تشير بيانات إلى أن التعافي الاقتصادي البريطاني بعد الجائحة يتخلف عن اقتصادات مجموعة الدول السبع الأخرى.
فوفق مكتب الإحصاءات الوطنية، نما الناتج الاقتصادي البريطاني بوتيرة سريعة بلغت 4.8 في المئة خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو (حزيران)، لكنه يبقى أقل بحوالى اثنين في المئة عنه قبل الجائحة.
وتبين مقارنة النمو الفصلي أن الناتج الاقتصادي البريطاني لا يزال أقل بكثير من ذروته المسجلة قبل "كوفيد" في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019. وهذه الفجوة أكبر منها لدى أي من البلدان الغنية الأخرى حول العالم.
في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو، كان الناتج الأميركي أعلى بنسبة 0.8 في المئة من ذروته السابقة للجائحة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019. وكانت جارتا بريطانيا الأوروبيتان، فرنسا وألمانيا، عند مستويين لا يقلان إلا بواقع 3.3 في المئة و3.6 في المئة على التوالي من إظهار انتعاش كامل في الفصل الثاني، مقارنة مع مستوى يقل بنسبة 4.4 في المئة عن مستوى ما قبل الجائحة في المملكة المتحدة.
وقالت كبيرة الاقتصاديين في الذراع البريطانية لشركة الاستشارات "كاي بي إم جي"، يائيل سيلفين، إن البيانات تعرض في شكل عام أنباء طيبة، "لكن التعافي لا يزال هشاً".
وأضافت، "لكن ثمة إشارات إلى أن المسائل المستمرة الخاصة بسلاسل الإمداد والنواقص في الموظفين تبطئ وتيرة التعافي، وتتسبب بوقف الزخم قبل الأوان قبل أن يصل الاقتصاد إلى مستويات ما قبل كوفيد".
وتأتي الأرقام في خضم مناقشة بين الاقتصاديين حول مقدار الدعم الذي يجب على وزارة المالية وبنك إنجلترا مواصلة توفيره الآن بعد رفع القيود. وفي الوقت الحاضر، من المقرر أن تنهي الحكومة برنامجها للإجازات المدفوعة عند نهاية الشهر المقبل.
وفي حين يعتقد بعض الاقتصاديين بأن بنك إنجلترا يجب أن يخفض مشترياته من السندات، باعتبار أن ذلك يذكي ارتفاع الأسعار، يقول آخرون بأن التدخلات الحكومية الكبيرة لدعم الشركات حجبت الضعف الأساسي للاقتصاد وأن الاقتصاد لا يزال بحاجة إلى دعم.
ويعتقد بعض الاقتصاديين بأن الحاجة ربما تدعو إلى انتعاش في ثقة المستهلكين بهدف تعزيز النمو الاقتصادي.
وقال كبير الاقتصاديين في الشأن البريطاني لدى "بانثيون للاقتصاديات الكلية"، صموئيل تومبس، إن المملكة المتحدة تتخلف على صعيد التعافي الاقتصادي عن بلدان مجموعة الدول السبع بسبب "الضعف في إنفاق الأسر". فهذا المقياس قل خلال الفصل الثاني من هذا العام بنسبة سبعة في المئة عن مستواه خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019، على الرغم من زيادة فصلية حادة بلغت 7.3 في المئة.
ومع ذلك، كانت الاقتصادية البارزة في الشأن البريطاني لدى "كابيتال إيكونوميكس"، روث غريغوري، أكثر تفاؤلاً، إذ قالت إن المملكة المتحدة "قد تفاجئ مع ذلك معظم الجهات المولجة بالتوقعات بأن تخرج من الجائحة من دون أي ندوب".
تحليل: ما الذي يجري حقاً؟
يشيع في صفوف الاقتصاديين فهم مفاده بأن ناتج المملكة المتحدة ينتعش، لكن صورة ما يجري حقاً للناتج المحلي الإجمالي "لن تتضح" قبل الخريف. وثمة أسباب قليلة لذلك، لكن الأهم من بينها ربما هو أن آليات العناية الفائقة الاقتصادية المعتمدة من قبل الحكومة سينتهي العمل بها قريباً، بما في ذلك الإجازات المدفوعة.
