حظرت منصة "فيسبوك" حسابات شخصية لأكاديميين أجروا بحوثاً حول شفافية الإعلانات السياسية وانتشار المعلومات المضللة على المنصة الاجتماعية، ما دفع الأكاديميين إلى اتهام الشركة، التي تمثل أحد كبار أذرع التكنولوجيا الأميركية، "بإسكاتهم عن التحدث" حول المشكلات الخاصة بالمنصة التي يبلغ عدد مستخدميها أكثر من 2.85 مليار شخص.
وأطلق الباحثون في فريق جامعة نيويورك "الأمن السيبراني من أجل الديمقراطية"، العام الماضي، برنامجاً لجمع بيانات حول الإعلانات السياسية التي يشاهدها الأشخاص على منصة "فيسبوك".
وأوضحوا في منشور خلال مايو (أيار) الماضي، أنهم يستهدفون الكشف عمن يدفع مقابل الإعلانات السياسية، وكيف يجري استهدافهم. وهو البحث الذي سيكون له آثار مهمة على فهم انتشار "المعلومات المضللة" على "فيسبوك"، إذ يقول الباحثون إن الشركة "لا تتحقق" من صحة الإعلانات السياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً للمجموعة فإن البرنامج الذي يسمى "مرصد الإعلانات Ad Observer" لا يجمع أي معلومات تعريف شخصية، بما في ذلك اسم المستخدمين أو رقم التعريف على "فيسبوك" أو قائمة الأصدقاء.
الانتخابات الأميركية
وتقول وسائل إعلام أميركية إن فريق البحث توصل إلى أن معلومات سياسية "مضللة" ازدهرت على "فيسبوك" خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، على الرغم من سياسات المنصة، وكشف عن عيوب في الشفافية الخاصة بالإعلانات السياسية.
ووفقاً لموقع "ذا فيرج"، المختص بأخبار التكنولوجيا، فإن البحث أظهر أن المعلومات المضللة من قبل اليمين المتطرف كانت أكثر جاذبية من المعلومات المضللة من مصادر يسارية.
وفي مارس (آذار) الماضي، نشرت جامعة نيويورك نتائج بحث حول الانتخابات الأميركية، أشار إلى أن منشورات الصفحات اليمينية المتشددة حظيت بتفاعل أعلى، تليها المنشورات اليسارية المتشددة، وجاءت بعدها الصفحات التي تتبع سياسة وسطية. وبالنظر تحديداً إلى المصادر اليمينية المتطرفة، يقول الباحثون إنهم وجدوا أن أداء الصفحات التي تنشر معلومات مضللة هو الأفضل.
انتهاك قواعد الخصوصية
وردت شركة "فيسبوك" على اتهامات الباحثين لها بمحاولة إسكات أصواتهم، قائلة إنها علقت الحسابات الشخصية والصفحات والتطبيقات الخاصة بالباحثين، لانتهاكهم القواعد من خلال الحصول على بيانات المستخدمين من دون إذن.
وكتب مدير إدارة المنتجات لدى "فيسبوك" مايك كلارك، في بيان على موقع الشركة "مشروع مرصد الإعلانات في جامعة نيويورك درس الإعلانات السياسية باستخدام وسائل غير مصرح بها للوصول إلى البيانات، وجمعها من (فيسبوك)، في انتهاك لشروط الخدمة".
وأضاف أن "فيسبوك" اتخذت إجراء "لوقف الحصول غير المصرح به للمعلومات، وحماية خصوصية المستخدمين"، امتثالاً للاتفاق الذي توصلت إليه مع لجنة التجارة الفيدرالية عام 2019، عندما اضطرت الشركة إلى دفع غرامة قدرها خمسة مليارات دولار، بسبب فضيحة شركة "كامبريدج أناليتيكا" الخاصة بالحصول على بيانات المستخدمين.
وبحسب الإذاعة الوطنية الأميركية فإن الباحثين عارضوا مزاعم "فيسبوك"، قائلين إنهم "لا يجمعون معلومات خاصة عن مستخدمي فيسبوك". وقالت لورا إديلسون، طالبة دكتوراه في جامعة نيويورك تسهم في قيادة المشروع، وجرى حجب حسابها "نحن حقاً لا نجمع أي شيء ليس إعلاناً، أو ليس عاماً. نحن حريصون جداً على كيفية القيام بذلك"، وأشارت إلى أن الكود الخاص بامتداد المتصفح عام، وأنه جرت مراجعته من قبل خبراء مستقلين.
