مع إعادة فتح الاقتصادات، ثمة مخاوف من أن يتصاعد ارتفاع الأسعار مترافقاً مع معاناة المعروض في تلبية ارتفاع مفاجئ في الطلب.
وعززت بيانات جديدة تلك المخاوف من التضخم، إذ صدرت، الأربعاء الماضي، أرقام عن "مكتب الإحصاءات الوطنية" تبين أن مقياسه في ارتفاع الأسعار المتمثل في "مؤشر أسعار المستهلك"، ارتفع إلى 2.5 في المئة في الأشهر الـ12 المنتهية في يونيو (حزيران) الماضي، من 2.1 في المئة في السنة المنتهية في مايو (أيار) الماضي.
وجاءت هذه القفزة أكبر مما توقع عديد من خبراء الاقتصاد، بل إنها الأعلى في نحو ثلاثة أعوام. وجاء ذلك بعد بيانات صدرت في الولايات المتحدة، الثلاثاء الماضي، أظهرت أن معدل التضخم بلغ أعلى مستوى له منذ 13 عاماً، مسجلاً 5.4 في المئة.
وفي المملكة المتحدة، راقب خبراء الاقتصاد أرقام يونيو الواردة آنفاً لأنها تقدم لمحة مبكرة عن أثر إعادة فتح الاقتصاد في التضخم. وتظهر البيانات وجود عقد في سلاسل الإمداد، إذ تعرقل التصنيع بفعل نواقص في رقائق أشباه الموصلات المستخدمة في الإلكترونيات والسيارات، ما رفع تكاليف السيارات المستعملة. وتكشف أيضاً كيف أثرت أسعار النفط المرتفعة في تكاليف الوقود، وأن رغبة المستهلكين في الإقامة في الفنادق وتناول الوجبات في المطاعم تعزز التضخم أيضاً.
وفي ذلك الصدد، قال كبير الخبراء الاقتصاديين المتخصصين في المملكة المتحدة في "أكسفورد إيكونوميكس"، أندرو غودوين، "إنها عاصفة كاملة من الأمور المختلفة التي تدفع معدلات التضخم إلى الارتفاع".
وفي مختلف أنحاء العالم، عملت المصارف المركزية على خفض تكاليف الديون وتخفيف الصدمات التي تتحملها اقتصاداتها وسط فترات الركود الحاد والمفاجئ الناجمة عن الجائحة. فقد خفضت معدلات الفائدة المتدنية تاريخياً بالفعل في كثير من الحالات، واشترت سندات.
واستطراداً، سعت تلك الخطوات، إلى جانب الإنفاق الحكومي على جهود مثل الإجازات المدفوعة، إلى المساعدة في إبقاء الشركات ضمن العناية الفائقة، مع تأرجح البلدان بين الإغلاق والفتح وغير ذلك من أنواع القيود.
وتتمثل المشكلة تماماً في أنه إذا كانت الاستجابة للجائحة من قبل وزارة المالية و"بنك إنجلترا"، تشكل استجابة تجريبية؛ فإن الطريق إلى الخروج من الأزمة غير معروفة أيضاً.
واستكمالاً، فمن الصعب معرفة كيف ومتى يجب وقف الدعم، إذ يتوقع "بنك إنجلترا" أن يبلغ معدل التضخم ذروته عند مستوى أعلى من ثلاثة في المئة، لكن ليس لسوى "فترة مؤقتة". في المقابل، ثمة مناقشة متنامية حول حجم المساعدة التي يتوجب على "بنك إنجلترا" أن يستمر في تقديمها من طريق خفض معدلات الفائدة إلى مستويات متدنية للغاية، وما يسمى التيسير الكمي.
في ذلك الصدد، يشير الزميل في الاقتصاد لدى معهد الشؤون الاقتصادية البحثي المتخصص في السوق الحرة، جوليان جيسوب، إلى أن "الأمر يبدو بصورة متزايدة، من قبيل إرضاء الذات". وليس وحده من يفكر على تلك الشاكلة.
