مع زيادة الحملات من الجهات الرسمية على عمليات العملات المشفرة، مثل "بيتكوين" وغيرها، يتم ابتكار سبل جديدة للالتفاف على تلك الحملات. ويتهم كثير من المسؤولين في الدول الغربية العملات المشفرة بأنها وسيلة لغسل الأموال والتهرب الضريبي، بل إن بنك التسويات الدولية، الذي يعد بمثابة البنك المركزي لكل البنوك المركزية الوطنية حول العالم، اعتبر "بيتكوين" والعملات المشفرة أداة رئيسة للجرائم المالية، مثل غسل الأموال، وتمويل الإرهاب.
وبثت شبكة "سي أن بي سي" الأميركية تحقيقاً مطولاً عن شركة أميركية تعمل أساساً على تسهيل حصول أصحاب الثروات من العملات المشفرة على جواز سفر لبلد آخر، يوفر إعفاءً ضريبياً لتجنب دفع الضرائب في بلدهم. وأغلب زبائن الشركة من الأميركيين والبريطانيين والأستراليين والكنديين. ونشاط الشركة واضح من اسمها "بلان بي باسبورت" (أي: جواز سفر الخطة البديلة).
صاحبة الشركة هي كاتي أنانينا، روسية تبلغ من العمر 26 عاماً، تمكنت من الحصول على "غرين كارد" في الولايات المتحدة قبل سنوات قليلة، بفضل كونها من بطلات سباق القوارب الشراعية عالمياً. وتقول إن اهتمامها بعملة "بيتكوين" المشفرة بدأ عام 2015، حين كانت في إسبانيا ضمن فرق المنتخب الوطني الروسي لسباقات القوارب الشراعية. ووقتها انخفضت قيمة الروبل الروسي بمقدار النصف تقريباً (هبوط سعر الصرف بنسبة 50 في المئة) خلال الشهرين الذين قضتهما في إسبانيا.
وحين قبل طلبها للإقامة في أميركا لم تكن تتحدث الإنجليزية تقريباً، أما الآن فشركتها تعمل بشكل وثيق مع برامج منح الجنسية لأغراض استثمارية في بلدان عدة، وتتعامل مع مليونيرات المشفرات من الدول التي تحصل ضرائب عن تلك الثروات.
ملاذات ضريبية
وتقول شبكة "سي أن بي سي" في تقريرها، إنه لا يمكن اعتبار كاتي أنانينا من المتحمسين لـ"بيتكوين"، أي أولئك الذين لديهم قناعة قوية بأن العملة المشفرة هي المستقبل المالي على حساب النظام المالي التقليدي، لكنها من المقتنعين بأنه ليس من حق الدولة تحصيل ضريبة على ما يراكمه المرء من ثروة نتيجة تصرفه بذكاء.
وتعمل شركتها، بالتعاون مع السلطات في سبع دول مشهورة بأنها ملاذات ضريبية. تلك الدول هي: سانت كيتس أند نيفيس، وأنتيغا أند باربودا، والدومينيكان، وفانيواتو، وغرينادا، وسانتا لوسيا، والبرتغال، وتمنح تلك الدول جنسيتها لمن يستثمر فيها ما بين 100 ألف و300 ألف دولار على شكل منحة لمشروعات أو شراء سندات دين حكومي أو شراء عقار.
في مقابلة مع "سي أن بي سي" يقول المحامي إرنست ماريس، من شركة "أندرسن" للمحاماة في القضايا الضريبية العالمية، إن هناك فارقاً بين التهرب الضريبي وتجنب دفع الضرائب. فالأولى تهمة قانونية، أما تجنب دفع الضرائب فليس جريمة طالما تم بطرق شرعية. ويعني التهرب، تعمد صاحب الثروة إخفاء دخله عن مصلحة الضرائب والسلطات الرسمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف المحامي، "إنها طريقة لجذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً في الدول التي ليس لديها كثير من الموارد الطبيعية... وتعرف بأنها ملاذات ضريبية أو تسمى مراكز مالية دولية". ويضرب ماريس مثلاً بإحداها فيقول، "يمكنك الحصول على جنسية سانتا لوسيا بأن تدفع 100 ألف دولار في شكل منحة، أو تشتري سندات دين حكومي بقيمة 250 ألف دولار، أو تشتري عقار بقيمة 300 ألف دولار".
وتقول كاتي أنانينا صاحبة شركة "بلان بي باسبورت"، إن عملاءها يتكلفون ما بين 130 و180 ألف دولار للحصول على جواز سفر بديل، وإن شركتها تحصل رسوماً بحدود 20 ألف دولار، هذا بالإضافة إلى رسوم ومصروفات الإجراءات الإدارية، ولا تتكلف شركاتها أي ميزانية للتسويق، فهي كما تقول تستخدم فقط موقع التواصل على الإنترنت "تويتر"، وإنها غالباً ما تكون محجوزة لثلاثة أسابيع مقبلة من قبل عملاء محتملين.
الضريبة على المشفرات
وتتعامل مصلحة الضرائب في الولايات المتحدة مع العملات الافتراضية مثل "بيتكوين" على أنها "أملاك" تحصل عليها ضريبة أرباح بنسبة من المكسب في حال بيعها. وهكذا، تفرض ضريبة على العملات المشفرة تماثل ضريبة "أرباح رأس المال" التي تحصل على تداول الأسهم أو العقارات.
ويقول جون فيلدهامر، المحامي في شركة "بيكر بوتس"، وسابقاً لدى مصلحة الضرائب الأميركية، إن الضرائب تحسب ما لها على أساس ثمن شراء العملة المشفرة من سعرها عند بيعها أو استبدالها، وتفرض أرباح رأس المال على الفارق. ويضيف، "يتم تحديد دخل أو خسائر دافع الضرائب بحساب الفارق بين سعر الأصل عند امتلاكه وعند بيعه... وإذا كان الشخص يحمل (غرين كارد) أو مواطناً أميركياً أو مواطناً أجنبياً يعيش في الولايات المتحدة، فإنه مطالب بدفع ضرائب على أرباحه من العملات المشفرة بغض النظر عن مكان وجوده أو وجود ثروته، ولا يهم إذا كان الشخص مزدوج الجنسية، فطالما يحمل الجنسية الأميركية فهو مطالب بدفع الضرائب عن أي دخل له في أي مكان في العالم".
لذا، كما تقول كاتي أنانينا، يخطط مليونيرات المشفرات ممن يحصلون على جنسية أخرى للتخلي عن جنسيتهم الأميركية. ويختار هؤلاء الحصول على جنسية الملاذات الضريبية التي تتمتع جوازات سفرها بحرية الحصول على تأشيرات الدخول لدول كثيرة حول العالم، وبالطبع هذا يكلف أكثر.
لكن أحد مليونيرات المشفرات الذين تحدث لشبكة "سي أن بي سي" يقول، إن تكلفة الحصول على جنسية عبر برامج الاستثمار في تلك الدول لا يمثل سوى أقل من 1 في المئة من ثروته، إنما ما قد يستحق عليه من ضرائب قد يصل إلى الملايين من الدولارات.