وفي حين يقدر بنك إنجلترا أن معدل البطالة وصل إلى ذروته بالفعل، لا تزال ثمة مخاوف من أن تجعل اختناقات في بعض القطاعات سوق العمل ككل تبدو أضيق مما هي عليه بالفعل. وتبين أرقام هيئة الواردات والجمارك الملكية أن 1.9 مليون عامل كانوا لا يزالون في إجازات مدفوعة خلال يونيو. وتقترح بيانات أحدث من مكتب الإحصاءات الوطنية أن عدد العاملين الموضوعين في إجازات مدفوعة في الأسابيع الأخيرة قد يبلغ مستوى منخفضاً يساوي 1.2 مليون شخص، لكن الأرقام المستخدمة لا تغطي القطاعات كلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقادت الحكومة أيضاً جهوداً رئيسة للتخفيف من أثر أسوأ ركود في قرون. وخلال الأشهر المقبلة سيُوقَف العمل بالدعم، مثل تأجيل مدفوعات الرهون العقارية ووقف مالكي العقارات التجارية من إخلاء المستأجرين الذين يفوتون تسديد الإيجارات.
وأوضحت بيانات حديثة من هيئة الإدارة المالية في المملكة المتحدة، وهي مجموعة ضغط لصالح المصارف والمؤسسات المالية، وجود إشارات إلى متأخرات في مدفوعات الرهون العقارية تزحف ببطء وذلك خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو. وأفادت الهيئة بأن نهاية الإجازات المدفوعة قد تؤثر أيضاً في الأرقام.
وإذا كانت أي إشارات خاصة بالبيانات صعبة القراءة بالفعل بسبب التدخل غير المسبوق للحكومة، ثمة عوامل أكثر هيكلية تؤدي أدواراً. يفهم كثر من مالكي العقارات التجارية الذين يملكون مساحات مخصصة للبيع بالتجزئة أن قطاعهم يتراجع، ليس من المرجح أن يخلي المرء مستأجراً يعاني مع الإيجار إذا عرف أن من المستبعد أن يعثر على بديل له (أي إذا لم يتمكن من تحويل استخدام الملكية إلى الإسكان). ومن شأن ذلك أن يحجب معدل اختفاء الشركات.
كذلك ليس من الواضح المصير الذي سيؤول إليه "اقتصاد السندويشات" (جهات توفير الطعام للعاملين المكتبيين) فور انتهاء عطل الصيف، وحصول مزيد من السكان البالغين سن العمل على جرعتي اللقاح، وتغير قواعد العزل الذاتي. وتشير بيانات جمعها مركز المدن البحثي إلى أن العاملين يترددون في الوقت الحاضر في العودة إلى مكاتبهم بوتيرة تقترب من المستويات السابقة.
وواجه نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بعض الرياح المعاكسة حتى قبل أن تضرب الجائحة. فبريكست جعل بعض الواردات أكثر تكلفة للشركات إذ تتعامل مع عمليات إضافية. ويبلغ بعض أصحاب العمل البريطانيين عن مصاعب في توظيف عاملين في قطاعات اعتمدت تقليدياً على عاملين من الاتحاد الأوروبي يواجهون الآن حواجز أمام العمل في المملكة المتحدة.
لكن من غير الواضح مقدار الأثر الذي قد تخلفه هذه العوامل في ارتفاع الأسعار ونمو الرواتب في الأشهر المقبلة.
وهناك مسائل عالمية أيضاً. فالقيود على الإمدادات من إنتاج مثل أشباه الموصلات (الرقائق المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية) تدفع نمو الأسعار صعوداً في أكبر اقتصادين في العالم، الأميركي والصيني. وهذا يجعل من الأصعب على بنك إنجلترا، الذي يحدد معدلات الفائدة، معرفة مدى قصر المدة التي ستستمر خلالها بعض الارتفاعات الأخيرة في معدل التضخم.
وفي قطاعات مثل البناء، يبدو الآن أن النواقص في الإمدادات، بما في ذلك الخشب والصلب والإسمنت، تكبح الناتج، وفق مكتب الإحصاءات الوطنية.
وتشكل مجموعة منفصلة من الأرقام الاقتصادية صدرت الخميس عن المكتب، تذكيراً بأن فتح الاقتصاد بعد القيود لا يشبه تشغيل الإنارة. فشركة من كل 10 كانت لا تزال لا تتاجر في أغسطس (آب). وعلى الرغم من أن النسبة أقل بكثير مما كانت عليه في يناير (كانون الثاني) حين لم تفتح ثلاث من كل 10 شركات أبوابها، فهي لا تزال كبيرة.
وفي مؤشر، إذا دعت الحاجة إلى مؤشرات أخرى، ستكون بيانات الأشهر الثلاثة المقبلة مهمة لفهم الوضع الحقيقي للاقتصاد بعد الجائحة.
© The Independent