أصدر رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد اليوم الإثنين، 26 يوليو (تموز) 2021 أمراً رئاسياً، قرر خلاله إعفاء رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية هشام المشيشي، ووزير الدفاع الوطني إبراهيم البرتاجي، والوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان.
وتقرر أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء حكومة جدد.
وبينما كشفت أحزاب عن مواقفها من قرارات رئيس الجمهورية، تأخر عدد آخر في إصدار موقف واضح وتراوحت المواقف بين رافض لتلك القرارات واعتبارها خروجاً عن الدستور، وبين من يراها تصحيحاً للمسار، وحملوا مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد إلى حكومة المشيشي وحزامها السياسي.
انقلاب صريح
في المقابل، عبر الحزب الجمهوري عن رفضه قرارات رئيس الجمهورية والقاضية بتجميد نشاط مجلس نواب الشعب، ورفع الحصانة عن النواب وإقالة حكومة هشام المشيشي، وتوليه رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يتولى تسميته بنفسه، وتنصيب نفسه رئيساً للنيابة العامة. واعتبر الجمهوري أن هذه القرارات تعد خروجاً عن النص الدستوري وانقلاباً صريحاً عليه، وإعلاناً عن العودة للحكم الفردي المطلق.
الحكومة تتحمل مسؤولية تدهور الوضع
من جهته، حمل حزب التكتل الغالبية الحاكمة وحكومة المشيشي مسؤولية تأزم الأوضاع وتنامي الاحتقان الذي أدى إلى غضب شعبي وتظاهرات ضد المنظومة الحاكمة في ذكرى تأسيس الجمهورية، معتبراً أن الغالبية المنبثقة عن انتخابات 2014 تعمدت عدم تركيز المؤسسات الدستورية وتعطيل المسار الديمقراطي مما أدى إلى ديمقراطية فاسدة عاجزة عن تحقيق تطلعات التونسيين والتونسيات وحماية النظام الجمهوري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي أن الأوضاع متردية في البلاد على جميع المستويات والائتلاف الحاكم وعلى رأسه حركة النهضة هو من يتحمل مسؤوليتها الكبرى، مضيفاً أن ''شروط تفعيل الفصل 80 من الدستور غير متوافرة، والخروج عن الدستور سيدفعنا نحو المجهول".
قرارات سعيد لمجابهة الخطر الداهم
في المقابل، أكد النائب عن حركة الشعب هيكل المكي أن القرارات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية تهدف لمجابهة الخطر الداهم أمام مالية عامة منهارة ووضعية معيشية غير محتملة إلى جانب الوضع الصحي، إذ فشلت الحكومة في إدارة هذه الأزمة، مضيفاً أن "البرلمان لم يعد تونسياً، بل ملك للإخوان المسلمين خدمة لأجندات معروفة، وأصبح ساحة للصراع ودافعاً للاحتقان الشعبي".
وأكد الأمين العام للتيار الشعبي زهير حمدي أن حزبه يدعم جميع قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد ويؤيدها، داعياً إلى إقرار خريطة طريق واضحة في هذا الإطار.
المطالبة بضمانات دستورية
وأكد المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل بصفة طارئة حرصه على ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يتخذ في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، لتأمين احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطي وإعادة الاستقرار للبلاد، واسترجاع طاقتها في البناء والتقدم.
كما أكد الاتحاد وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية بجملة من الضمانات الدستورية، وفي مقدمها ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيداً من التوسع والاجتهاد، وتحديد مدة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها حتى لا تتحول إلى إجراء دائم، والعودة بالزمن إلى السير العادي وإلى مؤسسات الدولة، وضمان احترام الحقوق والحريات بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، معبراً عن رفضه لجوء أي طرف مهما كان موقعه أو موقفه أو دواعيه إلى العنف.
خرق جسيم للدستور
من جهة ثانية، أكد مكتب مجلس نواب الشعب المنعقد صباح اليوم 26 يوليو (تموز) 2021 عن بعد برئاسة راشد الغنوشي بإجماع الحاضرين رفضه المطلق، وإدانته الشديدة لما أعلنه رئيس الدولة قيس سعيد، معتبراً جميع قراراته باطلة وتنطوي على خرق جسيم للدستور، وانحراف شديد في الاجتهاد في تفعيل الفصل الـ (80) منه، ومحاولة تحايل وتمويه مفضوحة بادعاء الباطل، حصوله على موافقة رئيس مجلس نواب الشعب علي هذه التدابير.
وحمّل مكتب مجلس نواب الشعب رئيس الجمهورية جميع التبعات الأخلاقية والقانونية والجزائية لدعوته هذه، داعياً ''الجيش التونسي الوطني والقوات الأمنية الجمهورية إلى الانحياز لصفوف الشعب التونسي، والوفاء للقسم بحماية الدستور وعلوية القانون".
الاتحاد الأوروبي يدعو إلى الهدوء وتجنب العنف
دولياً، دعا الاتحاد الأوروبي الأطراف التونسية المختلفة إلى الحفاظ على الهدوء، وتجنب العنف والحفاظ على استقرار البلاد.
وأكدت المتحدثة باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن بروكسل تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في المشهد التونسي.
ألمانيا: ما حدث في تونس ليس انقلاباً
من جهتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية اليوم، إن برلين قلقة من الاضطرابات السياسية المتصاعدة في تونس، وتدعو إلى إعادة البلاد إلى حال النظام القانوني الدستوري، ومع ذلك ترى أن ما حدث ليس "انقلاباً".
قراءات دستورية متباينة
في سياق متصل، انقسم أساتذة القانون الدستوري في قراءتهم لما اتخذه رئيس الجمهورية من قرارات استثنائية، بين من يرى أنها تأويل موسع لهذا الفصل منح بمقتضاه رئيس الجمهورية نفسه صلاحيات تتجاوز ما هو منصوص عليه في الدستور، وبين من يرى أن رئيس الجمهورية من حقه أن يقدم القراءة الرسمية وفق تأويله الخاص للدستور، بخاصة في ظل غياب المحكمة الدستورية.
يذكر أنه جدت مواجهات ومشاحنات بين عدد من أنصار حركة النهضة والداعمين لقرارات رئيس الجمهورية، أسفرت عن عدد من الإصابات.
وتسود تونس حال من الترقب بعد ليلة الانتشاء بالقرارات التي أعلنها رئيس الجمهورية، وخرج على إثرها التونسيون محتفلين.
ويتخوف متابعو للشأن السياسي في تونس من احتمال الانزلاق إلى الفوضى، بخاصة في ظل رفض عدد من الأحزاب وبخاصة في الحزام الداعم لحكومة المشيشي، الاعتراف بما صدر عن رئيس الجمهورية.