تعتزم الحكومة المغربية إصدار مجموعة من الإجراءات لتنظيم المحتوى الرقمي، إضافة إلى مطالبة عمالقة الإنترنت كشركتي "غوغل" و"فيسبوك" بضرائب مقابل استفادتها من حيز كبير من عائدات الإعلانات على الإنترنت، إذ تهيمن الشركتان على ثلثي ذلك المجال.
مسألة جدية
تسعى الحكومة المغربية بشكل جدي لفرض ضرائب على الشركتين، وقال محمد الخلفي الناطق باسم الحكومة إن بلاده تأخد الأمر على محمل الجد، والوزارات المعنية بالأمر تعكف حالياً على دراسة طرق تطبيق قانون جديد يهدف إلى حماية البيانات الشخصية للمغاربة على الإنترنت، إضافة إلى إطلاق نظام إقتصادي رقمي كما هو مُعتمَد في العديد من الدول. وأضاف أن الحكومة شرعت في عام 2016 بدراسة هذا الأمر في العديد من القطاعات التابعة، ودرست بعض الخبرات الدولية في هذا الصدد. في هذا المجال، أنشأت الحكومة المغربية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لجنةً تضم الإدارة العامة للضرائب ومكتب الصرف تعمل على "تعقب المعاملات المالية والتجارية للشركتين، لتحضير الآليات الإدارية لمطالبتهما بتصحيح وضعهما القانوني، بغرض استرداد ما بذمتهما لفائدة الحكومة المغربية". ويريد المغرب أن يقتدي بتسع دول تستخلص ضرائب من الشركتين، من بينها دول أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة وإندونيسيا وأستراليا، في حين جنت إيطاليا 306 مليون يورو من عائدات تلك الضرائب عام 2017.
مطلب مشروع
ويقول الخبير الاقتصادي محمد ياوحي إنه يجب على بلاده اتخاذ قرارات حازمة للحصول على مستحقاتها الضريبية المشروعة من الشركتين الأجنبيتين، وإن سعي المغرب وراء مصادر لتمويل الخزينة العمومية، عبر فرض ضرائب على "غوغل" و"فيسبوك"، يُعد نقطة إيجابية وجيدة، معتبراً أن عدم أداء الشركتين لرسوم ضريبية للمملكة يدخل في إطار المنافسة غير الشريفة، وموضحاً أن وكالات الإعلان المحلية تؤدي ما بذمتها من ضرائب.
مداخيل الإعلانات
في المقابل، ترى الخبيرة الاقتصادية مريم شرقاوي في حديث لـ "اندبندنت عربية" "أن الأرقام التي يتحدث عنها مهنيو قطاع الإعلانات في المغرب تشير إلى أن إجمالي الاستثمار في شراء المساحات الرقمية يناهز 500 مليون درهم (حوالى 50 مليون دولار) وتستحوذ على 68 في المئة منه اثنتان من كبرى الشركات الرقمية متعددة الجنسيات (غوغل وفيسبوك)، وإذا ما طبقنا نسبة ضريبية على رقم المعاملات التي تقدر بـ 3 في المئة التي تعتمدها فرنسا مثلاً (2 في المئة بإنكلترا)، نجد أن الدخل المنتظر من جباية هاتين الشركتين يناهز 10 ملايين درهم (حوالى مليون دولار). وتضيف شرقاوي أن "هذا الرقم سيرتفع بالضرورة، إذا ما أدرجنا في رقم المعاملات مداخيل أنشطة بيع البيانات الشخصية لمستعملي المواقع الإلكترونية التي تديرها الشركتان ومداخيل أنشطة موازية أخرى، وإذا ما أخدنا إجمالاً في الاعتبار المداخيل التي تحققها شركات رقمية كبرى موجودة كذلك في المغرب". ويعتبر سمير بنمخلوف المدير العام السابق لفرع شركة "مايكروسوفت" في المغرب، أن الشركتين تجنيان مداخيل ضخمة من سوق الإعلانات في تلك الدول بالمقارنة مع ما تجنيه في المغرب من مداخيل صغيرة".
إشكاليات
وخلُصت الخبيرة الاقتصادية إلى أن مسألة فرض الضرائب على كبرى الشركات الرقمية تثير مجموعة من الإشكاليات، منها ما يتعلق بعدم وجود مقر دائم لهذه الشركات الرقمية متعددة الجنسيات في المغرب، وبالتالي ما يشكل عائقاً أمام إخضاعها للضريبة على أرباح الشركات، إضافة إلى مسألة تعقّد آليات إحصاء المعاملات الخاضعة للضريبة بالنظر لطبيعتها اللامادية.
يوافقها بنمخلوف الرأي، إذ يرى أنه من غير المعقول مطالبة شركات لا وجود لفروع لها في المغرب بضرائب في إطار القانون الضريبي المحلي، وشبّه الأمر بقنوات التلفزة الأجنبية التي يشاهدها المغاربة وتبث الإعلانات على مدار الساعة والتي لاتخضع بدورها لهذا القانون. وأضاف أن الدول التسع التي تفرض ضرائب على تلك الشركات تملك فروعاً فيها، وبالتالي لا يتشابه موقف المغرب مع تلك الدول الذي يريد الاقتداء بتجربتها في هذا الاتجاه.
عقبة سياسية
وتضيف مريم شرقاوي أن هناك إشكالية أخرى وهي سياسية إلى حد ما، على اعتبار أن الشركات الكبيرة تقدم خدمات ذات حمولة تكنولوجية مهمة تتمتع من خلالها بموقع الريادة على المستوى العالمي، وبالتالي أي محاولة لتنظيم نشاط هذه الشركات يجب أن تتم في إطار من التوافق لضمان استمرارية الخدمات المقدمة من جهة، وأملاً في تشجيع هذه المؤسسات على الاستثمار المباشر في المغرب من جهة أخرى، إضافة إلى ان هذه الشركات يقع مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة وتحظى بدعم كبير من هذه القوة العالمية. وتالياً، فإن أي محاولة لفرض الضرائب تتطلب بلا شك مجهوداً ديبلوماسياً من المغرب.