على الرغم من تصريحات روبرتو سينجولاني، وزير التحول البيئي في إيطاليا التي تلت اجتماع وزراء الطاقة والبيئة لدول العشرين قبل نحو أسبوعين في إيطاليا؛ والتي أشارت إلى أن الأعضاء لم يتمكنوا من الوصول إلى اتفاق بشأن صياغة التزام رئيس متعلق بمكافحة التغير المناخي، فإن تقارير صحافية أعقبت القمة التي عقدت في مدينة نابولي أشادت بالدور الذي لعبته السعودية، حين قادت مفاوضات ثنائية مع نيودلهي والصين من أجل الوصول إلى وفاق في البيان الختامي.
وخلال المفاوضات التي جرت في جنوب إيطاليا برئاسة سينجولاني، إلى جانب المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ جون كيري، اقترح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إجراء محادثة ثنائية لكسر الجمود مع نظيريه في نيودلهي والصين، اللذين تم ربط مندوبيهما عن بُعد عبر الفيديو.
لكن مساعي الدولة الخليجية التي بدأت في اتخاذ إجراءات حاسمة لتخفيض انبعاثات الكربون وتبنّي الطاقة المتجددة والهيدروجين والأمونيا لم تتوصل إلى حل مع الهند، التي أنهى المؤتمرون بسببها هي والصينيين جلساتهم من دون توافق في الآراء، خصوصاً بشأن نقطتين حاسمتين هما، "تحديد موعد نهائي للتخلص التدريجي من طاقة الفحم، والتعهدات بالحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية"، إلا أن التصرف السعودي بحسب تقرير أوردته وكالة "رويترز" "لفتة من الرياض لا ينبغي الاستهانة بها".
ليس إخفاقاً
من جانبه يرى الكاتب أنس الحجي المختص في الطاقة أن بعض وزراء الدول الغربية عدَّ الاجتماع فاشلًا، لأنه لم يحقق ما يريده متطرّفو المناخ، مع أن دول هؤلاء الوزراء هي التي لم تفِ بالتزاماتها تجاه الدول النامية. لكن الواقع بحسب الحجي أن "هناك اتفاقًا، وبياناً مشتركاً يتكون من 14 صفحة إضافة إلى الملاحق، وهذا ينفي فشل الاجتماع".
ويعتبر أن دور الرياض كان حاسماً حين قطعت شوطاً كبيراً بعد تبنيها إجراءات حاسمة لتخفيض انبعاثات الكربون وتبني الطاقة المتجددة والهيدروجين والأمونيا، وتقديم برنامج "الاقتصاد الدائري للكربون" للعالم، ويقول "ولا أدلّ على ذلك من كونه ذُكِر في البيان الختامي، إذ تبنت دول جديدة فكرة السعودية، بينما أكدتها الدول التي تبنتها سابقًا، عندما عرضتها الرياض على الأعضاء، العام الماضي، خلال رئاستها مجموعة الـ20".
وأضاف "لا يختلف اثنان أن السعودية هي قائدة أوبك وأوبك+، وأن وجودها في مجموعة الـ20 بصفتها صاحبة اقتصاد ناشئ يعتمد على النفط، يعني بالضرورة أنها تمثل الدول النفطية، بخاصة دول أوبك".
ويؤكد أن تأخر الاتفاق وصدور البيان الختامي كان "بسبب خلافات بين الدول المنتجة والمستخدمة للفحم مثل أستراليا والصين والهند وروسيا، والدول التي تريد أن تسرع عملية الحياد الكربوني، وكلها دول أوروبية، وأصبح واضحًا لرئيسة مجموعة الـ20 (إيطاليا)، أن الصين والهند لن توقعا على البيان الختامي، لأنهما لا تستطيعان التخلص من محطات الكهرباء العاملة بالفحم حسب الجدول الذي نص عليه البيان، كما رفضتا البند المتعلق بالحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى مستوى 1.5 درجة مئوية من مستويات ما قبل الثورة الصناعية".
وزراء قمة العشرين في نابولي
وكان اجتماع مجموعة العشرين يعد خطوة حاسمة قبيل محادثات الأمم المتحدة للمناخ، المعروفة باسم "كوب 26"، التي تنعقد في غضون 100 يوم في نوفمبر (تشرين الثاني) في جلاسجو. وعدم التوصل إلى أرضية مشتركة قبيل ذلك التجمع سيعد انتكاسة لآمال التوصل إلى اتفاق في اسكتلندا.
وأبلغ سينجولاني الصحافيين بأن الوزراء المجتمعين في جنوب إيطاليا أخفقوا في حل نقطتين خلافيتين، ومن ثم سيتعين بحثهما خلال اجتماع رؤساء دول وحكومات المجموعة خلال قمة في روما في أكتوبر (تشرين الأول). وقال "إن المفاوضات مع الصين وروسيا والهند أثبتت أنها صعبة للغاية".