ففي وقت سابق من الشهر الجاري، أجرت مجلة "موني ويك" مقابلة مع كبير خبراء الاقتصاد السابق لدى "بنك إنجلترا"، أندي هالداين، الذي أوضح أن "ثمة خطر متزايد في ألا يكون ذلك (المعدل الحالي للتضخم) يشكل الذروة [في التضخم]، بل قد نشهد قدراً أعظم من الاستمرار ومستوى أعلى من تلك الذرى. وقد يشهد العام المقبل تراكماً للضغوط على الأسعار، وليس تراجعاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطراداً، حذر هالداين من أنه إذا حدث ذلك، فقد يضطر "بنك إنجلترا" إلى التدخل ورفع معدلات الفائدة في شكل أكثر حدة مما جرى التخطيط له، ما سيؤدي إلى مفاجأة بغيضة للمقترضين الذين لم يعتادوا على زيادات كبيرة في أسعار الفائدة.
ويشكل ذلك شبحاً مخيفاً لمن لا يزالون يتذكرون سبعينيات القرن العشرين وأوائل ثمانينياته حين قفزت معدلات التضخم ثم رفعت معدلات الفائدة رداً على ذلك، فكانت بمثابة المكبح اليدوي الذي تستخدمه المصارف المركزية لمحاولة احتواء التضخم، وهذا يعني ارتفاع معدلات الاقتراض للمستهلكين ورهوناً عقارية مكلفة. فقد بلغ معدل الفائدة الرئيس لدى "بنك إنجلترا" 17 في المئة سنة 1979، إذ سعى المصرف إلى مواجهة الضغوط التضخمية.
في المقابل، لا تزال الطريق طويلة قبل أن نصل إلى أي شيء أشبه بالتضخم الذي تجاوز 10 في المئة في سبعينيات القرن العشرين، حتى لو توقع بعض الأكثر تشاؤماً أن يصل التضخم إلى أربعة إلى خمسة في المئة في الأجل المتوسط.
ومن تلك الوجهة، يعتقد كبير الخبراء في اقتصاد المملكة المتحدة لدى "كابيتال إيكونوميكس"، بول داليس، بأن التضخم قد يرتفع إلى أربعة في المئة مع حلول نهاية العام، لكن الارتفاع "سيكون قريب الأجل، ولا نتوقع من "بنك إنجلترا" أن يشدد سياسته (يرفع أسعار الفائدة) في أي وقت قريب".
في المقابل، ثمة أمر مؤكد يتجسد في أن بيانات التضخم ستسلك طريقاً وعرة في الأشهر المقبلة. لقد جاءت ارتفاعات الأسعار متقلبة السنة الماضية، مع ارتفاع الطلب على البضائع والخدمات وهبوطه، اعتماداً على القيود المرتبطة بالجائحة. ومثلاً، حينما تزايد فتح الاقتصاد الصيف الماضي، ارتفع معدل التضخم أيضاً.
وكذلك يذكر غودوين أن هذا التقلب قد يشوه بيانات التضخم الشهر المقبل، إذ يجعله يبدو منخفضاً في شكل مصطنع بعد احتسابه على أساس 12 شهراً. واتصالاً بذلك، لقد خفضت الحكومة ضريبة القيمة المضافة في سياق محاولة منها هدفها تشجيع المتسوقين على الإنفاق. ويحذر غودوين من أن إعادة رفع هذه الضريبة سيؤدي أيضاً إلى زيادة في بيانات ارتفاع الأسعار، ما يجعلها تبدو أعلى مما توحي به الصورة الاقتصادية العريضة.
على صعيد آخر، على الرغم من أن البيانات قد تتقلب صعوداً وهبوطاً نتيجة للتشوهات التي تسببت بها الجائحة، وتحرك رهانات الأسواق المالية، ثمة مجموعة من الأسباب التي تجعل خبراء الاقتصاد لا يتوقعون العودة المفاجئة إلى أزمات التضخم على غرار ما شهدته المملكة المتحدة في سبعينيات القرن العشرين، إذ لم تعد النقابات تتمتع بالقوة التفاوضية التي حازتها آنذاك، كي تضغط باتجاه رفع الأجور، ما يؤدي إلى رفع التكاليف أيضاً، إضافة إلى أن المنتجات التي يشتريها المستهلكون باتت أكثر تنوعاً، ما يجعل أسعار السوق أقل جموداً.
وكخلاصة، يرى غودوين أن "البيئة ليست من النوع الذي يتيح حصول ذلك التسارع خلال فترة طويلة. إذاً، يبدو الأمر بمثابة تأثير بسيط مؤقت".
© The Independent