تخطو الثلاثينية فاطمة محمد نحو مدخل سوق استثنائية، آملةً في أن تعقد صفقة بيع معدات بيتها، الذي راكمت مستلزماته طيلة عقد من الحياة الزوجية، ولم تعد بحاجة إلى غالبيتها، بسبب يمين الطلاق الذي رماه عليها زوجها.
تعرض السيدة التي طُلقت قبل أسابيع بضاعتها على تاجرات مطلقات في سوق خاصة في العاصمة الموريتانية يُطلق عليها سوق المطلقات.
سوق مختلفة
يذهب غالبية أهل البلد إلى سوق المطلقات من باب حب الاستكشاف، فغرائبية التسمية تدفع أفواجاً من سكان العاصمة لاختيار هذه السوق المختلفة للتبضع.
وبحسب المتخصص في علم الاجتماع، أحمد سالم عابدين، فإن فكرة السوق بدأت "من العادة الثقافية التي بموجبها تأخذ المطلقات متاعهن من بيت الزوجية بحسب العادات والتقاليد. ومع ضغط المدينة الحديثة وصعوبة الاقتصاد والاتجاه نحو الأسرة النووية الذي باتت تنتهجه بعض الأسر، تغير الأمر، فلم تعد المطلقات تذهبن دائماً بمتاعهن إلى بيوت أهلهن نتيجة ضيق تلك البيوت، أو بسبب فردانية بعض الأسر قررت بعض المطلقات بيع ذلك الأثاث، وهكذا بدأت فكرة السوق أساساً".
إقبال منقطع النظير
تعرض زينب سيدي بضاعتها في محلها الواقع في الركن الغربي من السوق، بضاعة تتنوع بين المفروشات المستعملة والأواني المنزلية وقطع الديكور مختلفة الألوان والأحجام. إقبال المتسوقين لا يترك وقتاً كبيراً لزينب أن تستعرض "بعضاً من تاريخ السوق؛ وعلى الرغم من ذلك نظفر بنزر من وقتها لتحكي لنا قصة السوق الأشهر في العاصمة".
تقول، "كل ما يعرض في سوق المطلقات، مصدره زوجات وقع عليهن الطلاق، يبعن ما كان يوجد ببيت الزوجية، خاصة اللوازم المنزلية الفائضة عن حاجتهن".
تتذكر زينب بدايات نشأة السوق بكثير من الفخر المشوب بالحنين لصعوبات الانطلاق، "افتتحت محلي قبل عقدين من الزمن، كن مجموعة مطلقات يبحثن عن مصدر دخل محترم لإعالة أطفالهن الذين تركهم آباؤهم ورحلوا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تضيف زينب، "اهتدينا إلى هذه الفكرة، وجذبنا كثيراً من الزبائن بسبب أسعار بضاعتنا التي تنافس الأسواق الأخرى، ولجودتها العالية".
نسب طلاق مخيفة
تُنذر أرقام الدراسات الاجتماعية في موريتانيا بقلق محدق بمستقبل الأسرة في بلد يحتل المرتبة الأولى عربياً في نسب الطلاق، حيث تتجاوز النسبة 31 في المئة من حالات الزواج، وعادة ما يحدث الانفصال في 60 في المئة منها في السنوات الخمس الأولى من الزواج.
ويرى المتخصص في علم الاجتماع أن هذه السوق "لا تعكس حجم ظاهرة الطلاق في البلد من الناحية الكمية، لكنها تعكسها من الناحية الكيفية، حيث توجد بها المطلقات من مختلف الأعمار والشرائح والإثنيات، كما توجد بها المطلقة للمرة الأولى، والمطلقة للمرة السابعة، أو الثامنة، إذ لا ننسى أنه ما زال في موريتانيا بعض الثقافات التي تربط قيمة المرأة بعدد طلْقاتها، كما أنه في ظل صعوبة تكاليف الزواج الاجتماعية والعوائق الثقافية والاقتصادية يتجه كثير من الرجال إلى الزواج بمطلقات لتلك الأسباب، حيث إنهن أسهل من تلك النواحي، كما أن طلاقهن سيكون أسهل في المستقبل".
تنمر مشاع
لا يخلو عمل سيدات سوق المطلقات من منغصات تفرضها إكراهات الواقع، حيث تحول التنمر إلى عملة يومية ينتشر استعمالها في جنبات السوق. ويزدهر توظيف دلالة الطلاق في الحوارات العادية بين الزبائن والتاجرات، وتكثر عبارات التنمر التي تحمل معاني سلبية في حق السيدات.
وترد التاجرة زينب سيدي على شيوع التنمر بقولها، "لا نهتم بما يقوله الآخرون عنا أو عن بضاعتنا، وجود سوقنا في مكان مكتظ يُعرضنا للاحتكاك بكثير من الناس، أغلبهم عابرون وليسوا زبائن، ويريدون أن يلفتوا الانتباه بقول أي شيء، خاصة أن الطلاق بالنسبة لهم مصدر تنكيت لا ينضب".
وتمنح الثقافة الاجتماعية في موريتانيا للسيدات درعاً نفسية لمواجهة آثار الطلاق السيكولوجية، حيث يرى أحمد سالم عابدين أن "المطلقة الموريتانية (خاصة في الثقافة الحسانية عكس الزنجية) لا تشعر بذلك "التأنيب" التي تشعر به المطلقات الأخريات، بل إن المطلقة هنا تأتي إلى الزواج حاملة معها بطاقة طلاقها انطلاقاً من المثل الذي يقول "أغلى ما في زواج شخصين هو انفصالهما لاحقاً. كما أن هذا المطلقة ومحيطها يستقبلان خبر الطلاق مهما كانت قسوته ووقعه عليهما بالزغاريد وإقامة الولائم كنوع من التخفيف النفسي عن المطلقة".
وعلى الرغم من أن السوق تجاوز عمرها اليوم عقدين من الزمن، فإنها ما زالت عنواناً ثابتاً في أجندة متسوقي العاصمة، وتجذب آلاف الزبائن الذين يكتشفون مزايا سوق تختلف عن باقي أسواق موريتانيا.