وأضاف أن إحدى نقطتي الخلاف كانت التخلص من طاقة الفحم، وهو ما تريد معظم الدول تحقيقه بحلول 2025، لكن بعضها قال إن ذلك سيكون مستحيلاً بالنسبة إليها. أما المشكلة الأخرى فتخص صياغة الفقرة المتعلقة بقصر ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما بين 1.5 ودرجتين وهو ما تحدد في اتفاقية باريس للمناخ.
وزاد متوسط درجات الحرارة العالمية بالفعل بأكثر من درجة مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية التي يستخدمها العلماء معياراً في هذا الإطار، وفي طريقه ليتجاوز الحد الأقصى بين درجة ونصف ودرجتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان نشطاء البيئة يأملون أن يقود اجتماع مجموعة العشرين إلى تعزيز أهداف المناخ والتعهد بالتزامات جديدة بشأن تمويل قضايا المناخ وزيادة الدول التي تلتزم بخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول 2050.
وكان الاجتماع الذي استضافته إيطاليا لم يتمخض سوى عن التزامات مالية قليلة، بحسب سينجولاني، لكنه أضاف أن "إيطاليا نفسها ستزيد تمويلها للدول النامية كي تتمكن من مواجهة آثار تغير المناخ". وسلطت الفيضانات القاتلة في أوروبا والحرائق في الولايات المتحدة والحرارة في سيبيريا هذا الشهر، الضوء على ضرورة التحرك في ملف المناخ، لكن الدول لا تزال مختلفة بشأن سبل دفع تكلفة السياسات المكلفة للحد من آثار التغير المناخي.
السعودية والهيدروجين الأخضر
وبالعودة إلى أكبر الدول المصدرة للنفط حول العالم، تسارع الرياض الخطى نحو العمل على مشاريع عملاقة من أجل ريادتها أيضاً في تصدير الهيدروجين الأخضر الذي يعد أبرز المصادر الواعدة للطاقة النظيفة، بجانب النفط والغاز اللذين تتوقع وكالة الطاقة الدولية استمرار الطلب عليهما في العقدين المقبلين.
وكانت السعودية بقيادة ولي عهدها، الأمير محمد بن سلمان، قد أعلنت في مثل هذا الشهر من العام الماضي 2020 عن إنشاء مصنع سعودي للهيدروجين الأخضر في مدينة نيوم شمال البلاد بقيمة تبلغ خمسة مليارات دولار أميركي.
وهو مشروع عملاق يعمل بسعة أربعة غيغاواط من الطاقة المتجددة، وقالت الحكومة إن "المشروع سيصبح جاهزاً بحلول 2025 ويهدف إلى إنتاج 650 طنًا من الهيدروجين الأخضر يومياً، و1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، وتصديره للأسواق العالمية، ليكون أكبر مشروع هيدروجين في العالم".
وسيسهم المشروع السعودي العملاق في الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بما يعادل ثلاثة ملايين طن سنوياً، والمصنع مدعوم بالكامل من طاقتي الشمس والرياح، وسيجعل السعودية من بين أكبر صانعي الهيدروجين الأخضر في العالم عندما يُفتتح في عام 2025.
ويعد الهيدروجين الأخضر وقوداً خالياً من الكربون تماماً، لأنه يُنتج من الماء عبر فصل جزيئات الهيدروجين فيه عن جزيئات الأكسجين، من خلال استخدام كهرباء تُوّلد من مصادر طاقة متجددة، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، غير أن تكلفة إنتاجه تبلغ بحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة نحو ستة دولارات، ما يجعله الأغلى بين أشكال الهيدروجين.
أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم
وتبذل السعودية إلى جانب ذلك جهوداً حثيثة في مكافحة أزمة المناخ، فأطلقت من جانب آخر مشروعاً عالمياً عملاقاً يهدف إلى زراعة 40 مليار شجرة في الشرق الأوسط وهو المشروع الذي لاقى ترحيباً دولياً.
وفور إطلاقه قال ولي العهد السعودي، "إنه بصفتنا منتجاً عالمياً رائداً للنفط ندرك تماماً نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، وأنه مثلما تمثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة".
وأوضح أن السعودية تسعى بالشراكة مع الأشقاء في دول الشرق الأوسط لزراعة 40 مليار شجرة إضافية في الشرق الأوسط، وهو أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، وهو ضعف حجم السور الأخضر العظيم في منطقة الساحل (ثاني أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع) بحسب ولي العهد.
المشروع السعودي سيعمل بحسب خطط الحكومة على استعادة مساحة تعادل (200 مليون) هكتار من الأراضي المتدهورة مما يمثل (خمسة في المئة) من الهدف العالمي لزراعة (تريليون) شجرة ويحقق تخفيضاً بنسبة (5.2 في المئة) من معدلات الكربون العالمية.