ضاعفت الدبلوماسية الأميركية جهودها الهادفة إلى التوصل لوقف إطلاق نار شامل للحرب اليمنية المشتعلة منذ أكثر من ست سنوات بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وميليشيات الحوثي. وفي ثامن رحلاته إلى المنطقة منذ تسلمه منصبه في فبراير (شباط) من العام الحالي، يجري المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ مباحثات في العاصمة السعودية مع عدد من المسؤولين اليمنيين بهدف تحقيق وقف إطلاق شامل للنار في اليمن.
تأتي هذه التحركات عشية تصعيد الحوثي لجبهاته العسكرية، وتمثل ذلك في معارك عنيفة شهدتها محافظات مأرب والبيضاء وتخوم شبوة، في ظل تقدم ميداني لأفراد ميليشياته الذين استطاعوا الأسبوع الماضي السيطرة على مساحات من محافظة البيضاء، والوصول إلى عقبة القندع على مشارف محافظة شبوة.
تطابق وجهات النظر
وفي بداية جولته الجديدة، التقى ليندركينغ في الرياض رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك، وناقش معه التطورات الأخيرة للوضع اليمني، وبحسب موقع وزارة الخارجية الأميركية تهدف الجولة الدبلوماسية لمبعوثها "لتأكيد الحاجة إلى وقف إطلاق النار واستئناف المحادثات السياسية والتعجيل بالسلام والتهدئة".
وكشفت وكالة "سبأ"، في نسختها التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، عن "تطابق وجهات النظر في اجتماع المبعوث الأميركي برئيس الحكومة اليمنية، تجاه كثير من الملفات والقضايا، بخاصة ضرورة الوقف الفوري للتصعيد العسكري وتأجيج الصراع من قبل الحوثي في مختلف الجبهات، ووقف استهداف المدنيين، وأهمية الدعم الدولي للحكومة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي".
وفي إشارة إلى الحراك الدبلوماسي النشط الذي أوجده المبعوث الأميركي، أبدى عبد الملك وضوح موقف الولايات المتحدة تجاه ما يجري في اليمن، وما يبذله مبعوثها من جهود وتحركات نشطة بهدف إحلال السلام، مؤكداً "أن شروط التهدئة في البلاد ليست معقدة، وإنما تتطلب مزيداً من الضغوط الدولية المؤثرة".
وفي سياق متصل بجهود الولايات المتحدة الخاصة بالأزمة اليمنية، أنهت نائبة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان زيارة لسلطنة عمان بحثت فيها مع المسؤولين العمانيين المساعي الدولية لإحلال السلام في المنطقة، وفي مقدمتها الأوضاع باليمن. وأكدت شيرمان "أهمية الوقف الفوري والشامل لوقف إطلاق النار للمساعدة في إنهاء الحرب".
الرفض والقبول المشروط
وتأرجح الرد الحوثي بين الرفض والقبول المشروط لما أعلنت وزارة خارجية الرياض الخاصة بوقف إطلاق النار في اليمن، تحت اسم "مبادرة السلام السعودية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما قال الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام، أن موقفهم من السعودية والمبادرة التي تقدمت بها قبل أشهر للحل في البلاد مرتبط برفع الحظر الدولي عن المعابر التي لا تخضع لرقابة أممية أو سيطرة الشرعية، وعلق القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي على حسابه في "تويتر" على تصريحات وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن قائلاً، "إن تصريح بلينكن بشأن دعم استقرار اليمن وخلوه من النفوذ الأجنبي يعتبر إيجابياً".
عوامل مساعدة
ويرى مراقبون أن تحركات المبعوث الأميركي إلى اليمن تكشف حرص واشنطن على تغطية تراجع دور الأمم المتحدة، في انتظار اختيار مندوب جديد لها في اليمن خلفاً لمارتن غريفيث.
وحشد ليندركينغ جهات إقليمية في المنطقة كالسعودية وعمان لإعطاء دفعة كبيرة لوقف إطلاق النار في اليمن، بينما تضاعفت الجهود التشريعية في الكونغرس لدعم الجهود الأميركية والدولية لحل الأزمة اليمنية.
متغيرات جذرية
ويخشى رئيس "مركز سوث 24 للدراسات" إياد الشعيبي، "أن تمضي واشنطن ومبعوثها الخاص على خطى الأمم المتحدة ومبعوثيها السابقين في إدارة ملف الأزمة اليمينية دون الأخذ الجاد بصورة رئيسة بمواقف وخيارات القوى الفاعلة على الساحة اليمنية، خصوصاً جنوب اليمن، عوضاً عن وضع اعتبارات مصالح الأطراف الخارجية الفاعلة في الحرب اليمنية كأولوية رئيسة لإنهاء الصراع".
ويرى الشعيبي، "أن الولايات المتحدة لم تحقق أي نجاح يذكر حتى اللحظة، باستثناء إزالة الحوثيين من قائمة التنصيف الإرهابي، الأمر الذي مكن الجماعة من تحقيق تقدم عسكري في أكثر من جبهة في مأرب والبيضاء، وباتوا اليوم يهددون محافظتي لحج وشبوة في الجنوب".
ويشكك رئيس مركز الدراسات في "أن تحقق زيارة ليندركينغ أثراً عملياً يغير من مجريات الأحداث على الأرض بصورة حاسمة وكبيرة، بينما لا تزال التعقيدات واسعة عسكرياً وسياسياً، ولا تزال أطراف يمنية فاعلة غير حاضرة في هذه المحادثات بصورة مباشرة".
يستدرك، "ما قد يميز هذه الجولة وربما يكون عاملاً مساعداً للجهد الأميركي أنها أتت بعد تقارب سعودي عماني في الملف اليمني، عكسه البيان المشترك الصادر عن البلدين في ختام زيارة السلطان هيثم للسعودية". لافتاً إلى أن طبيعة هذا التقارب من شأنه أن يقرب الرياض وطهران، ويقرب عمان من الحكومة اليمنية، ويمنح الحوثيين على الأرجح مكاسب حقيقية وافقت عليها الرياض ووضعتها مسقط".
يتابع، "هذه الخطوة تأتي عقب إخفاق جهود إدارة بايدن في التأثير المباشر على ميليشيات الحوثي، وبعد ما أثبتت الأحداث أن إيران تتحكم فعلياً إلى درجة كبيرة في القرار السياسي لصنعاء، لذا أرادت واشنطن بدرجة أساسية أن تُعيد مسار تشكيل الأحداث في المنطقة، من العداء الصريح لطهران إلى إمكانية إيجاد قواسم مشتركة لتحقيق توازن ما بين طرفي الصراع الدائم بمنطقة الشرق الأوسط، ربما أرادت واشنطن أن تختبر مدى تأثير هذين الطرفين بشكل مباشر على وكلائهما في اليمن، فيما لو تم تحييد خلافاتهما أو على الأقل وضع مقاربات تفاهم حولها".
يخلص الشعيبي إلى الاعتقاد بأن "ثمة تطورات جذرية ستحدث قد تقود لتغيير كبير في الخريطة السياسية والعسكرية"، منوهاً "أن الرهان اليوم لحل الأزمة اليمنية، يكمن بدرجة رئيسة من خلال تنفيذ حقيقي لاتفاق الرياض، بشقيه السياسي والعسكري والاقتصادي، وسحب القوات اليمنية من شبوة وحضرموت ناحية مأرب، ويعيد تركيز الجهود نحو وضع حد للفشل العسكري الذي يحدث شمالاً".