دُعيت الحكومة الصينية إلى التدخل بعد قيام مجموعة تنتمي إلى الحزب الشيوعي الحاكم بنشر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي تطلب فيه من الشعب الإبلاغ عن مكان وجود طاقم عمل من هيئة الإذاعة البريطانية الإخبارية "بي بي سي نيوز".
وزُعم أن التعليقات تضمنت تهديدات بالقتل ضد الفريق التلفزيوني الذي كان موجوداً في مقاطعة هنان لتغطية الفيضانات الأخيرة التي ضربت المنطقة، والتي أدت حتى الساعة إلى مقتل 71 شخصاً على الأقل.
واعترضت مجموعة من المواطنين الغاضبين صحافيين من مؤسسات إعلامية أخرى بحثاً عن فريق مراسلي "بي بي سي"، بحسب ما أوردت هيئة الإذاعة في بيانٍ لها وحثت الحكومة على اتخاذ "إجراءات فورية" في هذا الصدد.
وجاء في البيان أنه "خلال عطلة نهاية الأسبوع، دعا منشور تناقلته مجموعة منتمية إلى الحزب الشيوعي الصيني المواطنين إلى نشر تعليقات عن مكان وجود فريق عمل بي بي سي الذي يقوم بتغطية الفيضانات التي تشهدها مقاطعة هنان الصينية. وتضمنت تعليقات المواطنين تهديدات بالقتل ضد فريق عملنا. واعترضت مجموعة من السكان الغاضبين صحافيين من وسائل إعلامية أخرى كانوا يغطون الأحداث في هنان بحثاً عن فريق عمل بي بي سي".
وختم البيان بالقول: "يجب على الحكومة الصينية اتخاذ الإجراءات الفورية لوقف هذه الهجمات التي تستمر في تهديد سلامة الصحافيين الأجانب".
يُشار إلى أن قوانين وسائل التواصل الاجتماعية الصارمة في الصين تجعل من الصعب على المواطنين أو المقيمين غير الصينيين الاطلاع على الملفات الشخصية من خارج البلاد. ولكن في سلسلة طويلة من التغريدات على موقع "تويتر"، أشار نادي المراسلين الأجانب في الصين (FCCC) إلى أن الدعوة إلى التحرك ضد مراسلي "بي بي سي" أتت من قبل رابطة الشباب الشيوعي في هنان.
وزُعم أن المجموعة طلبت من متابعيها البالغ عددهم 1,6 مليون متابع على موقع التواصل الاجتماعي الصيني "ويبو" (Weibo) الإبلاغ عن مكان وجود مراسل "بي بي سي" في الصين روبن برانت بشكل خاص.
وأشار نادي المراسلين الأجانب في الصين وهي الرابطة المهنية للصحافيين المقيمين في بكين، والذين يغطون الأخبار الصينية وينقلونها للجمهور العالمي إلى أن "الخطابات الصادرة عن منظمات تابعة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم تعرض السلامة الجسدية للصحافيين الأجانب العاملين في الصين بشكل مباشر وتقوض عملية نقل الأخبار الحرة".
وكشف النادي كذلك عن تفاصيل تتعلق بالمراسلين الذين تعرضوا للمضايقات من قبل سكان تشنغتشو عاصمة مقاطعة هنان أثناء بحثهم عن برانت.
وزُعم أيضاً أن حشداً من السكان "زاحموا" كلاً من ماتياس بولينجر وهو مراسل تلفزيوني ألماني يعمل لصالح قناة "دويتشه فيله"، وأليس سو مراسلة صحيفة "لوس أنجليس تايمز" بالقرب من إحدى الأسواق تحت الأرض التي تعرضت للفيضان وظنوا أن بولينجر هو برانت مراسل "بي بي سي".
وقال نادي المراسلين الأجانب، إن السكان الغاضبين "أمسكوا بكاميرا السيد بولينجر وبثيابه ومنعوا الوسيلتين الإعلاميتين من مغادرة الموقع. ومنذ تلك الحادثة، تلقى طاقم العمل المقيم في الصين لكل من بي بي سي ولوس أنجليس تايمز وغيرهما تهديدات بالقتل ورسائل واتصالات ترهيب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت المراسلة سو إنهم كانوا موجودين في منطقة فاضت فيها الأسواق تحت الأرض وكان العديد من أصحاب المتاجر والمحال التجارية "غاضبين بسبب المساعدة الحكومية غير الكافية". وكتبت سو في تغريدة: "كان هنالك العديد من الأشخاص الآخرين في تشنغتشو والمناطق المحيطة الأكثر تضرراً جراء الفيضانات ممن كانوا منفتحين وحتى متحمسين للحديث عن حجم الدمار والمصاعب التي يواجهونها. ولكن يبدو أن هذا الحشد كان غاضباً بالفعل ومتحمساً لطرد الأجانب من هناك".
