لطالما مثّل الفصل 80 من دستور 2014، مطلباً ملحاً لعدد من الأحزاب السياسية في تونس، التي اعتبرته الحل لإنقاذ البلاد من الأزمات والخلافات السياسية.
الآن، وبعد أن فعّل الرئيس التونسي، قيس سعيد، هذا الفصل الدستوري، وانقسمت الآراء بشأنه، بين من يعتبره تطبيقاً تعسفياً لهذا الفصل، وبين من يرى أن رئيس الدولة تعامل مع روح الفصل، وله الحق (في غياب المحكمة الدستورية)، في تأويل الدستور، وفق ما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد، فما هي السيناريوهات المنتظرة في تونس بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الدولة، في يوم عيد الجمهورية، الموافق لـ 25 من يوليو (تموز) 2021؟ وهل يمكن أن تتجاوز تونس هذه المرحلة؟
سعيد متمسك بالمسار الديمقراطي
بدت الساعات الأولى التي تلت إعلان الرئيس عن التدابير الاستثنائية، مفعمة بالبهجة، وعبر التونسيون عن سعادتهم وخرجوا إلى الشارع، إلا أن تسارع الأحداث وحصول مواجهات بين عدد من أنصار حركة "النهضة"، وأنصار الرئيس قيس سعيد أعادت إلى الأذهان تساؤلات حول ما ستخفيه الأيام المقبلة، في تونس، في ظل غموض الأفق السياسي.
وطمأن سعيد، التونسيين خلال اجتماعات مع ممثلي عدد من المنظمات الوطنية الكبرى والمجلس الأعلى للقضاء مؤكداً احترامه للدستور، وتمسكه بضمان الحقوق والحريات وباحترام دولة القانون والمسار الديمقراطي في تونس.
القرارات أسهمت في وضع حد للفوضى
أستاذ القانون، والباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، اعتبر في تصريح خاص، أن القرارات التي اتخذها سعيد، على رغم خطورتها، كانت في وقتها، لأنها أسهمت في إخماد فتيل فتنة وفوضى عارمة، كانت ستعم البلاد، بخاصة بعد إقدام عدد من الشباب على إحراق واقتحام بعض مقرات حركة "النهضة"، في عدد من المناطق، لافتاً إلى تنامي منسوب الغضب تجاه هذه الحركة.
وأضاف الخرايفي، أن القرارات الرئاسية، محدودة في الزمن، وستعود مؤسسات الدولة إلى العمل بشكل طبيعي، مشيراً إلى أن بعض الغموض ما زال يلف مستقبل البلاد، داعياً رئيس الجمهورية، إلى اتخاذ إجراءات إضافية، لتفسير وتبسيط القرارات التي اتخذها، لطمأنة التونسيين على موضوع الحريات العامة، وعدم المساس بالدستور، والتداول على السلطة، وتوضيح طريقة إدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سينجح في مخططه
وعن السيناريوهات الممكنة مستقبلاً، أكد الخرايفي، أن قيس سعيد، نجح في تهدئة الشارع، مستبعداً سيناريو "الانقلاب على القيم الدستورية والجمهورية" في المستقبل، مشيراً إلى أنه لم يتم تعليق العمل بالدستور، أو اتخاذ أحكام عرفية، كما لم يتم حل البرلمان، وهي عناصر أساسية في تركيبة الانقلاب.
وأكد الباحث في القانون الدستوري، أنه إذا استفرد سعيد بالسلطة، فسيُواجه بمعارضة قوية من الأحزاب والمنظمات الوطنية، وستستفيد وقتها حركة "النهضة" من هذا الواقع، مضيفاً أن الرئيس التونسي سينجح في إرجاع هيبة الدولة، وسيحيل مجموعة من النواب والمسؤولين الكبار في الدولة على القضاء، وسيخرج منتصراً من هذه المعركة.
حركة "النهضة" والمراجعات المطلوبة
واستبعد الخرايفي إمكانية الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، لعدم وجود سند دستوري، داعياً إلى ضرورة تعديل القانون الانتخابي، الذي وصفه بـ"العبث" وعودة البرلمان إلى العمل وفق جدول زمني محدد.
كما دعا حركة "النهضة" إلى التعقل والقيام بالمراجعات الضرورية، من أجل الحفاظ على رصيدها الانتخابي ومن أجل مصلحة البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن نواب حركة "النهضة" ومجموعة من أنصارها، قد انسحبوا مساء الاثنين 26 يوليو (تموز) 2021، من محيط البرلمان في باردو، حيث كانوا يحتجون على قرارات رئيس الجمهورية.
ويعوّل سعيد، على المنظمات الوطنية، التي كان لها دور محوري في إنقاذ تونس من أزمة سياسية حادة عام 2014، من خلال الحوار الوطني، الذي نالت إثره هذه المنظمات جائزة نوبل للسلام، كما يستند إلى القاعدة الشعبية التي ازدادات تماسكاً إثر إعلانه عن الإجراءات الاستثنائية وتعليق عمل البرلمان.
حاضنة شعبية
ويؤكد النائب السابق في البرلمان، والكاتب الصحافي، هشام الحاجي، لـ"اندبندنت عربية" أهمية وجود حاضنة شعبية للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية، من أجل المضي في ما رسمه من خيارات لتونس، لمجابهة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي والصحي المتدهور.
كما شدد على أهمية دعم المنظمات الوطنية الكبرى، والقوى الدولية، داعياً إلى ضرورة توضيح الرؤية للشعب التونسي، حول مستقبل المسار الديمقراطي في البلاد.
واعتبر الحاجي أن سعيد سجل نقاطاً سياسية مهمة، مرجحا ًالتوصل إلى توافقات مع المنظمات الكبرى كالاتحاد العام التونسي للشغل، مع تقديم بعض التنازلات من عديد الأحزاب حتى تعود المؤسسات لتعمل بشكل طبيعي.
وأضاف أن سعيد سيحيل عدداً من النواب على القضاء، وهو ما سينعكس على التوازنات السياسية داخل البرلمان، وفي المشهد السياسي عموماً، وسيستعيد الرئيس سلطته ونفوذه.
وعاشت تونس أزمات سياسية في تاريخها المعاصر، وكلما احتكمت إلى الحوار خرجت من أزماتها بأخف الأضرار، لذلك ينتظر التونسيون من المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، دوراً محورياً في إعادة مؤسسات الدولة إلى وضعها الطبيعي.