وتقول "فيسبوك" إن المتصفح "ينتهك قواعد الخصوصية الخاصة بالمنصة"، لأنه يجمع معلومات حول المعلنين، بما في ذلك أسماؤهم وأرقام التعريف الخاصة بهم على "فيسبوك" وصورهم. وتشير إلى أن البيانات التي جرى جمعها بواسطة الأداة يمكن أيضًا استخدامها لتحديد معلومات حول المستخدمين الآخرين الذين تفاعلوا مع الإعلانات، لكنهم لم يوافقوا على مشاركة معلوماتهم.
وقال الأستاذ المشارك في جامعة نيويورك، دامون مكوي، الذي تعرّض حسابه أيضاً للحجب، إنه يعتقد أن شركة "فيسبوك" تستخدم مزاعم الخصوصية كذريعة، لأنها غير راضية عن بحوث الفريق. وأضاف "يبدو أن فيسبوك تحاول تخويفنا. نحن بحاجة إلى الشفافية والمساءلة".
وتقول الإذاعة الأميركية إن "فيسبوك" تنشر مكتبتها الخاصة للإعلانات السياسية مرفقة بمعلومات حول جهة تمويل الإعلان ومتى جرى عرضه، لكن لا يتضمن تفاصيل حول كيفية استهداف الإعلانات مجموعات فرعية محددة من المستخدمين. كما تسمح الشركة بإتاحة بيانات استهداف الإعلانات، للباحثين الذين يشاركون في برامج تحت إشرافها.
فوفقاً لبيان كلارك، فإن الشركة توفر للباحثين "طرقاً لحماية الخصوصية لجمع البيانات وتحليلها"، وأكد أن "فيسبوك" "ترحب بالبحث الذي يحملنا المسؤولية، دون أن يضر بأمن المنصة أو خصوصية المستخدمين". لكن يرفض باحثو جامعة نيويورك ما اعتبروه "وصاية فيسبوك" على الباحثين.
لقاحات كورونا
ويتتبع جزء من مشروع جامعة نيويورك الادعاءات الكاذبة حول فيروس كورونا المستجد، واللقاحات على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو موضوع أصبح مصدر توتر بين "فيسبوك" والبيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة الماضية.
وفي منتصف يوليو (تموز) الماضي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين في البيت الأبيض، إن "فيسبوك" ومنصات أخرى "تقتل الناس" من خلال السماح بنشر معلومات مضللة عن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. وهو ما استدعى رداً مضاداً من العملاق الأزرق، الذي اعتبر أن هذه التصريحات محاولة للبحث عن "كبش فداء" لفشل بايدن في تحقيق أهداف التطعيم.
وأصدر كبير الأطباء في الولايات المتحدة، فيفك مورثي، تقريراً يصف المعلومات الصحية الخاطئة بأنها تمثل "تهديداً عاجلاً" لجهود إدارة بايدن لتكثيف عملية التطعيم. ودعا التقرير شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي إلى بذل مزيد من الجهد لمكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت، التي قال مورثي إنها "يمكن أن تسبب الارتباك وزرع عدم الثقة وتقويض جهود الصحة العامة، بما في ذلك عملنا المستمر لإنهاء الجائحة".
ويتزايد الضغط على الكونغرس للمطالبة بمزيد من الشفافية فيما يتعلق بالإعلانات عبر الإنترنت. ووصف السيناتور الديمقراطي مارك وارنر قرار "فيسبوك" تعليق حسابات فريق جامعة نيويورك بأنه "مقلق للغاية"، ودعا إلى العمل من أجل ضمان شفافية أكبر في عالم إعلانات الإنترنت.
وقال، في بيان، "منذ عدة سنوات، دعوت منصات التواصل الاجتماعي مثل (فيسبوك) للعمل مع الباحثين المستقلين، وتمكينهم بشكل أفضل، الذين تعمل جهودهم باستمرار على تحسين سلامة وأمن منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الكشف عن الأنشطة الضارة والاستغلالية". مضيفاً أنه "بدلاً من ذلك، فعلت (فيسبوك) على ما يبدو العكس".
وانتقد السيناتور الديمقراطي رون وايدن، المنصة الاجتماعية، وكتب في منشور على "تويتر"، "بعد سنوات من الإساءة لخصوصية المستخدمين، من غير المنطقي أن تستخدمها (فيسبوك) ذريعة لقمع الباحثين الذين يكشفون عن مشاكلها (الشركة)".