لا تختلف تونس عن بقية الدول الإسلامية في فرحتها بشهر رمضان، على الرغم من الاختلاف في بعض العادات والتقاليد التي تميز المجتمعات الإسلامية عن بعضها. فالشهر الغني بعمق ديني كبير وتراحم بين الناس تزينه في كل ليلة مائدة إفطار ينتظرها الصائم، وتجمعه بعائلته الأكلات التي تتميز بها تونس.
الجغرافيا صنعت الإضافة
موقع تونس وقربها من أوروبا ووجود عدد كبير من مواطنيها من أصول تركية ومن دول البلقان وجنوب أوروبا، خلق تنوعاً يميز تقاليد الغذاء فيها، يضاف له الكسكسي البربري الذي تشتهر تونس بأكبر عدد من أنواعه مقارنة ببقية الدول المغاربية. كما ساهمت هجرة الأندلسيين لها في إضافة أطباق عدة تميز كل منطقة عن الأخرى بشكل جعل المطبخ التونسي منفتحاً تماماً على بقية دول المنطقة.
البريك معجزة رمضان
على امتداد شهر رمضان يصعب أن يغيب البريك عن موائد الإفطار. والبريك الذي لا يوجد في أي مطبخ آخر يعتبر تونسياً بالمطلق، فمن ورقة مصنوعة من السميد تتوارث صناعتها النساء جيلاً بعد جيل، تصنع الوجبة التي تثير شهية التونسيين. فهي بسيطة وسهلة، تتكون من ورقة المسلوقة وبيضة توضع في وسطها ويضاف إليها بحسب الرغبة قليل من اللحم المفروم أو سمك التونة وقليل من البطاطا المسلوقة والبهارات وتقلى بالزيت. وتعتبر وجبة غذائية كاملة، مع قليل من شوربة الشعير والتي تميز أيضاً طاولة الإفطار في رمضان.
السمك سيد المائدة
أكثر من ألف ومئتي كيلومتر من الشواطئ أعطت لتونس مساحة واسعة من علاقة بالبحر، الذي يعتبر مصدراً أساسياً للغذاء فيها، ووجبات السمك بأنواعه المختلفة لها حضور مميز في وجبات الإفطار في رمضان. وبعكس كثير من الدول العربية والإسلامية، فحضور أطباق السمك بأنواعه واحد من مميزات المطبخ الرمضاني، سواء في إعداد الحساء أو الأطباق الرئيسية، التي لا تقتصر فقط على الأسماك، بل تضم الكلماري والجمبري وغيرها مما يجود به البحر.
دقلة النور
وكما يتباهي التونسيون بنوعية الأسماك الممتازة على موائد الإفطار، كذلك يفتخرون بنوعية مميزة من التمور تسمى دقلة النور وتعتبر من الأجود، وتوجد في تونس والجزائر وتتميز بلونها الشفاف وحلاوتها المميزة. وعلى عادة أخذها الجميع عن الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر التونسيون على حبات من الدقلة وكأس من الحليب أو اللبن تباركاً وتيمناً بالسنّة النبوية.
موائد الرحمن
ويدفع شهر الرحمة والمغفرة بكثير من التونسيين إلى تنظيم موائد للرحمن لعابري السبيل والفقراء، وتلقى هذه الموائد مساهمة من كثير من ميسوري الحال الذين يقدمون وجبات طعام أو يشاركون في إعداد هذه الموائد وخدمة الصائمين.
مشاركة للمجتمع المدني
ومع اقتراب الشهر الفضيل تتحرك كثير من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني لتأمين مساعدات غذائية للأسر المحدودة الدخل، ويشكل هذا العمل نوعاً من التآزر الاجتماعي ويلقى مساهمة كبيرة من المواطنين، وبخاصة للجمعيات والهيئات مثل الهلال الأحمر التونسي أو بعض الجمعيات التي يشهد لها بالأمانة في إيصال المساعدات لمستحقيها. تسعى بعض الجمعيات إلى إيصال أكبر عدد ممكن من المساعدات العينية للعائلات في منازلها وبعيداً من الأعين أو وسائل الإعلام، لأن الهدف منها كفاية هؤلاء السؤال أو طلب المساعدة، وليس الاستعراض ومحاولات كسب الشهرة على حساب الفقراء والمحتاجين.
عادات رمضانية خالدة
السهرات في ليالي رمضان في المقاهي لم تعد مقتصرة على الرجال فقط، بل تحولت سهرات عائلية تستمر في بعض الأوقات إلى السحور، وتشكل جزءاً من حركة فنية وثقافية على امتداد الشهر. كما تتميز ليالي الشهر الفضيل بسهرات المهرجانات الثقافية، وبخاصة في مدينة تونس القديمة التي تحتضن عشرات الأمسيات الفنية وتستقطب كثيرين لمتابعة سهرات طرب وغناء وإنشاد صوفي تزيدها أجواء المدينة القديمة روعة. وتحتفل تونس بليلة النصف من رمضان كما تشهد في ليلة السابع والعشرين منه احتفالات كبيرة حيث يتم ختم القرآن في المساجد. وتحيي مدينة القيروان حفلة يشارك فيها عشرات الآلاف من الزوار الذين يحضرون في جامع عقبة بن نافع الاحتفال بالليلة المباركة.
ومن العادات الشعبية التونسية أن يتم ختان الأطفال في ليلة السابع والعشرين من رمضان، وهي عادة تشارك فيها المؤسسات الصحية والجمعيات، التي تقوم بختان أبناء الفقراء مجاناً في احتفالية تعتبر ذات قيمة مهمة لدى العائلات وجزءاً من تاريخ متوارث.
هدايا العروس
وتعتبر ليلة السابع والعشرين من رمضان مناسبة لمن يستعدون للزواج لتقديم هدية تسمى "الموسم"، وهي عادة يحرصون عليها تيمناً وبركة بهذا اليوم في الشهر الفضيل. وهي من العادات المحببة والتي تشكل مناسبة فرح للعائلات، والذين يستعدون قريباً للزواج.