كرر مجلس الأمن الدولي رفض رفع التجميد عن الأصول المالية الليبية في الخارج، المجمدة منذ اندلاع ثورة فبراير (شباط) 2011 ضد نظام القذافي، والتي تقدرها مصادر رسمية ليبية بما بين 160 و200 مليار دولار، موزعة على بنوك عدة في دول مختلفة.
وجاء قرار مجلس الأمن هذه المرة مخالفاً لتوقعات مصادر ليبية عدة، رجحت أن تنجح حكومة الوحدة الوطنية في إقناع مجلس الأمن بمنحها حرية التصرف في هذه الأرصدة، بعد عشرات المحاولات من الحكومات التي سبقتها، بسبب الدعم الدولي الذي تتلقاه، وكونها وُلدت من رحم اتفاق محلي تم برعاية الأمم المتحدة.
وتشكل هذه الأموال أرصدة الدولة الليبية واستثماراتها الخارجية في شركات وبنوك أوروبية كبيرة، وهي عبارة عن ودائع وأسهم وسندات تقدر بأكثر من 200 مليار دولار، تم تجميدها بموجب القرار 1973، الصادر في مارس (آذار) 2011 عن مجلس الأمن الدولي، الذي فرض عقوبات على نظام القذافي وقتها، من بينها تجميد هذه الأرصدة.
تأجيل إلى وقت لاحق
ورفض مجلس الأمن الدولي طلباً جديداً من السلطات الليبية منحها حقها التصرف في الأرصدة المجمدة بالخارج، لكنه ترك الباب مفتوحاً للموافقة على الطلب في وقت لاحق، بحسب البيان الختامي للجلسة الخاصة بالملف الليبي، التي عقدت الخميس 15 يوليو (تموز) الحالي.
وأكد البيان الختامي، "عزم مجلس الأمن على ضمان تجميد الأصول عملاً بالفقرة 17 من القرار 1970، على أن تتاح في مرحلة لاحقة للتصرف فيها من قبل السلطات الليبية"، دون أن يحدد موعداً لقبول الطلب.
وكانت رئاسة الحكومة الليبية الموحدة قد تقدمت نهاية الأسبوع الماضي، بطلبها هذا إلى مجلس الأمن، نظراً إلى الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنوات عدة، بسبب الصراعات المسلحة وانقسام المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلاد.
أرصدة ضخمة
ونص القرار الدولي الذي جمدت بموجبه أرصدة ليبيا في الخارج، في عام 2011، على "تجميد جميع الأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الأخرى الموجـودة في أراضـيها، والتي يملكهـا أو يـتحكم فيهـا، بـصورة مباشـرة أو غـير مباشـرة، الكيانات أو الأفراد المذكورون في المرفق الثاني للقرار، وهم معمر القذافي، وابنته عائشة، وأبناؤه سيف الإسلام، والمعتصم بالله، وهانيبال، وخميس، أو الذين يعملون باسمهم، أو بتوجيه منهم، أو الكيانات التي يملكونها أو يتحكمون فيهـا، مع تكفل كل الدول الأعضاء بعدم إتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية، بواسطة رعاياها أو بواسطة أي كيانات أو أشخاص موجودين في أراضيها، للكيانات أو الأشخاص المذكورين".
وفي 17 مارس 2011، صدر القرار رقم 1973 ليؤكد ما ورد في قرار 1970. ويضيف فقرة يتم بموجبها "تجميد أصول محمد والساعدي وسيف الإسلام معمر القذافي، ومجموعة من الشخصيات الكبيرة في نظام القذافي، وهم عبدالله السنوسي وأبو بكر يونس جابر وأبو زيد دوردة ومعتوق محمد معتوق، إلى جانب تجميد أصول خمس مؤسسات وكيانات مالية ليبية، وهي مصرف ليبيا المركزي، المؤسسة الليبية للاستثمار، والمصرف الليبي الخارجي، ومحفظـة الاستثمار الأفريقية الليبية، ومؤسسة النفط الليبية".
