بعد "يوم الحرية" وإلغاء قاعدتي التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، في مواجهة الموجة الثالثة من فيروس كورونا، يسود في المملكة المتحدة بعض الذعر.
نعلم أن المملكة المتحدة أحد البلاد الأكثر تطعيماً لسكانها في العالم، مع تلقي أكثر من 88 في المئة من البالغين جرعة تحصينية واحدة في أقل تقدير. كذلك تبدو واضحة تلك الصلة الضعيفة بين الإصابات [المسجلة أخيراً] وحالات الدخول إلى المستشفى، أو الوفيات.
أما في جنوب أفريقيا، فإن الحالة مغايرة تماماً. إذ تبلغ الموجة الثالثة من الجائحة ذروتها. في البلدين كليهما، تهيمن متحورة "دلتا" على الإصابات التي تشهدها الموجة الثالثة، وعند هذا الحد ينتهي التشابه بينهما. إنّ سكان جنوب أفريقيا غير محصنين في شكل كافٍ، مع تلقي نحو 5 في المئة من البالغين جرعة واحدة، في حين أن الموجة الثالثة بضخامتها قد ألقت بأعباء مخيفة على النظام الصحي في البلد.
خلال الموجة الثانية في جنوب أفريقيا، فرضت متحورة "بيتا" السيئة الصيت هيمنتها، مخلفة قلقاً شديداً جراء قدرتها على الهرب من استجابات الجهاز المناعي، وبالتالي التسبب في حالات عدوى بين صفوف المطعمين، لكنها لم تنجح في ذلك داخل المملكة المتحدة. أُبعدت "بيتا" تماماً تقريباً بواسطة نظيرتها "دلتا" مع الموجة الثالثة في جنوب أفريقيا، وكذلك بلدان أخرى، كالمملكة المتحدة، تشهد انتشار المتحورتين كلتيهما.
على نحو مفاجئ، فإن متحورة "بيتا" التي تزداد ندرة، تظهر في الأخبار مجدداً. وبصورة علنية، انتقد كليمنت بون، وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، القيود التي فرضتها الحكومة البريطانية على المسافرين القادمين من فرنسا إلى إنجلترا بسبب مخاوف اعترت المملكة المتحدة من أن المتحورة "بيتا"، التي رصدت للمرة الأولى في جنوب أفريقيا، ربما تجد طريقها إلى البلد [بريطانيا]، واللقاحات المضادة ستكون أقل فاعلية تجاهها.
سبق أن عشنا هذه الحال.
جاءت جنوب أفريقيا في مقدمة الدول الأفريقية التي تحصل على لقاح "أكسفورد/ أسترازينيكا" من "معهد سيروم" في الهند. ولسوء الحظ، لم يُصر إلى توزيع الجرعات أبداً بسبب مخاوف مضللة بشأن نجاعتها، ما سمح للموجة الثالثة الحالية بالتفشي في مجتمع معظم أفراده غير محصنين.
وعلى غرار ما نشهد اليوم مع متحورة "دلتا"، تبدو "بيتا" مُكيفة جيداً لإصابة الملقحين. وقد تبينا هذه الحقيقة في تجربة سريرية في جنوب أفريقيا، إذ ظهر أن فاعلية اللقاحات متدنية جداً في مكافحة ظهور حالات طفيفة من العدوى بفيروس كورونا. وفي الواقع، لا يشكل ذلك سبباً للذعر. فمن المتوقع أصلاً أن يصاب المطعمون بالنسختين "بيتا" و"دلتا" ومتحورات "كورونا" المستقبلية. وفي الحقيقة، فإن ما يسبب نشوء جائحة يتمثل في حالات المرض الخطير، وليس الإصابات الخفيفة. وقد أفضت اللقاحات حتى الآن إلى إضعاف الصلة بين الإصابة بالعدوى وحدوث وفيات بأثر من الفيروس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق متصل، توفر لنا الدراسات المتاحة حول لقاح "أكسفورد/أسترازينيكا" معلومات بشأن الإصابات الطفيفة بمتحورة "بيتا"، ذلك أن المرض الشديد الذي ربما تتسبب به لم يخضع للدراسة بعد. ولكن عدم وجود دليل مباشر على الحماية من المضاعفات الحادة التي تسببها النسخة "بيتا"، لا يعني غياب الحماية [التي تأتي من اللقاح].
على خلاف ذلك، عند جمع البيانات المتأتية من المختبرات والدراسات على الحيوانات، وتجارب اللقاحات الأخرى المماثلة، يسعنا أن نثق في أن لقاح "أكسفورد" سيكون ناجعاً للغاية في الوقاية من حدوث أمراض شديدة أو الموت جراء "بيتا"، أسوة بمفعوله أمام متحورتي "ألفا" و"دلتا".
واستطراداً، ينبغي على القرارات المتعلقة بالسياسات المقبلة أن تكون مدفوعة بالفاعلية التي توفرها اللقاحات بالنسبة إلى حدوث حالات توجب الدخول إلى المستشفى أو تفضي إلى الوفاة. وإذا بقيت الحماية من حدوث حالات شديدة بأثر من الفيروس، عند مستوياتها المرتفعة حالياً، فإن التلقيح المستمر سيفضي إلى خفض حال الطوارئ الصحية العامة حول العالم.
في المقابل، تعمل الرسائل المشوشة بشأن متحورة "بيتا" وفاعلية اللقاح ضدها، على تقويض الأداة الأفضل التي نمتلكها وتستطيع أن تخفض أعداد الوفاة بسبب "كوفيد- 19"، ألا وهي اللقاحات.
البروفيسور أندرو بولارد مدير "فريق لقاح أكسفورد" في "جامعة أكسفورد".
شبير ماضي بروفيسور في علم اللقاحات في "جامعة ويتواترسراند".
© The Independent