ووصف المراسل بولينجر من قناة "دويتشه فيله" الحادثة على "تويتر" وقال إنه تعرض للدفع والصراخ لأنه "يشوه سمعة الصين" وقد بدا واضحاً أن الأمور اختلطت على المجموعة التي خالته السيد برانت. وكتب بولينجر قائلاً: "ما لم أعرفه في ذلك الوقت أن عملية مطاردة كانت تحصل ضد برانت. تتعرض قناة بي بي سي نيوز لحملة شرسة في الدوائر القومية المتطرفة ووسائل الإعلام الرسمية".
واعتبرت تقارير متعددة من داخل الصين وهونغ كونغ أنه تم استهداف برانت بسبب تقرير مثير للجدل بُث، الجمعة، وشكك فيه بسياسات الحكومة بعد هطول أمطار غزيرة تعادل منسوب عام كامل في محيط مدينة تشنغتشو خلال ثلاثة أيام وحسب متسببة بفيضان الطرقات وأنفاق المترو مما أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص في مقصورة أحد القطارات.
وقال برانت في التقرير: "لا ندري لماذا تُرك هؤلاء الناس من دون أي مساعدات"، مضيفاً أن بكين حذرت حكومات محلية أخرى ودعتها إلى مراقبة تأهبها لمواجهة عوامل الطقس وأنظمة تسيير القطارات فيها.
وبحسب ما أورد موقع "تشاينا ديجيتال تايمز" الإخباري (China Digital Times)، أصدرت أوامر للمنظمات الإعلامية الصينية التي تخضع لمراقبة صارمة من قبل السلطات، بأن تنشر "المعلومات الرسمية" وحسب في ما يتعلق بالإصابات والأضرار في الممتلكات جراء الفيضانات.
وأشار الموقع إلى أن تلك المنظمات تلقت على الأرجح تعليمات بعدم استخدام نبرة حزينة أو إثارة ضجيج إعلامي أو الإشارة إلى أحداث سابقة" من دون أخذ الموافقة.
تجدر الإشارة إلى أن العداء تجاه وسائل الإعلام الغربية تصاعد في الصين خلال العامين الأخيرين، خصوصاً منذ تفشي وباء فيروس كورونا والكشف عن مراكز اعتقال الإيغور المسلمين في الصين.
وانتقدت الخارجية الصينية مراراً ما وصفته "بالأخبار الكاذبة" التي تبثها وسائل الإعلام الغربية. وكان أحد صحافيي "بي بي سي"، جون سودوورث، غادر البلاد هذا العام بعد تلقيه تهديدات بملاحقات قضائية ضده فضلاً عن عرقلة عمله وترهيبه، بيد أن الصين نفت آنذاك قيامها بتهديد سودوورث.
ولكن، خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية وحسب، تم طرد 16 صحافياً أميركياً من الصين، فيما أُجبر أربعة صحافيين على الأقل، بمن فيهم سودوورث وصحافيان أستراليان على الهرب من البلاد.
وختم نادي المراسلين الأجانب في الصين بيانه الذي نشره على "تويتر" بالقول إنه "يشعر بخيبة أمل واستياء شديد من العداء المتنامي تجاه وسائل الإعلام الأجنبية في الصين جراء تصاعد القومية الصينية المتطرفة التي تقوم بتأجيج هذه المشاعر بتشجيع مباشر من المسؤولين الصينيين والجهات الرسمية الصينية أحياناً".
وأضاف البيان الذي تماهى مع دعوات قناة "بي بي سي" للتدخل الحكومي: "يدعو نادي المراسلين الحكومة الصينية إلى الالتزام بوعودها بمنح المراسلين الأجانب حق الولوج من دون أي عوائق لتغطية الأحداث في المناطق الصينية وتحمل مسؤولياتها في حماية سلامة الأشخاص".
تواصلت صحيفة "اندبندنت" مع السفارة الصينية في لندن طلباً للتعليق على هذه المسألة.
© The Independent