وبموجب هذا القرار جمدت الحكومات الأجنبية أموالاً ليبية سيادية تقدر بنحو 150 مليار دولار و144 طناً من الذهب، منها 2.1 مليار يورو مودعة في بنوك نمساوية، و12 مليار جنيه استرليني في بريطانيا، و3.2 مليار دولار كندي في كندا، و7.6 مليار يورو في بنوك فرنسية، ونحو 7 مليارات يورو في ألمانيا، و8 مليارات دولار في إيطاليا، و827 مليون دولار في البنوك السويسرية، والنصيب الأكبر في الولايات المتحدة بوجود نحو 34 مليار دولار مجمدة في مصارفها.
ما خفي أعظم
ولا تشكل الأرقام المعلنة للأموال الليبية المجمدة في الخارج، إلا جزءاً يسيراً من الودائع الليبية الحقيقية، بحسب مصادر ليبية رسمية وغير رسمية، وذلك بسبب صعوبة ملاحقة كل الأصول المالية والسندات ورؤوس الأموال المملوكة للدول والمساهمة بمشاريع كبرى موزعة على دول العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحتى يومنا هذا لا يعرف أحد قيمة أو مصير الأموال الليبية في روسيا أو الصين أو جنوب أفريقيا، التي تشير تقارير محلية ودولية إلى أن قيمتها تفوق بكثير ما كشف عنه حتى اليوم من أرصدة ليبيا الخارجية.
وترفض هذه الدول الكشف عن قيمة هذه الودائع الليبية الضخمة، وبعضها ينكر وجودها أصلاً، خاصة جنوب أفريقيا، التي ترتبط بأكثر الروايات الخاصة بالأموال الليبية في الخارج غموضاً، إذ يصر رئيسها السابق، جاكوب زوما، على إنكار وجود أصول مالية لليبيا في بلاده، حيث صرح في عام 2013، بأنه "لا أحد من المسؤولين الليبيين قدم لنا أدلة في شأن نقل هذه الأصول والأموال الليبية من بلادهم إلى جنوب أفريقيا، وينبغي على من لديهم أدلة تسليمها إلى السلطات الليبية أو هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة"، ما أثار ردود فعل ليبية غاضبة حينها. وأضاف زوما، "نحن لم نعثر على أي أموال، وفي حال العثور على أي من تلك الأموال أو الأصول الليبية في جنوب أفريقيا، فإننا سنبلغ الأمم المتحدة فوراً من خلال إدارة العلاقات والتعاون الدولي".
في المقابل، لم تكشف أيضاً، موسكو أو بكين أي تفاصيل عن حجم أموال ليبيا المودعة في بنوكها، حتى يومنا هذا، والتي تقدرها مصادر وتقارير متضاربة بمليارات الدولارات.
وفي تعليق نادر للخارجية الصينية بعد أشهر من سقوط نظام القذافي، أبدت بكين انفتاحاً على منح السلطات الليبية حق التصرف في أموالها الموجودة في الصين، لكن بشروط مبهمة، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية وقتها، جيانغ يوي، إن "الصين ليس لديها أي مشكلة في مسألة الإفراج عن الأموال الليبية المجمدة، لكن من باب روح المسؤولية تجاه الشعب الليبي ترى الصين وبعض أعضاء مجلس الأمن أن الطلب المذكور يجب أن يكون مصحوباً بتوضيح أكبر لطريقة استعمال هذه الأموال والأجهزة المراقبة لها".
معارك على جبهات مختلفة
ومع تواصل الرفض الدولي لتسييل الأموال الليبية المجمدة منذ عقد كامل، تخوض السلطات الليبية، منذ سنوات طويلة، معارك على أكثر من جبهة، إما للحصول على بعض هذه الأموال عبر مباحثات فردية مع دول معينة، مثل ما يجري حالياً مع تونس، أو للحفاظ على هذه الأصول من محاولات الاستغلال والتصرف فيها من قبل بعض الدول، مثلما حدث العام الماضي في بلجيكا والمملكة المتحدة.
وتحاول السلطات الليبية التفاوض مع تونس للحصول على أرصدتها الضئيلة في الجارة الغربية، والتي كشف محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، عن أن "قيمتها تقدر بين 140 و150 مليون دولار". وأضاف العباسي خلال جلسة استماع أمام لجنة الإصلاح الإداري بمجلس النواب التونسي، قبل أيام قليلة، أنه "تقرر العمل على حل إشكالية الأموال الليبية المجمدة منذ 10 سنوات، وتشكيل لجنة مشتركة تجمع ممثلين عن الديوانة (الجمارك) والبنكين المركزيين لتونس وليبيا".