لقي فتى برينت [رحيم ستيرلينغ] كثيراً من الاستحسان، طبعاً. مع انتقال منتخب إنجلترا إلى دور ربع النهائي لبطولة كأس الأمم الأوروبية 2020، فإن رحيم ستيرلينغ، الفتى الذي نشأ في أفياء ملعب ويمبلي، هو الذي توج أحدث بطل للأمة الإنجليزية. سجل رحيم ثلاثة أهداف في أربع مباريات. وأكثر من ذلك، كان أداؤه ساحراً وبهجة للعين. حتى أن مشاهدة ستيرلينغ بذروة تألقه تجعلنا نفهم سبب إطلاق لقب "اللعبة الجميلة" على كرة القدم.
لكن في جنوب يوركشاير، حيث أقيم وأعمل مراسلاً لـ"اندبندنت" في شمال إنجلترا، فإن من اجتذب الانتباه هذا الصيف هم لاعبون آخرون.
جون ستونز، وهاري ماغواير، وكايل والكر، يشكلون الثلاثي الجبار لخط الوسط المتأخر، الذي كبح جماح ألمانيا في المباراة التاريخية، الثلاثاء الماضي، والتي انتهت بانتصار إنجلترا 2-0. والأمر الواحد المشترك بين أولئك اللاعبين– إضافة طبعاً إلى ضراوتهم الخالصة– يتمثل في أنهم ولدوا وترعرعوا في بقعة ضيقة صغيرة واحدة من هذه البلاد. إذ إن ستونز من بارنسلاي، وماغواير ووالكر من شيفيلد.
أو إذا أردنا قول الأمر بطريقة مختلفة، فإن ربع أفراد المنتخب الإنجليزي نشأوا في جزء من إنجلترا حيث لا يباعد بين واحدهم والآخر أكثر من 15 ميلاً. حتى إن اثنين منهم ولدا في نفس المستشفى.
والأمر مدهش إذ يفكر فيه المرء على هذا النحو. مدهش، لكنه ليس غريباً في الحقيقة. ففي بطولة العالم 2018، ستة أفراد من المنتخب الإنجليزي– ستونز، ماغواير، ووالكر، كذلك غاري كاهيل، وجايمي فاردي، وداني روز– تحدروا من منطقة مدينة شيفيلد.
إذن قد يتساءل المرء: ماذا يضع أولئك اللاعبون في "شاي يوركشاير" الذي يحتسونه (ما خلطتهم السحرية)؟
وقد تملكني هذا السؤال تماماً، ما جعلني أقضي بعض الوقت خلال السنوات الثلاث الماضية محاولاً تحريه. ولم أتهاون في طرق أبواب مختلف الخبراء– من أكاديميين، ومدربين، ووزراء سابقين– لسؤالهم عن الذي يجعل منطقة صغيرة واحدة تنتج كل هذه الروعة الكروية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجواب؟ يبدو أن الأمر بمجمله مرتبط بتاريخ المنطقة التي كانت موئلاً لمناجم استخراج الفحم القديمة ومصانع الصلب (الحديد). حقاً [فعلاً الأمور على هذه الحال].
وعن هذا شرح لي مارتن تومز، الأستاذ المحاضر في كلية الرياضة بجامعة بيرمنغهام، قائلاً "ما أحاط بتلك الصناعات كان فرق رياضية مرتبطة بها، ومقتدرة وحسنة الإدارة على نحو مذهل". تابع "وأمنت تلك الفرق تجهيزات مهمة وروحية تنافس ومنشآت ومرافق ممتازة. ما يعنيه هذا الأمر اليوم هو أنه بات لدينا منطقة انزرعت فيها الرياضة – والروعة الرياضية – في "دي أن إي" (الحمض النووي) [عامة الناس]. وذاك في مثابة نظير ثقافي تكويني مشع".
وأيضاً، على نحو يعتد به، فقد غرست تلك الصناعات في النفوس إيماناً بالعمل الدؤوب، بمعنى أن الموهبة لا تمثل سوى أمر شكلي إن لم يغذها المرء [ويقرنها بالتدريب والتمرين].
في السياق ذاته يقول ترافيس بينيون، الذي كان مديراً لأكاديمية شيفيلد المتحدة قبل أن يغدو اليوم في نادي مانشيستر يونايتد ويعمل مع اللاعبين، إن "الشبان الذين أمامنا اليوم– وهذا ينطبق على كايل وهاري– لديهم الموهبة، لكنهم يُقبلون على العمل وبذل الجهد. فأهلهم كدحوا في عملهم، وقد زرعوا تلك النزعة في شخصيات أولادهم".
وما خلاصة ما تقدم؟ إن عادت لعبة كرة القدم فعلياً إلى موطنها هذا الصيف (أي إن فازت إنجلترا بكأس الأمم الأوروبية)، فإن الفضل بهذا قد يعود إلى أن النجاح كان، منذ زمن بعيد، قد صيغ في أفران الصلب ومناجم الفحم في جنوب يوركشاير.
كل الوفاء،
كولين دروري
مراسل شمال إنجلترا
© The Independent