يُعرّف القانون المحدِث للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بأنها "هيئة عمومية مستقلة ودائمة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي، مقرها تونس العاصمة وتسهر على ضمان انتخابات واستفتاءات ديمقراطية وحرة وتعددية ونزيهة وشفافة".
ويضمن قانون الهيئة استقلاليتها عن كل الأطراف السياسية المتدخلة في العملية الانتخابية ضماناً لنزاهة وشفافية الانتخابات، فهل حافظت هيئة الانتخابات على حيادها واستقلاليتها إثر الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد؟
الهيئة في حال صدمة
غداة إعلان الرئيس التونسي قراراته الاستثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021، أعرب رئيس الهيئة نبيل بفون عن صدمته من تلك الإجراءات واعتبرها خارجة عن الدستور.
وقال بفون "إن الهيئة في حال صدمة بعد إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي".
واعتبر رئيس الهيئة أن "ما صدر من قرارات عن رئيس الجمهورية غير مطابق لأحكام الدستور التونسي الذي يحدد صلاحيات الرئيس بحسب الفصلين 71 و78 من الدستور، لا سيما تفعيل الفصل 80 عند الخطر الداهم" مشيراً إلى أن "تفعيل الفصل 80 يتضمن الإبقاء على مجلس نواب الشعب في حال انعقاد دائم".
استبعاد الانتخابات المبكرة
وأكد بفون أنه "بحسب الإجراءات الاستثنائية للفصل 80 من الدستور لا يجب تقديم لائحة لوم ضد الحكومة، إلا أن قيس سعيد ألغاها بصفة نهائية وجمد أعمال البرلمان"، مؤكداً أن "هذه القرارات غير متطابقة مع الدستور التونسي ومن شأنها إرباك المسار العادي للدولة".
كما رجح بفون إمكان دعوة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى تنظيم انتخابات مبكرة، إلا أن الدستور التونسي هو الذي سيحدد المسار الانتخابي قائلاً إنه "لا يمكن الحديث عن انتخابات مبكرة في ظل فراغ دستوري"، مضيفاً أن "تنظيم انتخابات مبكرة يكون في حال حل البرلمان الذي له شروط لم تتوافر حتى الآن".
وأثار تصريح رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات جدلاً، وأعاد طرح السؤال حول مدى استقلاليتها عن الأحزاب وبخاصة حركة النهضة.
تصريحات مسيئة لاستقلالية الهيئة
ووصف أستاذ القانون والباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي تصريحات رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بـ "الصادمة" والموجبة للمؤاخذة القانونية، مشيراً إلى أن "من شأن هذه التصريحات أن تسيء لسمعة الهيئة كجهاز مستقل".
واستغرب الخرايفي أن يحشر بفون نفسه في المعارك السياسية، داعياً إياه لأن يكون على المسافة نفسها من كل الطيف السياسي، مؤكداً أن "هيئة الانتخابات هي هيئة الدولة التي لا تتأثر بالمزاج السياسي العام أو بالتقلبات الحزبية، وعندما ينحاز رئيس الهيئة إلى جهة سياسية معينة فيكون مس بمبدأ الحياد واستقلالية الهيئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد أستاذ القانون على أن رئيس الهيئة لم يعد محل ثقة، داعياً إياه إلى "تقديم استقالته لأنه تصرف وكأنه جزء من الائتلاف الحاكم"، معتبراً أن "تصريحاته موجبة للمؤاخذة القانونية".
ولفت الخرايفي إلى أن "طبيعة الأحداث وتسارعها في تونس من قرارات استثنائية وإقالات غطت على تصريح نبيل بفون على الرغم من خطورته".
احترام مبدأ الحياد
ودعت الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد) أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وكل الهيئات الدستورية إلى "الالتزام بواجب الحياد والنزاهة والتحفظ والابتعاد عن الاصطفاف السياسي والحزبي، والنأي بهذه الهيئات عن التجاذبات السياسية".
وانتقدت الجمعية في بيان تصريح نبيل بفون رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (المنتهية ولايته) حول التدابير الاستثنائية التي أقرها رئيس الجمهورية في 25 يوليو الماضي، داعية إياه إلى "احترام مبدأ التحفظ وعدم إبداء رأيه وإن كان بصفته الشخصية".
"عريضة وطنية مفتوحة"
من جهة أخرى، استنكرت الجمعية توقيع عضو الهيئة عادل البرينصي على "عريضة وطنية مفتوحة" بصفته إعلامياً، معتبرة أن عدم حياديته تعد "خطأ جسيماً" يوجب الإعفاء، كما ينص القانون المنظم للهيئة.
ووقع مثقفون وإعلاميون تونسيون العريضة التي تعتبر الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيد "خرقاً جسيماً للدستور وانقلاباً عليه وعلى مقتضياته، إضافة إلى أن جمع رئيس الجمهورية السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية بين يديه يُعد مخالفة صريحة لمبدأ الفصل بين السلطات الذي أقرّه الدستور التونسي وكل الدساتير الديمقراطية".
وحذرت العريضة من "أن يؤدي هذا الاستحواذ على كل سلطات الدولة إلى إقامة نظام استبدادي"، وعبروا عن تخوفهم من التعديات المتتالية على الحريات الفردية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام.
يُذكر أن قانون الهيئة في فصله الـ 12 ينص على أن "رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأعضاء مجلسها خاضعون لواجب التحفظ والحياد".
وانتُخب نبيل بفون على رأس الهيئة في آخر يناير (كانون الثاني) 2019، وهو معني بالتجديد الآلي خلال عام 2020، وانتهت رئاسته للهيئة بانتهاء الاستحقاقات الانتخابية لعام 2019، إلا أن مجلس النواب لم يخصص جلسة لتجديد ثلث مجلس الهيئة الذي يتم كل سنتين بحسب القانون.