام 2008، وكانت كتاباته تزين جدران الاتحاد المحلي للشغل بالرديف جنوب تونس. تقاسمت معه رغيف الخبز". وأضاف، أن "صمارة كان فقيراً ولا أعرف كيف أصبح في رخاء. وآخر لقاء لي معه كان في أوائل عام 2010".
وتابع الرداوي أن "الصحبي أوجع نظام بن علي بكتاباته على صفحات صحيفة "مواطنون" المعارضة، وكان ينتظر نهاية كل شهر ليحصل على بضعة دنانير، كأجرة شهرية قد تأتي أو لا تأتي، وكان وقتها في أمس الحاجة لأي مساعدة. حاول ولم يلتفت له أحد، إلى أن التفت له أحد رجال بن علي وعرف كيف يستدرجه عبر نقطة ضعفه فساعد عائلته. وانطفأت شعلة الصحبي بين أحضان المنظومة السابقة". وواصل الرداوي "لم يكن أحد يهتم أو يحاول منع الصحبي من الانضمام إلى منظومة بن علي، إلا أنه لم يصمد، ولا شيء يبرر أن يكون بيدقاً، ولكن ظروفه كانت قاهرة".
الطبيعة تأبى الفراغ
وحاولت "اندبندنت عربية" الاتصال بالصحبي صمارة لكن دون جدوى، فتوجهنا بالحديث إلى زميله في الكتلة النائب عبد اللطيف العلوي الذي قال بخصوص اتهام "ائتلاف الكرامة" بلعب دور من أجل إنقاذ "النهضة"، إن "هذا لا يستحق حتى الرد عليه"، منتقداً قول رئيس الجمهورية، إنه كان لديه علم بالحادثة قبل وقوعها بثلاثة أيام، فسأل "إذا لديه علم لماذا لم يتحرك باعتباره مسؤولاً عن الأمن القومي وعن مؤسسات الدولة؟". وأضاف العلوي "مَن يتهموننا بأننا صمام أمان أو ممتص صدمات للنهضة هم نفسهم مَن يلعبون هذا الدور لصالح رئيس الجمهورية"، مواصلاً "هذا من باب مَن يلقي عليك التهم التي هي فيه".
واعتبر العلوي أن "المؤتمر الصحافي الذي عقدته هيئة الدفاع في قضية اغتيال البراهمي وبلعيد، مثله مثل غيره من المؤتمرات التي لم تأت بجديد سوى محاولة تعتيم الوضع"، مشيراً إلى أن "هذه الهيئة يتم استثمارها مرة مع الراحل الباجي قائد السبسي، عندما كان في صراع مع النهضة، واليوم تُستعمل لصالح قيس سعيد أيضاً ضد النهضة. هيئة الدفاع تقول أكاذيب رد عليها الجميع، ولا نحتاج إلى توجيه الرأي العام على ما تقوم به".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بخصوص حادثة العنف تحت قبة البرلمان، فقال نائب "ائتلاف الكرامة"، إن "العنف الأصلي هو تعطيل أشغال البرلمان من طرف عبير موسي منذ سنتين، وكل ما يأتي بعد ذلك هو في خانة ردود الأفعال. ما فعله صحبي صمارة كان سيحدث اليوم أو غداً، لأننا طالبنا بكل الطرق القانونية والشرعية لإيقاف هذا العبث والتدمير والخراب من طرف موسي وحزبها، لكن لا حياة لمن تنادي. الإدانة يجب أن تكون على الفعل الأصلي، وأنا لا أدين ما قام به صمارة، على الرغم من أنه خطأ دُفع إليه بعد استنفاد كل الطرق الأخرى"، مضيفاً أن "الطبيعة تأبى الفراغ وإذا لم يتحرك القانون ستتحرك دولة الغابة، وتتحرك الغرائز بعد أكثر من سنتين من الاستفزاز والتعطيل من قبل كتلة الدستوري الحر، ونحن نواب دولة القانون لن نسمح بتعطيل هذا المجلس".
من جهته، قال مساعد رئيس البرلمان المكلف الإعلام ماهر مذيوب، وهو نائب مستقل عن "كتلة النهضة"، إن "من يقول إن الحادثة منظمة من أجل تغيير اتجاه الرأي العام، يتفوه بالهراء"، متسائلاً "عن علاقة أن يعتدي نائب بالعنف على نائبة، في مؤتمر صحافي لهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي"، مؤكداً أن "المؤسسة البرلمانية مؤسسة حية تعمل تحت الأضواء على مدار اليوم والسنة، يتابع أشغالها 900 صحافي معتمد، و300 إعلامي تابعين لمؤسسات إعلامية أجنبية، إضافة إلى المجتمع المدني والمنظمات التي تراقب المؤسسة البرلمانية".
وواصل مذيوب "ما حدث من عنف تجاوز أخرق وخطير ونددنا بهذا كمكتب البرلمان"، مؤكداً "سنجتمع، الاثنين، وسنناقش نقطة واحدة، وهي العنف داخل المجلس وطريقة ردع مرتكبيه".
الابن المدلل
من جانبه، عبر الكاتب السياسي صغير الحيدري عن اعتقاده بأن "ائتلاف الكرامة هو الابن المدلل لحركة النهضة، وهو ذراعها الذي يقوم بمهمات لا يمكن أن تقوم بها الحركة، لاعتبارات تمس بصورة قامت الحركة لسنوات ببنائها، بخاصة في ما يتعلق بما تسميه، فصل الدعوي عن السياسي، وهي مراجعات كانت تحت إكراهات الداخل والخارج". وأضاف "نعرف أنه لا يمكن أن تبرهن للشركاء الغربيين أنك مدني، وأنت تضم عناصر متطرفة، لا يمكن أن تقنع هؤلاء بأنك قادر على الحكم وأنت تضم قيادات تدعو علناً للقتال في المناطق التي تمثل بؤر توتر". وزاد الحيدري "نتذكر جيداً وجود وجوه متطرفة في النهضة من صف الصقور الذين كانوا لا يترددون في إطلاق تصريحات قوية ضد الخصوم ويحرضون ضدهم. نتذكر جيداً تكفير النائب منجي الرحوي تحت قبة المجلس التأسيسي، نتذكر التحريض ضد بلعيد والبراهمي من قبل هؤلاء. النهضة صنعت ائتلاف الكرامة لتعويض تلك القيادات. نفس المهمات يقوم بها هؤلاء، اعتداءات على المعارضين، تكفير، وتخوين واتهامات بالعمالة للثورة المضادة لكل مَن يخالفهم الرأي".